قمة بين باين وماكرون لإنها «أزمة الغواصات» : بايدن يتقارب في روما مع الحلفاء الأوروبيين بغياب نظيريه الصيني والروسي

 

تقارب الرئيس الأميركي جو بايدن من حلفائه الأوروبيين، مشيدا بـ «قوة» الولايات المتحدة التي تنخرط مجد دا على الساحة الدولية، وذلك خلال وجوده الأحد في روما لحضور قمة مجموعة العشرين التي لم يحضرها نظيراه الصيني والروسي.
وقال بايدن في مؤتمره الختامي «ما رأيناه هنا هو قوة أميركا وهي تشارك وتعمل مع شركائنا الحلفاء بشأن القضايا».
وأضاف «لا شيء يمكن أن يحل محل المفاوضات وجها لوجه من أجل التعاون العالمي»، في إشارة واضحة إلى غياب شي جينبينغ وفلاديمير بوتين.
وانتهز الرئيس الأميركي الفرصة لانتقاد خصميه، قائلا «ببساطة لم تظهر روسيا والصين» عندما تعلق الأمر بـ»التعهد بالتزامات المناخ».
رغم ذلك، أنتجت مجموعة العشرين، حسب قوله، نتائج «ملموسة» على صعد المناخ والاقتصاد ووباء كوفيد­19 و»يرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى العزم الذي أظهرته الولايات المتحدة على طاولة المناقشات»
في المقابل، أبدى كثير من المنظمات غير الحكومية، وحتى السياسيين، خيبة أملهم لأن مجموعة العشرين لم تقطع التزامات كافية لمكافحة تغير المناخ.
إلى جانب الصعوبات المحل ية التي تعترض إقرار خطتيه الاستثماريتين، تراجعت أيض ا علاقة بايدن مع الحلفاء الدوليين بعد الانسحاب من أفغانستان الذي تم وفق بعضهم بناء على قرار أحادي.
لذلك، جاء الأميركيون بثقلهم إلى إيطاليا، قبل الموعد الأكبر في قمة المناخ بغلاسكو.
من الفاتيكان إلى الكولوسيوم، لم تفلت إلا قلة من المعالم الرائعة في العاصمة الإيطالية من نظر رك اب الموكب الرئاسي الأميركي الضخم الذي ضم أكثر من 80 سيارة منذ وصول الرئيس الأميركي الخميس إلى روما.
وعقد بايدن منذ وصوله الكثير من اللقاءات وأدلى بتصريحات عدة.
في اليوم الأخير من قمة مجموعة العشرين الأحد، أشاد بايدن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة المفو ضية الأوروب ية أورسولا فون دير لايين بـ»حقبة جديدة» و»مرحلة مهمة» في العلاقات عبر الأطلسي.
وأعلنا معا انتهاء الخلاف التجاري حول الصلب خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق الجمهوري دونالد ترامب، ووعدا بإبرام اتفاقية واسعة في هذا القطاع، لمكافحة تغير المناخ والتصد ي للمنافسة الصينية.
وأكد بايدن أن الإعلان المتعلق بالصلب والألمنيوم يمثل «دليلا على قو ة شراكتنا، وما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله من خلال العمل مع أصدقائها «.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية «أعدنا الثقة والتواصل»، بعدما أساء ترامب معاملة الأوروبيين.
والتقى الرئيس الأميركي الجمعة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الذي يوص ف بأنه «النجم الجديد» على الساحة السياسية الأوروبية، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وحرصا على تهدئة الأمور بعد أزمة صفقة الغواصات لأستراليا التي انتزعها الأميركيون من الفرنسيين، لم يد خر الرئيس الديموقراطي البالغ 78 عاما أي جهد، وتوجه إلى السفارة الفرنسية، مصافحا الجميع ومؤكدا «حبه» لفرنسا.
وأقر بايدن بالذنب، معترفا بتصرف الولايات المتحدة «بشكل أخرق» في قضية الغو اصات.
والسبت، خلال قمة العشرين التي قاطعها جينبينغ وبوتين، واصل بايدن النهج نفسه، والتقى المستشارة الألماني ة أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بهدف تنسيق المواقف حول النووي الإيراني.
كذلك، التقى بايدن أولاف شولتز، الخليفة المحتمل لميركل. وقلل مسؤول كبير في البيت الأبيض مما يحكى عن وجود اختلاف في وجهات النظر مع الأوروبيين بشأن الصين، مؤكدا أنه لاحظ «تقاربا قويا حول «طبيعة التحد ي».
ووعدت واشنطن أيضا، بحسب مسؤول كبير، بـ»التشاور مع حلفائها بشكل وثيق» حول المراجعة الجارية لما يسمى «الوضع النووي» الأميركي.
ويتوجب على أكبر قو ة عظمى في العالم أن توضح رسميا في أي ظروف قد تستخدم السلاح النووي، لا سيما إذا تعر ض حلفاؤها لهجوم.
وفي بيان مشترك، كتب بايدن وماكرون الجمعة أن «على الحلفاء أن يواصلوا إجراء مشاورات وثيقة بشأن القضايا المتعلقة بالرقابة على الأسلحة النووية والسيطرة على الأسلحة، لا سيما في إطار حلف شمال الأطلسي».
تجاوز الأزمة بين واشنطن وباريس

