قصة مخدر”الكوالود”الجنوب إفريقي..

 

رحلته من الولايات المتحدة في السبعينيات حتى استقراره بهذا البلد الإفريقي
علاقته بكل من «طبيب الموت»، «مشروع الساحل» السري، محاولة اغتيال «نيلسون مانديلا» وفظائع نظام الفصل العنصري

 

 

من بين القنوات التي اعتدت على مشاهدتها، أو إن صح التعبير متابعتها، كلما أتيحت لي الفرصة بطبيعة الحال، قناة «فايس تيفي» أو «فايس لاند» سابقا، وذلك لما تقدمه من برامج ووثائقيات أصلية وخارجة عن المألوف، صحيح أن معظمها لا يصلح للمشاهدة العائلية، غير أنها تمكنت من معالجة قضايا حساسة، تلمس قلوب وعقول كل فئات المجتمع، لن يكون بمقدور العديد من القنوات التلفزية التطرق لها بهذه الحرية والعمق الكبيرين، مواد ومحتوى تلفزي يشرف عليه فريق كبير مكون من خبرات إعلامية مختلطة الأعراق، موزعة بين القائمين والصحافيين والعاملين بها، على رأسهم مدير القناة «جايمس روسينستوك».
لعل أحد أبرز البرامج الوثائقية التي تقدمها قناة «فايستيفي»بالإنجليزية، رفقة ترجمة كتابية أو دبلجة إلى الفرنسية هي سلسلة الوثائقي»هامياتونز فارماكوبيا»، من 45 دقيقة أو أكثر بقليل، يدور حول العقاقير ذات التأثير النفساني المعروفة بالإنجليزية باسم «Psychoactive Drugs»، من تقديم الصحافي بنفس القناة «هميلتون موريس»، الذي مكنه عمله في القناة التلفزية علاوة على شغفه بهذا المجال، من اكتشاف العديد من العقاقير والمركبات الكيميائية الدوائية أو المخدرة حول العالم، سواء المرخص لها أو لا، و منها عقاقير باتت أشبه بالأساطير لندرتها الشديدة، كحال مخدري» مان دراكس» الأمريكي» و»الكوالود» الجنوب إفريقي، هذا الأخير لم يعد له ذكر سوى بجنوب إفريقيا، باحثين وإياه عن سر العشق البشري المحرم لهذه المواد والمركبات الكيميائية، ومآل تلك الدولة مع دودة الإدمان التي تنخر شعبها بعمق شيئا فشيئا.

ج1. رحلة مستمرة منذ سنة 1970 أراقت الكثير من الدماء

يبتدئ البرنامج، بتعبير القائم على السلسلة الطويلة من 3 مواسم «هاميلتون موريس»، عن شغفه وإعجابه الدائمين بالمكون الكيميائي المعروف باسم «الميثاكالون» أو «Methaqualone»، مخدر كان ذو شهرة واسعة في الولايات المتحدة سنوات السبعينيات، تمت المتاجرة به تحت مسمى «الكوالود» أو «Quaalude»، تحديدا على شكل عقار صيدلاني أصبح من الصعب العمل عليه أو دراسته حاليا في أمريكا، هذا باستثناء البلد الوحيد حيث يروج له فيه لحدود الساعة، نتحدث هنا عن «جنوب إفريقيا».
زار هاميلتون البلد الإفريقي للمرة الأولى سنة 2013، حيث التقى بعدد من المروجين والمتاجرين والمتعاطين له، وهناك غاص في تاريخ هذه المادة الكيميائية المخدرة، وعلاقتها ببرنامج سري لنظام الفصل العنصري، والجرائم التي مازالت آثارها قائمة لغاية اليوم.
