تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
طرح مفهوم التاريخ نقاشا شائكا بين الاستوغرافيين وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف هذه الكلمة؛ ومرد ذلك إلى أن كلمة التاريخ تدل على العلم وفي آن واحد على الأحداث التي وقعت في الماضي القريب او البعيد أي حوادث الماضي، كما تعني أيضا العلم بهذه الحوادث فإذا أخذنا بالتعريف الشائع الذي يقول إن التاريخ هو حكاية الحوادث الماضية المتعلقة بالإنسان؛ يبدو أن في ذلك تهافت على مفهوم التاريخ من خلال مسببين إثنين : الأول أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال استعادة كل ما مضى من الحوادث المتعلقة بالإنسان، والسبب الثاني أن التاريخ ليس إخبارا إنسانيا بحثا عن الحوادث الماضية بل هو «صناعة البحث في نشاط الإنسان والتحقيق من الرواية عن قيامه والتنقيب عن بواعثه ونتائجه وإثبات الخبر الصادق عنه للإشارة إلى مواطن الفائدة منه. وبالتالي فالماضي ليس سوى هذه المادة وليس حكاية وإنما دراسة، فالتاريخ إذا علم يدرس الإنسان عبر الزمان دراسة اجتماعية ، اقتصادية وسياسية ثقافية دراسة الماضي وأثره في الإنسان حاضرا ومستقبلا.
ساهم الإنتاج العلمي للفرنسيين من رحالة، ومخبرين، وضباط الشؤون الأهلية، وإلى جانبهم- فيما بعد- الإنتاج الأنثروبولوجي للباحثين الأكاديميين، الأنجلوـــ أمريكيين، إلى الدفع بالباحثين المغاربة لإعادة النظر في مقولاتهم وخلاصة أبحاثهم، ووضع استنتاجاتهم أمام التساؤل والتشكيك في جديتها، ومدى نجاعة المنهج والنظريات الموظفة فيها و قابليتها للتوظيف. ومهما قيل عن الغاية والأهداف المتوخاة من هذه البحوث، والتقارير التي أنجزت عشية الاستعمار الفرنسي، أو خلال ثلاثينات وستينات القرن الماضي إلا أنها تعتبر وبحق دعامة أساسية لإعادة كتابة التاريخ الجهوي لسوس وفق مقاربة تاريخية ــ أنتربولوجية على يد الجيل الأول والثاني والثالث من المؤرخين المغاربة، والذين تعتبر أبحاثهم اليوم أجود ما أنتجته الجامعة المغربية على مدى خمسة عقود من الزمن. وفي هذا السياق أفاد الأستاذ إبراهيم بوطالب بضرورة العودة إلى البيبليوغرافيات وعدم التسليم بجحد ما تحتوي عليه أو «نفي ما تتضمنه من صفحات تاريخنا مما لا غنى عنه لكتابة شمولية للتاريخ». والملاحظ أنه منذ الاستقلال وإلى اليوم ستعرف الدراسات التاريخية تحولا نوعيا على مستوى الكم والكيف، والنظريات والاتجاهات المطبقة عليها إذ ما كتبه الجيل الأول من المؤرخين يختلف تماما عما أنجزه رواد الجيل الثاني والثالث؛ سيما أن هذه البحوث تختلف على مستوى القضايا المتناولة و جودة الكتابة. وبتزايد عدد الجامعات المغربية، ونتيجة للتغير الجذري على مستوى سياسة البحث العلمي سيرتفع عدد الأطاريح الجامعية سيما تلك التي اتخذت من مجال سوس موضوعا لها. كما عرف مجال النشر انتعاشا نسبيا مقارنة بالمراحل السالفة رغم التفاوتات الملموسة على مستوى الحقب والمواضيع والقضايا المتطرق إليها، وبالموازاة مع ذلك ارتفع حجم الرسائل المناقشة دون موافاة بعضها الشروط العلمية والمنهجية. وفي الآونة الأخيرة انكبت جهود بعض الباحثين إلى إنجاز تقارير هامة حول حصيلة البحث التاريخي بالمغرب على مستوى المواضيع والمضامين والخصائص، وفي طليعتهم الأستاذ عبد الأحد السبتي الذي أنجز تقريرا شافيا حول حصيلة وتقييم البحث التاريخي من أجل تقويم مساراته. وقد حدا حدوه زميله محمد حبيدة الذي كان قاسيا أو بالأحرى غيورا على ما آلت إليه الجامعة المغربية على مستوى التأطير والبحث العلمي الرصين. وفي هذا السياق تأتي هذهالحلقات لتقريب القارئ من قضية البحث في التاريخ الجهوي لسوس الذي سيطر على الأبحاث التاريخية خلال الفترة الكولونيالية وما بعدها؛ إذ لا نجد بحثا خال من فصل أو مبحث يهم هذا التخصص سواء باعتباره موضوعا رئيسيا؛ كما هو الحال للبحوث في التصوف والنوازل والفتاوى، أو كموضوع ثانوي في الأطاريح التي اهتم أصحابها بالتاريخ السياسي والاقتصادي للمغرب انسجاما مع الموضة الجديدة في البحث التاريخي حيث تم تناول تيمة الدين من أجل سد ثغرة في أبحاثهم دون الوعي بأهميته في تفسير عدة ظواهر ظلت عالقة في خلاصاتهم واستنتاجاتهم. ومن جهة فهذه الأبحاث تعكس مدى تأثر الباحثين المغاربة بالدراسات الأجنبية إما من باب النقد، أو الاعجاب بالمناهج والنظريات الموظفة، ومحاولة أجرأتها في مونوغرافيات تتخذ من مسقط رأسهم مجالا لها. ومن جهة أخرى تسعى هذه الورقة تسليط المزيد من الأضواء على حصيلة البحث في التاريخ الديني المغربي، ومحاولة المقارنة بين المدرستين الأجنبية والوطنية على مستوى الحصيلة والآفاق للتأكد فيما إذا كان الإنتاج المغربي يتسم بالإبداعية والخصوصية المحلية أم مجرد محاكاة للمناهج والنظريات الاستعمارية المتجاوزة.