تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
شكل تاريخ المغرب منذ المرابطين إلى الاستقلال موضوعا لدراسة مسألة المركز والمحيط؛ بمعنى كيف يمكن للدولة انطلاقا من العاصمة أو المركز أن تضبط تواجدها بالهوامش وبخاصة تلك التي «لا تنالها الأحكام ولا يحصل لأهلها بها الغرض» أو بمعنى آخر القبائل النائية السائبة الخارجة عن طاعة المخزن، والراجح حسب ما تفيد الوثائق الملكية أن المخزن ظل يبسط سيطرته على كل ربوع سوس بواسطة القائد والجابي والظهير وهي سمة مرتبطة بذكاء ودهاء الحكام الشرفاء العلويين، غير أن فترات الفراغ السياسي اضطر الساكنة الخروج عن طاعة الدولة- منظومة المخزن- إما بسبب جور القواد أو بسبب المسغبات والجوائح أو ظهور الفتان (حالة بوحلايس في إفران الأطلس الصغير وبوحمارة في الشرق) ومن أصعب المحطات التاريخية التي نجحت فيها الدولة لردع الحركات الاحتجاجية؛ محطة الثلاثين سنة التي تلت وفاة المولى إسماعيل (1757-1727) باني الدولة العلوية إداريا، وعسكريا، وفترة الصراع الأخوي الذي تلى وفاة سيدي محمد بن عبد الله (1790)، وفترة استبداد الحاجب السلطاني أبا حماد(1894/1900) وفترة الصراع الأخوي بين مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ الذي انتهى لصالح هذا الأخير حيث ظل القضاء على المدعو بوحمارة، ورفض مقررات الخزيرات وإعلان الجهاد على فرنسا نقط للتنافس بين الأخوين وترجيح كفة أحدهما. غير أن توقيع معاهدة فاس 30 مارس 1912 التي ألقت المغرب في أحضان الاستعمار الفرنسي طرحت من جديد مشروعية الحاكم ومدى كفاءته لقيادة الأمة، الشي الذي يفسر ظهور تيارات سياسية بويعت لقيادة الجهاد ضد فرنسا كما هو الحال مع أحمد الهيبة الذي دعي له في المنابر السوسية «سلطان على الجهاد» وهي الحركة التي انتهت مباشرة بعد الهزيمة المدوية يوم 6شتنبر1912 في وقعة سيدي بوعثمان أمام القوات الفرنسية. والملاحظ أن المغاربة ظلوا أوفياء للعرش العلوي وقد اتضح هذا بعد تنفيذ مؤامرة نفي المغفور له محمد الخامس يوم 20 غشت 1953 على يد المقيم العام «غيوم» حيث شكل المغرب حالة استثنائية في نضال الأمة العربية بشمال افريقيا من أجل الاستقلال؛ فالمغاربة ناضلوا ليس فقط لتحقيق الاستقلال وإنما لرجوع الملك من منفاه بمدغشقر. بعد هذه التوطئة التاريخية يمكن أن نتساءل عن موقع الجنوب المغربي وبخاصة القطر السوسي من هذه الأحداث.
يطرح موضوع العلاقة بين المركز والهامش بالقطر السوسي خلال القرن التاسع عشر مشكلة الالتحام والتنافر داخل المجتمع السوسي تلك العلاقات التي تبين إلى حد ما إمكانية السماح بالاستمرار، إذا روعيت شروطه، أو عرقلته عندما تفقد تلك الشروط ولعل الوثائق الملكية تفيد بوجود الترابط بين المركز والهامش أي بين السلطة المخزنية والقبائل السوسية، وأهم المحطات التاريخية التي تفيد بحضور المخزن في سوس خراب دار إيليغ وتحولها من إمارة لها رغبة في الحكم إلى مؤسسة مكملة لأدوار المخزن بالمجال، وكذا حضور الحسن الأول مرتين إلى سوس 1882/1886 بشكل رسمي وعلى شكل حركة لردع الثوار وإعادة التمثيل المخزني بالمجال.
لعل تحليل العلاقات الاجتماعية بين المخزن و سوس تقتضي البحث في الإطار الفعلي الذي كان يستوعب تلك العلاقات وهذا الإطار هو الاقتصاد البشري الذي يفسر الحركات الاجتماعية وموقع المخزن فيها باعتباره مسؤولا عن جباية الأعشار والضرائب. ولم يخرج القطر السوسي عن الطاعة إلا في حالة إجبار السكان على الأداء الضريبي دون الأخذ بعين الاعتبار الفترات الحرجة التي غالبا بما يتسبب فيها الوباء أو الجفاف، أو خلال فترة فرض المكوس عنوة كما هو الحال بعد هزيمة تطوان أمام إسبانيا (1860)خلال فترة سيدي محمد بن عبد الله، أو فرض الترتيب العزيزي الذي لم يستثنى أحد من جبايته.