يقول هاميلتون إن تركيبة الكوالود كمخدر ولدهشته، لا تحتوي فقط على المركب «ميثاكالون» أو «Methaqualone»، بل تحمل أيضا مركبا كيميائيا طبيا آخر، يحمل اسم «ديفين هيدرامين» أو «Diphenhydramine»، الذي يحاكي بدوره التركيبة الدوائية الصيدلانية المعروفة ب»مان دراكس « أو «Man Drags «، متفاجئا بتصريح الشركات الصيدلانية لاستخدامها خارج نطاقها الدوائي خلال سنة 1970 وما تلاها من سنوات. ينتقل هاميلتون بعدها ب3 سنوات، أي في سنة 2016، في رحلة خطرة لفهم طبيعة مركب «ميثاكالون»، الأصل في ما يعرف بمخدر «الكوالود» الجنوب إفريقي، مستكشفين رفقته كيفية استقراره في أقصى جنوب القارة السمراء، رحلة سيتنقل فيها وبرفقته نحن أيضا، بين أزقة وضواحي مدن عدة من جنوب إفريقيا، يستوطنها حب أو عشق هذه المادة المخدرة، كما تستوطنها أطراف أساسية في هذه التجارة، ملتقيا خلالها مجموعة من الشخصيات التي احتكت بشكل مباشر أو غير مباشر مع مخدر «الكوالود».
في خضم تنقله بمدينة «سوويتو» المشهورة بكم المتعاطين الهائل لهذا المخدر، وكما خطر على أذهانكم في جنح الليل تفاديا للأعين المتجسسة (الشرطة تحديدا)، في منطقة مدججة بالأسلحة وكل الممنوعات، التقى هاميلتون مجموعة من الشباب المحليين ممن يتاجرون بهذا المخدر، حيث أظهر له أحدهم حبتين صغيرتين لهما لون أبيض لؤلؤي، مؤكدا له بانها مخدر ال»مان دراكس» أو الكوالود»، شارحا له كيفية استخدامها و التي لا تتم عبر البلع (كحال الأدوية أو العقاقير المهلوسة)، وإنما عبر استنشاق بخار الحبتين بعد إحراقهما أي في ما يشبه طقوس تدخين الحشيش، غير أن الشباب و للمفاجئة قد دعوه لمشاركتهم الجلسة، حيث يقومون بتكسير زجاجة والاحتفاظ فقط بعنقها، ومن ثم يتم حشوها بفلتر من القطن يحتوي خليطا من الدخان والحشيش، ثم لفه وشمه في ما يشبه استهلاك «الكالة»، وبعدها وضعه في عنق القارورة وإشعال الخليط بعود ثقاب (ليبقى محتوى الخليط نقيا)، ولتبدأ بعدها رحلة الاستنشاق والاستمتاع المزيفين مع دخان ابيض مائل إلى اللون الرمادي.
يقول أحد المتعاطين من المجموعة، شاب يبدو في العشرين من عمره :»هل ترى ما يحصل عند استنشاق الدخان؟، جسمك يرتخي يتخلله الضعف رويدا، لتنعزل سريعا في عالمك الخاص». ما يحدث في الواقع أي طبيا، بعد تناول «ميثاكالون» عن طريق البلع، أن المتعاطي يستشعر ارتخاء واضحا في كتلته العضلية، يؤدي إلى حالة من الاسترخاء البطيء لجسمه، بخلاف استهلاك العقار عبر التدخين، الذي يسرع إنتاج الجسم للمواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالنشوة (من بينها الدوبامين)، و في حالات الجرعات العالية، فإن الأمر يصل إلى فقدان الوعي أو النوم. يسأل هاميلتون احدهم من المجموعة قائلا : «كيف تشعر الآن؟»، ليجيبه : «أحس وكأني أحلق فوق القمر، وأن مشاكلي قد رحلت دون رجعة»، يجيبه آخر : «عند تدخين هذا الغبار، تحس بأن أمرا ما يحدث في جسمك، فأنت تشعر بدوار يصاحبه تعب واضح يؤدي بك نحو رغبة شديدة في النوم حتى وإن كنت واقفا !!، انظر إلى هذا الرجل لقد نام واقفا، ولن يسقط حتى لو أراد ذلك».
