العاملون يطالبون بتسريع الكشف الوبائي
و يتخوفون من انتشار العدوى في صفوف ساكنة المدينة
ما زالت قضية انتشار عدوى السل بمصلحة المستعجلات بمستشفى الرازي التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش تثير المزيد من المخاوف من انتشار هذا الوباء على نطاق واسع، وترخي بظلالها على تدبير المرافق الاستشفائية بالمدينة، وسط قلق كبير في صفوف العاملين من حدوث كارثة حقيقية.
آخر فصول هذه القضية تمثلت في إغلاق إدارة مستشفى الرازي في الأسبوع الماضي لمصلحة المستعجلات التي عرفت ظهور الحالات الأولى من هذا الوباء منذ شهر يونيو الماضي في صفوف سبعة من العاملين فيها، منهم الممرض الرئيس(الماجور) وطبيبين وعاملة نظافة وحارس أمن وموظفة في الاستقبال.
ويعتبر المهنيون أن إغلاق المصلحة يعد بعواقب خطيرة، ولاسيما أن المستعجلات الوحيدة التي ستكون في الخدمة هي مستعجلات ابن طفيل التي تعاني نقصا حادا على المستوى البشري وكذا على مستوى التجهيزات، وهو النقص الذي يتوجه غياب الإنعاش الجراحي، الذي أغلق منذ ستة أشهر، والاكتفاء بمصلحة صغيرة من أربعة أسرة، في مدينة مليونية تعرف تزايدا في ضحايا حوادث السير، وتتلقى ضغط الحالات المحولة من مستشفيات أخرى بالجنوب.
الأخطر من ذلك، يقول العاملون بمستشفى محمد السادس، أن إغلاق مصلحة المستعجلات بالرازي في غياب القيام بالكشف الوبائي لتحديد الحالات الممكنة المصابة بالعدوى، سيساهم في انتشارها ونقلها إلى العاملين بمصلحة المستعجلات بمستشفى ابن طفيل وكذا المرضى والمرتفقين، الشيء الذي يهدد بفقدان السيطرة على انتشار الوباء.
وقال الدكتور عماد سوسو، طبيب المستعجلات ومنسق اللجنة النقابية لمصالح المستعجلات بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس”منذ ظهور الحالات الأولى لمرض السل في مصلحة المستعجلات بمستشفى الرازي، سارعنا إلى مراسلة الإدارة لكي تقوم بالكشف الوبائي بسرعة لتطويق الموقف الذي ينذر بمخاطر كبيرة تهدد صحة ساكنة المدينة، إذ أن الحديث انصب بالدرجة الأولى على الممرضين والأطباء الذين انتقلت إليهم العدوى، لكن نحن نعرف أن مستعجلات الرازي تستقبل يوميا مابين 400 و600 شخص من المرضى ناهيك عن المرتفقين. وهو ما يعني أن عددا منهم يمكن أن يكون قد أصيب بالعدوى ونقلها معه إلى وسطه العائلي، الشيء الذي يؤكد أن الاكتفاء بإغلاق المصلحة لا يكفي لتطويق انتشار داء السل، إذ يجب الإسراع بإجراء تحقيق وكشف وبائيين وتحديد الحالات المرشحة ممن مروا بمصلحة المستعجلات الرازي في هذه الفترة”.
الدكتور عماد سوسو استغرب كثيرا التصريح الذي خص به وزير الصحة أحد المنابر الإعلامية، وقال في هذا الصدد “يبدو أن الوزير لا يتوفر على معلومات دقيقة تهم هذا الملف الذي قال إنه يتابعه شخصيا. إذ أن الوزير صرح أن الأمر يتعلق بمشكل في مصلحة السل، في حين أنه لا يوجد بالمستشفى لمصلحة بهذا الاسم، هناك مصلحة لأمراض جهاز التنفس، لكن الأهم أن الوباء لم ينتشر في هذا القسم، وإنما بمصلحة المستعجلات.. و الوزير لم يتحدث عن الأهم وهو القيام الفوري بالكشف الوبائي”.
