قضايا من التاريخ الجهوي للجنوب المغربي خلال القرن 19 .. من الزاوية السملالية إلى دار إيليغ -19-

تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.

 

تأسست إمارة إيليغ على يد علي بودميعة في فترة الصراع الأخوي بين زيدان وأبو فارس والمأمون حيث انفجر بين أبناء السلطان السعدي أحمد المنصور مباشرة بعد وفاة هذا الأخير، كما ان ضعف قبضة زيدان على سوس زاد من تطلعات علي للمارسة السلطة وتعويض الفراغ السياسي الذي أحدثه وفاة أحمد المنصور. فبايعه سكان وأعيان وعلماء منطقة جزولة سنة 1612م/1021، وذلك قبل الاستيلاء على تارودانت قاعدة سوس للمرة الثانية، بعد حروب عدة مع أبو زكرياء يحيى الحاحي . وبعد وفاة هذا الأخير سنة 1626م/1035ه «صفا لأبي حسون قطر السوس ونفذ فيه أمره وسمعت كلمته… ثم مد يده إلى درعة فاستولى عليها، ثم استولى على سجلماسة ونواحيها فاستحكم أمره وتقوى عضده».(الناصري أحمد بن خالد، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج6، تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، ص 79.) وقد مكن هذا التمدد الإمارة السملالية من السيطرة على أهم المحاور التجارية المؤدية إلى الشمال عبر سوس وسجلماسة. ويشير محمد حنداي في مؤلفه «سوس والمخزن»أن السملاليين تمكنوا من احتكار تجارة السودان الغربي، كما سيطرت على الموارد المتأتية من مراسي منطقة سوس، وسيطر على مناجم المعادن في المنطقة، ولتوطيد سلتهم فرضوا عدة ضرائب على الناس.
وعلى عكس الإمارات الأخرى، تميز المشروع السياسي لأبي حسون بوضع أسس وطيدة لبناء دولة مركزية، وتلقب بالسلطان، كما عرف بألقاب أخرى مثل «بودميعة» و»صاحب الساحل». ويشير محمد القبلي إلا أن عدة دول أجنبية سارعت الزمن للتفاوض مع الحاكم الجديد المحتمل حيث اعترفت بعض الدول الأجنبية بحكمه وفاوضته وعقدت معه المعاهدات التجارية، وهو ما مكنه من جني أرباح طائلة من الصفقات التجارية ومن الحصول على العدة والعتاد فسمح له ذلك بالدفاع عن المجالات الشاسعة التي كنت تحت سيطره.( القبلي محمد (إشراف وتقديم)، تاريخ المغرب تحبين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، ص 394.)

أفول نجم الإمارة السملالية وبزوغ فجر الدولة العلوية
ارتبطت قوة الامارة السملالية بأبي حسون السملالي مما يعني ان وفاته سنة 1659م/1070ه، وتولية ابنه سيدي محمد أوعلي لتدبير شؤون الامارة وقد اتضح هذا جليا بعد تمكن السلطان مولاي رشيد سنة 1670/1081من تكسير شوكة السملالين والثأر لأبيه مولاي الشريف بن علي الذي كان سجينا عند السملاليين، فاستولى على مناطق واسعة من سوس كتارودانت ومنطقة هشتوكة، ودمر عاصمة الإمارة إيليغ التي فر منها محمد بن أبي حسون وإخوته إلى حيث آوتهم قبيلة أيت أوسا التكنتية،(] ناعمي مصطفى، معلمة المغرب، ج2، مرجع سابق، ص 660.)» وقيل أيضا، أنهم لجأوا إلى السودان الغربي في ضيافة ملك البامبرا Biton Kouloubali «، حيث استقروا في تومبكتو تحت حماية الملك السوداني، الذي ساعد محمد أوعلي على تكوين جيش من آلاف العبيد وتوجه به إلى سوس لاسترجاع إمارته. ورغم حلوله بسوس ودخول للمنطقة في ربيع 1672م فإن الأمير السملالي اضطر إلى تسريح جيشه الذي لم يستطع تلبية حاجياته(حنداين محمد، المخزن وسوس (1672-1822) مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة، مرجع سابق، ص 243-244.(
وقد نتج عن انتصار المولى الرشيد العلوي انهيار حكم السملاليين، وتوارى النفوذ السياسي السملالي إلى الظل. وفي المقابل استمر النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والديني لحفدة الشيخ أحمد أو موسى رغم التوتر الظاهر في علاقتهم بسلاطين الدولة العلوية الوليدة.

 

 


الكاتب : ربيع رشيدي (*)

  

بتاريخ : 02/04/2024