يتابع هاميلتون حديثه، مذكرا بأن استخدام العقاقير والمخدرات في جنوب إفريقيا، يختلف اختلاف السماء عن الأرض بالنسبة لطبيعة استهلاك الأمريكيين لها في سنوات السبعينيات، تحديدا لعقار «الكوالود» الأصلي الأمريكي، الذي تحول ل»نوستالجيا وردية» كما وصفها بالنسبة للأمريكيين، لاسيما إبان تسويق شركات الأدوية له في الملاهي وقاعات الرقص باعتباره بديلا»غير إدماني» لمخدر «باربتيورات» أو «barbiturate»، ما أدى الى استهلاكه بطريقة جنونية جدا أدت في ما بعد إلى تحريم إنتاجه وبيعه في الولايات المتحدة، وذلك لآثاره المدمرة على القدرة العقلية والجنسية لمن يتعاطونه بكثرة. لهذا، يؤمن كثيرون، بأن انتشاره الواسع في جنوب إفريقيا، يعود إلى سهولة الوصول إلى المواد الأولية المسؤولة عن إنتاجه (والتي سنتحدث عن أبرز مكون فيها لاحقا)، وأن للحكومة في فترة سوداء من تاريخ البلاد (و على ما يبدو لحدود اليوم)، دور مهم في توسع دائرة متناوليه وأنه أيضا نتاج لخطة تجارب سرية ترأسها نظام الفصل العنصري، بالتعاون المشكوك في صحته مع الدكتور «ووتر باسون» أو «طبيب الموت»، والذي يعتقد بأنه من جلب العقار ونشره في جنوب إفريقيا.
بالحديث عن الدكتور «ووتر باسون»، او المعروف في إفريقيا و العالم ب»طبيب الموت»، فإن الشائعات المحلية تلقي عليه باللوم بسبب جلبه للعقار الطبي، ومسؤولية نشره في شوارع جنوب إفريقيا وبين شبابها، ما أدى في سنة 1999 إلى محاكمته قضائيا أمام محكمة «بريتوريا» العليا (محاكمة نالت شهرة واسعة)، بتهم حيازته لتركيبة عقارية دوائية ممنوعة من الإنتاج والتسويق، ناهيك عن نشاطه غير المباشر في تجارب سرية (على البشر) كيميائية وبيولوجية فظيعة، أدت إلى فظائع عنصرية في حق ساكنة جنوب إفريقيا السود، في مشروع سري حمل الاسم الرمزي «بروجيكت كوست» أو «مشروع الساحل»، و فيه اعترف الطبيب باشتراكه في ملء شوارع جنوب إفريقيا بمخدرات»MDMA» و «LSD» و خاصة «مان دراكس»، من أجل التحريض على الانقلاب والعنف الأهلي والتحكم في الجماهير والتحريض، نفس التقنيات المستخدمة لحدود اليوم، في التحريض والتحكم بالجماهير حول العالم.
انتقل هاميلتون إلى خارج العاصمة «جوهانسبورغ»، حيث كان على موعد بالناشطة في حقوق الإنسان والمحامية المشهورة»جيني وايلد»، التي سعت لإخراج أفعال «طبيب الموت» المشينة و فضحها للعموم، وساهمت في الكشف عن المستور في ملف «مشروع الساحل، مصرحة بالقول :»إن مشروع الساحل لم يكن بالمشروع سهل الكشف، فلم يضم فقط المتاجرة بالعقاقير والمخدرات الممنوعة، بل شمل أيضا حيازة الأسلحة البيو-كيميائية، الموجهة لخطة خفض أو إنقاص كتلة ساكنة جنوب إفريقيا من السود، إضافة إلى توزيع العقاقير المخدرة من قبل نظام الفصل العنصري، تكمن المأساة الحقيقية، في مشاركة واسعة للأطباء والأطر التمريضية في هذه الفظائع، لدرجة أن مجازر النازيين ستبدو كفسحة مدرسية أمام هول ما حصلنا عليه من وثائق تثبت ما حصل».