نقابيون بالمستشفى الجامعي محمد السادس انتقدوا بشدة التأخر في إغلاق مصلحة المستعجلات، التي أعلنوها مصلحة منكوبة، مؤكدين أن قرار الإغلاق اضطرت إليه الإدارة بعدما امتنع أطباء المستعجلات والممرضون عن مواصلة العمل بها، في وقت بقي الطلبة والأطباء الداخليون والمقيمون يزاولون مهامهم بها، بسبب وضعهم الهش الذي يفرض عليهم ذلك.
وذكرت مصادر من داخل المستشفى، أن عددا من الأطباء الداخليين والمقيمين والطلبة قد انتقلت إليهم العدوى، وروت طالبة بكلية الطب بمراكش مأساتها في تدوينة على الفاسبوك قائلة” أنا طالبة في السنة السادسة طب بمراكش.. في المصلحة الأخيرة فقدت وزنا كثيرا.. لم أكترث للأمر وأرجعته لكثرة الحراسات وعدم الأكل، ولكن الأمر كان مختلفا هذه المرة.. ما إن رجعت إلى منزلي في هذه العطلة حتى صرت عاجزة عن فعل أي شيء ونسيت شيئا اسمه الجوع.. هنا تأكدت بأن الأمر لا يتعلق بعياء عادي فقط كما عهدته.. توجهت بسرعة إلى مركز الأشعة، قمت براديو للصدر.. كانت شكوكي في محلها فقد أصبت بعدوى وليست أي عدوى.. بل بمرض السل مثلي مثل العديد من الموظفين والعاملين بالمستشفى الجامعي محمد السادس والرازي بمراكشّ.. كان هذا الخبر بمثابة صاعقة بالنسبة لي، ليس خوفا من المرض ولكن خوفا على والدي اللذين تعبا وشقيا في تربيتي ودراستي، وعوض أن أرد لهما ولو القليل من فضلهما، أحضرت لهما مرضا قد يفتك بهما وخصوصا وهما كبيرين في السن ومرضى بالسكري. أمر مخز.. عيب ان يكون مستشفى جامعي حديث البناء لا يتوفر على تهوية ولا على منافذ.. أنا من الضحايا وأتمنى أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأنه من المحزن بينما كان جميع الناس يحتفلون بالعيد، قضيته أنا والضحايا أمثالي في غرفهم في عزل طبي عن العائلة والأحباب.. أدعو إدارة المستشفى الجامعي للتحرك وإيجاد حلول قبل أن تستفحل العدوى مابين الموظفين ورواد مستشفيات مراكش…”.
مشكل عدوى السل، لا يثير فقط الجانب المتعلق باليقظة الصحية والمخاطر التي ينطوي عليها انتشاره، لكن أيضا يكشف خللا أكبر يتعلق بتدبير الصفقات العمومية المتعلقة ببناء هذه المصلحة، إذ يتحدث العاملون به عن إخلالات خطيرة في هندسته ويتساءلون عن الجهة التي تغاضت عنها ووقعت على تسلمه، ويصف أحد الأطباء العاملين بمصلحة المستعجلات بمستشفى الرازي قائلا” المهندس الذكي الذي صمم مستعجلات الرازي جعلها دون نوافذ ومن دون تهوية وكذا دون مكيفات في مدينة بطقس مراكش، والأذكى منه هم المسؤولون الذين وافقوا على هذه الهندسة وقاموا بالشروع في بنائها، غياب التهوية يساعد على انتشار الوباء بشكل رهيب، والأطباء منذ بدء العمل بهذه المصلحة منذ ما يقارب ثلاث سنوات وهم يشتكون من غياب التهوية واستحالة الاشتغال في هذه المستعجلات، خصوصا في فصل الصيف !”.