تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية.
تحاول مقالاتنا تجاوز هذه المنزلقات وتتميم الدراسة السابقة، سيما أن هذه الأخيرة لم تخصص للتاريخ الديني إلا سبع صفحات(أنظر ما كتبه الأستاذ حنداين محمد حول وصول الناصرية إلى سوس، م.س، صص: 468- 474.) مشتتة الأفكار لا تعدو أن تكون تكرارا لما هو موجود في دراستين سابقتين أساسيتين (حاول الأستاذ حنداين محمد أن يستعرض خلاصات دراستين أساسيتين حول الناصرية وهما:
مقال الأستاذ عبد الله حمودي والذي يحمل عنوان:
Hammoudi.(A), « Sainteté et pouvoir: Tamgroute aux XVII et XVIII siécles » , in Annales Economies-sociétés-civilisation.35é Année N3-4 Mais Aout 1980.
أطروحة الأستاذ علي أنكام ، إسهام في دراسة زاوية قصر تامكروت (1647- 1727) . د.د.ع ، رسالة مرقونة بكلية الآداب بالرباط، 1990/1991.).
ويعاب على المحور الديني في كتاب محمد حنداين عدم تطرقه إلى آخر دراسة بخصوص الزاوية الناصرية (عمالك أحمد، جوانب من تاريخ الزاوية الناصرية : من النشأة إلى وفاة الشيخ محمد الحنفي 1052 – 1325/ 1642- 1907، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1427 – 2006، ج3 صص : 609- 629.) حيث لم تشر إلى زاوية تمْكْديشْتْ باعتبارها محركا للأحداث في سوس بين المركز والهامش وان شيوخ هذه الزاوية كلفهم المخزن بجمع الاعشار وأخذ قسط منها مقابل مراقبة دار إيليغ والتبليغ بتحركات شرفائها. كما لم تتم الإشارة إلى الزاوية الناصرية بإفران الصغير والأدوار التي لعبتها في تهدئة الأوضاع الداخلية من خلال عملية التحكيم (َ(Arbitrage بين القبائل المتنازعة في سوس. وإذا ما أسندنا للزاوية دورها في التخفيف على المخزن المركزي من خلال جبيها للضرائب، سنكون بصدد دور مهم لهذه الزاوية وبالتالي فأثرها يجب أن يظهر في البحث لا محال.
لقد ارتكزت دراسة حنداين للزاوية الناصرية على الخلاصات التي انتهت إليها الأنثربولوجيا المغربية والتي يمثل قطبها عبد الله حمودي الانثربولوجي المغربي والأستاذ بجامعة برينستون، والتي تناولت زاوية تامكروت )Hammoudi.(A), « Sainteté et pouvoir : Tamgroute aux XVII et XVIII siécles » , in Annales Economies-sociétés-civilisation.35é Année N3-4 Mais Aout 1980. (.
وقد كشف الأستاذ عبد العزيز الخمليشي عيوب هذه الدراسة في مقال له منشور بكتاب الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب (الخمليشي عبد العزيز، زاوية تامكروت والمخزن (1642- 1914)، ضمن كتاب الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب : دراسات مهداة للأستاذ إبراهيم حركات، إنجاز الجمعية المغربية للبحث التاريخي، تنسيق نفيسة الذهبي، الطبعة الأولى 1997، صص:121- 178.) بحيث رد على خلاصات دراسة حمودي وبخاصة النقطة التي أكد فيها على أن :
«سبب منع السلطان الشيخ أحمد بن ناصر من الحج لمدة أربع سنوات راجع بالأساس إلى النزاع حول مسألة الطريق و التعارضات الاقتصادية بين الزاوية والمخزن، وأن هذا النزاع لم ينته، مع ذلك إلى أي اتفاق «. رد الخمليشي على هذا القول – بناء على وثيقة فريدة « إن هذا القول (إشارة إلى مقالة حمودي) لا يعدو أن يكون تشويه لنص الرحلة التي أوردناه، وإن لم يكن التشويه الوحيد.» وبالتالي فلا أثر يذكر لهذه الدراسة في متن «المخزن وسوس» لصاحبه محمد حنداين. لا تسعف المادة المصدرية لتناول الزاوية الناصرية في سوس لقلة المصادر التي من شأنها أن تكون إضافة نوعية لما أنجزه الأستاذ أحمد عمالك (عمالك أحمد، جوانب من تاريخ الزاوية الناصرية: من النشأة إلى وفاة الشيخ محمد الحنفي (1052-1325هـ /1642- 1907م)، 3أجزاء، منشورات وزارة الأوقاف والشؤو ن الإسلامية ، 1427- 2006، الطبعة الأولى 2006.) الذي قدم شذرات لا تشفي غليل الباحث حول الناصرية بسوس خاصة فرعها الأهم المتمثل في تيمكديشت.