يتابع هاميلتون :»إضافة إلى ما سبق، فقد تمكن الناشطون الحقيقيون أمثال جيني وايلد، من الوصول إلى وثائق سرية أكدت تورط مشروع الساحل لأبعد مما ذكرناه مسبقا، ليشمل أيضا تطوير جينات كلاب الحراسة عبر دمجها مع جينات الذئاب لتصبح كلابا خارقة، علاوة على تدريب أفاعي فصيلة «بلاك مامبا» شديدة السمية، بغرض تسميم أهداف سياسية معارضة عن بعد، والأبشع من ذلك، حقن النسوة السود بمحاليل تحرمهم من الإنجاب تحت مسمى «حملات التطعيم». تعقب المحامية «جينيوايلد» بالقول :»إبان ممارستي لمهنة المحاماة، كنت أتواصل مع أشخاص دخلوا مرحلة الإدمان على المخدر، مؤكدين بأن عملية إنتاجه لم تتجاوز في فترة قصيرة (قبل المحاكمة) 850 ألف حبة، لتصبح بعدها وفي وقت وجيز ودون مبالغة بعدد رؤوس الساكنة السود في جنوب إفريقيا».
انتقالا إلى مدينة «كايب فلات»، في الحي الفقير الذي أسسه نظام الفصل العنصري، أو ما تفضل تسميته الحكومة الحالية ب»المنزل الملون لجماعات كايب تاون العظيمة»، التقى هاميلتون بأحد مروجي المخدر سابقا والمدعو ب»بابا»، الأخير تذكر زيارة هاميلتون الأولى سنة 2013 حيث كان منزله مقلوبا «عاليه على سافله» كما وصفه. في نفس المنزل، التقى صديقنا أكبر متعاطي للمخدر في الحي الفقير بعمر يقرب من 63 سنة، حيث سأله رفقة من معه من المتعاطين :»ما شعوركم الآن؟»، ليجيبوا دفعة واحدة : «بأنهم يحسون برغبة شديدة في النوم، غير أنهم يرفضون ذلك وبشدة، لأن النوم سيزيل مفعول المخدر ويحرمهم من نشوته، وكما علمنا مسبقا بأن النوم نهاية المتعاطي النهم، غير أن النشوة سريعة الاختفاء لديهم (بضعة دقائق)، وها هي تعيدهم بعدها لتعاطيه مجددا إلى أن ينتهي مخزونهم منه».

ج2. تجارة «الابالوني» السرية والرابط غير المتوقع مع المخدر الجنوب إفريقي

حلزون «الابالوني» البحري، واسمه العلمي «هاليوتيس ماداي» او «Haliotis Maday»، حيوان بحري يعيش على مقربة من سواحل جنوب إفريقيا، أصبح منجما للذهب بالنسبة للصيادين المحليين خاصة. التقى هاميلتون أحد مروجي المخدر الشهير، الذي أكد له خلال جلسة عشاء عن معرفته بمعلومات تربط بين هذا الحلزون واستمرار إنتاج مخدر الكوالود، حيث قال له :».. يكمن السر في اهتمام الآسيويين وطلبهم المتزايد عليه، لكون تجارته «غير شرعية» في بلدهم». تابع هاميلتون مواكبا ضيفه :»لقد بلغ إلى مسامعي، بأن الأبالوني يدخل كسلعة للمقايضة في المخدر، فهل يمكن تنويري بالمزيد؟»، ليجيبه : «ما قلته صحيح، وأضيف بأن المسؤولين عن ذلك مافيات الشباب في «كيب تاون»، ذات العلاقة الوطيدة بصيادي أو مستخرجي الابالوني المحليين (غير المرخصين في المجمل)، هذا من أجل المشترين الآسيويين، سواء في السر أو في جلسات مقايضة تحتكم إلى مبدأ «سلم و استلم»، كما أن الصينيين يتكلفون بإيصال المخدر إلى مخازن «كيب تاون» و منها يحصلون على الأبالوني».ويردف قائلا : «بأن من النادر استهلاك الابالوني في المنازل (فرديا)، كون جله يذهب إلى التصدير نحو دول آسيا وتحديدا الصين، حيث يتم استهلاكه لما يشاع عنه ك»منشط جنسي طبيعي»، غير ان تقييم الجنوب الأفريقيين لعلاقتهم بالصينيين يختلف عن نظرة الصينيين لأبالوني جنوب إفريقيا ومستخرجيه عموما، باعتباره ثمنا للمقايضة من أجل حفنة من المخدر وليس من أجل المال.
بالعودة إلى جنوب إفريقيا، وفي مدينة «هوت باي»، التقى هاميلتون من وصفه ب»ناهب السواحل الإفريقية من الابالوني»، الصياد غير الشرعي المعروف ب»السيد زولو»، وهو يهم برفقة مجموعة من الشباب بإعداد معدات الغطس لرحلتهم المقبلة، في بلدة تعاني شحا شديدا في فرص العمل وفقرا واضحا على ساكنتها. انطلق السيد زولو برفقة هاميلتون، مصرحا بأن له العديد من الأصدقاء الذين قضوا نحبهم خلال جمع الحلزون البحري، وبأنه دخل السجن ما بين 6 الى 7 مرات بسبب الصيد غير الشرعيـ، استقر السيد زولو رفقة رفاقه وهاميلتون عند تل يطل على الساحل القريب من المدينة، في منطقة شديدة السواد غير أنها آمنة لهم وتقيهم أعين الشرطة المتربصة. من الصعب، بحسب هاميلتون، العثور على الحلزون البحري على عمق بسيط، ومن الصعب أيضا العثور على كمية كبيرة منه في بقعة واحدة، فخصائصه الجسمية تفرض عليه مدة طويلة للبلوغ الجنسي تصل إلى 10 سنوات، كما أن أمد عيشه قد يتجاوز 30 سنة في حالة نجاته من المفترسات البحرية أو الإنسان.
بالعودة إلى رفاق الغطاس زولو، فقد تمكنوا من عدد لابأس به من هذا الكائن البحري، ليعودوا إلى المنزل من اجل الاحتفال بالغنيمة، هناك حيث وضعوا لحم الابالوني في المجمد لكي يبقى طريا. اكد السيد زولو، بان الابالوني (المجمد هنا) يدخل كمقايضة من أجل المخدر مع الصينيين من دون شك.

ج3. من المواد الأولية إلى المنتج الأخير على حرارة 200 مئوية

بالعودة إلى العاصمة جوهانسبورغ، وفي اليوم الذي أطلق فيه سراح الراحل نيلسون مانديلا، كانت الشائعات تحوم حول محاولة تسميمه من قبل «طبيب الموت»، من خلال مركب كيميائي (يشاع بانه ميثاكالون)كان ليسبب له مرض السرطان، هذا من أجل كبح محاولاته لإسقاط نظام الفصل العنصري في البلاد، ولمنعه من الوصول إلى كل الوثائق والمعلومات حول التجارب السرية ل»مشروع الساحل». تساءل هاميلتون أثناء توجهه نحو مبنى «الأرشيف الوطني لجنوب إفريقيا»، عن مصير ما يقرب من 2 أطنان من المخدر، التي وجهت للسيطرة على الجماهير في تلك الأحداث، باحثا بتعمق في الوثائق والصفحات من محاكمة «طبيب الموت»، وما تحتويه من أسماء لا حصر لها لسموم ومركبات كيميائية خطيرة من قبيل : «الثاليوم» و غاز الأعصاب «في – اكس»، و «السيكلوسالين» و «سيانيد الصوديوم» و «الميثاكالون» وغيرها.. مركبات مصحوبة بأدلة تشير لاستخدامها كأسلحة كيميائية وتوجيهها لتحقيق السيطرة على الجماهير.
التقى هاميلتون بأحد المشرفين على تحليل العينات الكيميائية، لاسيما من الميثاكالون المرتبط بمشروع الساحل السري، الخبير الكيميائي «إيثيان فان زيل» الذي صرح :»أن ما قام به طبيب الموت، كان نابعا من اعتقاده الراسخ بأنه جندي في أرض المعركة وتحقيق أوامر الحكومة المحلية. لقد كان على مقربة من اتمام مهمته الرامية إلى إنجاح التجارب الكيميائية والبيولوجية على السود، وربما كإشباع لمطامعه ونزواته الشخصية». ويتابع :»لقد أجريت أبحاثا وتجارب على ما تمت مصادرته من مواد كيميائية، عقب الكشف عن «مشروع الساحل السري»، التابع بشكل ما لبرنامج سري آخر يعرف باسم ال»برنامج الشبح»، حيث وضعت هذه المواد في براميل بنية اللون، مواد تعود في أصلها إلى بقايا الحكومة القديمة، كافية لانتاج 3.5 مليون لوحة من حبوب المخدر (في تلك الفترة). إن الطريقة الأفضل للسيطرة على الجماهير باستعمال المخدر كانت عبر التشجيع على استهلاكه، لا عبر نشره على شكل دخان كما روج لذلك مسبقا». يتابع هاميلتون، بأن طبيب الموت قد طور نظاما معينا، يمكنه من تحويل حبوب المخدر إلى أسلحة، وذلك على شكل قنابل يدوية صغيرة (أشبه بتلك المستخدمة حاليا لإطلاق الغاز المسيل للدموع)، ومنها ما وجه للاستهلاك الآدمي بحسب البعض.
بالحديث عن جرائم طبيب الموت، توجه هاميلتون للقاء «شاندري جوولد»، صاحبة مؤلف «أسرار و أكاذيب» أو «Secrets and Lies» عن مشروع طبيب الموت السري، التي صرحت :»أن الفرضيات تقول بأن ال»مان دراكس» قد وجه للسيطرة على الجماهير، ومن شبه المستحيل معرفة ما إن كانت تلك الكمية المنتجة، قد استحوذ عليها من قبل السوق السوداء في أو خارج جنوب افريقيا، ولا توضيح لما حصل لتلك الكمية من المخدر، جل ما يمكن قوله هو أن طبيب الموت في تلك الفترة كان يعيش حرية كبيرة في تجربة و تطبيق أفكاره المجنونة». بذكر الطبيب المجنون، وخلال لقاء له سنة 2013 على منصة «بريميديا بودكاست»، أجاب ووتر باسون على سؤال عن رأيه في المحاكمة قائلا :»الأمر ببساطة، أن دافيس (أحد المقربين له) قد أطلعني على ما قمت به من أخطاء، إذ قال لي إن كل ما علينا فعله هو فتح ملف قضية لكل شخص تأذى بشكل ما من هذه التجارب، إلا أنني أجبته بأن الأمر مستحيل بالرغم من اقتناعي بالفكرة، وذلك لمرور أكثر من 20 سنة على التجارب، إضافة إلى عدم توفر شهادات من الضحايا قد تثبت ما قمت به أو ستمكننا من تقديم تعويضات محترمة لهم».
انتقل هاميلتون في ما بعد، لملاقاة القائمين على نشر هذا المخدر في جنوب إفريقيا، رجل وحيد على صلة متشعبة بكل من يبيع هذا المخدر، رجل اضطر هاميلتون للعب البلياردو (هذا ما حدث فعلا) مع تابعيه بغية الوصول اليه، ملك مخدر «المان دراكس» او «الكوالود»، المعروف باسم مستعار «السيد بازيل»، الذي خاطب هاميلتون عبر نافذة سيارته قائلا :»قبل أن تبدأ في الإنتاج، يجب عليك أن تعد مسبقا نظام البيع، ومن هذه النقطة بدأ اهتمامي بهذا المجال، ونعم لأجل المال كما تعلم، فنحن نعيش في بلد إفريقي فقير رغم موارده و ما يظهره من غنى. من الواضح بأن مشروع الحكومة المفضوح، لم يكن بيد شخص واحد، لقد كان مشروعا كبيرا جدا يتجاوز قدرة مجموعة من الأفراد، بيد أن الآليات المسؤولة عن إنتاج المخدر (آلات الضغط)، كلها مستوردة من الخارج كحال بعض المواد الأولية كما نعلم معا»، ويردف متسائلا :»من أتى بهذا المنتوج إلى جنوب إفريقيا؟، من تمكن من الوصول إلى التركيبة الصحيحة؟. لا نعلم على وجه التحديد، لكن الاسم الوحيد المرتبط بكل هذا «ووتر باسون»، سيصعب على نظام الفصل العنصري أن يؤثر على الجماهير وتلك الحشود لوحده، حتى باللجوء إلى «الأيادي السوداء» فإن الامور لم تكن لتسير على الطريق المنشود، غير أن استخدام العقار لتدمير الشعب الإفريقي الأسود كان مهمة ناجحة وفكرة ذكية».
انتقل السيد بازيل، برفقة هاميلتون إلى مكان عمله، مصنع صغير حيث يتم إعداد التركيبة الصحيح للمخدر (مسحوق ذو لون قريب للرمادي)، إضافة إلى المعدات التي ستعملها (طنجرة طبخ كبيرة نسبيا، وموقد لإشعال النار يعمل بالغاز).أخبره أحد رجال المروج بما يلي : «أنا أستمتع بتحضير المخدر، لعلمي بأنني سأجني المال الكثير منه». يتابع هاميلتون : «هكذا يقوم بتحضيره. يمزج كلا من «الأبا» (لا أعلم إن كان يقصد مركب «دريوكراسين آبا») علاوة على محلول «او-تولويدين» العضوي، ليوضع في الطنجرة ويطبخ على درجة حرارة 200 مئوية (خليط يسبب الاحتكاك المطول به سرطان المثانة)، يؤدي خلطه بالماء على درجة الغليان إلى تكوين «الميثاكالون» المبدئي (رائحته اشبه باحتراق المطاط)، ثم يخلطه بمركب «صوديوم الهيدروكسيد» (خليط يسبب الحكة الشديدة)، ثم ينتقل الرجل إلى تخفيف حموضة المنتج (من 13 إلى 7)، ليعلق ما نتج من الخليط المطهو 800 غرام،( تكفي لصناعة 4 الاف حبة) في كيس ليتم تجفيفه».
اختتم هاميلتون هذه الحلقة، ذاكرا بأن العديد من الأمور، المرتبطة بظهور ال»مان دراكس»في جنوب إفريقيا، ووريثه الشرعي «الكوالود» الجنوب الإفريقي، لاتزال غير واضحة المعالم بسبب اندثار شهادات من عانوا من آثار المخدر القوية، خلال فترة المظاهرات التي أججها نظام الفصل العنصري في البلاد، وكل من ساندوه من مسؤولين في جنوب إفريقيا، غير أنه عرض ما أدلى به السيد بازيل وراء الكواليس، الذي قال : «لقد فتحنا صفحة جديدة من كتاب إفريقيا (يقصد بعد أحداث الفصل العنصري)، وما يهمني حاليا فهم كيفية قيامه بكل أفعاله (يقصد طبيب الموت والحكومة)، والوسائل التي استعان بها كل منهما لذلك، ولماذا اعتبروا فعلتهم مجرد تجارة وليست حربا أو بالتدقيق «مجزرة وطنية». لذلك، وكيفما كانت طبيعة الأدلة التي سنعثر عليها، فلن توقفنا في سعينا لمعرفة الحقيقة الكاملة حول تلك المجازر التي أودت ولا تزال بحياة السود الجنوب إفريقيين».


الكاتب : ترجمة وإعداد : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 23/02/2021