في السياق نفس، اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون بخطأ واشنطن حيال إعلان الشراكة الدفاعية مع أستراليا والمملكة المتحدة والذي كان قرارا مفاجئا لباريس، بل اعتبره وزير الخارجية الفرنسية «طعنة في الظهر». وقال باين»ما قمنا به لم يكن ملائما ولم يكن على قدر كبير من اللياقة»
ولإنهاء هذه الأزمة لم يتردد بايدن في بدل مجهود ومبادرات المودة حيال نظيره ماكرون الذي استقبله في فيلا بونابرت، مقر السفارة الفرنسية في الفاتيكان، مع مصافحات متكررة وبسمات عريضة وتشديد على «مود ته الكبيرة» لفرنسا «أقدم حليف للولايات المتحدة». في محاولة لتجاوز الخلاف الناجم عن قضية الغواصات الأسترالية، فيما كان إيمانويل ماكرون أكثر تحفظا، متحدثا عن «بدء مسار الثقة».
من جهته، قال ماكرون «أوضحنا ما ينبغي توضيحه» بشأن هذا التحالف في المحيطين الهادئ والهندي الذي كلف فرنسا عقدا ضخما لبيع أستراليا غواصات متطورة.
واستمر اللقاء الثنائي بين الجانبين الذي انضم إليه وفدا البلدين لاحقا، ساعة ونصف ساعة تقريبا.ودعى الرئيس الفرنسي الى التوجه للمستقبل في إشارة منه لتجاوز هذه الازمة.
وأضاف الرئيس الفرنسي «ينبغي الآن التطلع إلى المستقبل» الذي يشتمل على قرارات مشتركة «ملموسة جدا تدعم التحركات والمبادرات المشتركة»، حول المناخ والدفاع والابتكار.
وأكد ماكرون أن على البلدين أيضا «توفير توضيحات ضرورية حول السيادة والدفاع الأوروبيين».
وكانت رغبته الحصول من واشنطن على مباركة صريحة لجهود فرنسا لبناء منظومة دفاعية أوروبية فعلية. وكانت الولايات المتحدة أبدت فتورا حيال هذه الفكرة، خصوصا أنها تقود حلف شمال الأطلسي. فيما شدد الرئيس الأميركي على أن فرنسا «شريك بالغ الأهمية» لبلاده.
ووفق البيان المشترك الذي صدر عن الجانبين بعد لقاء القمة بين الطرفين، فإن العديد من المطالب الفرنسية قد تم تلبيتها سواء فيما يخص الدفاع الأوربي، والدعم الأمريكي للقوات الفرنسية بمنطقة الساحل.
وصرح الرئيس الفرنسي بهذه المناسبة حول العلاقة بين الجانبين وهما بلدان صديقان كما ردد الطرفين. «الثقة مثل الحب: الأقوال جيدة، والبراهين أفضل».
وستنخرط فرنسا والولايات المتحدة في «شراكة ثنائية حول الطاقة النظيفة» بحلول نهاية هذا العام، وفق ما جاء في بيان مشترك بعد لقاء الرئيسين. كما ترغب «فرنسا والولايات المتحدة في تعزيز تعاونهما في مسائل الفضاء»، حسب البيان.
وفي ما يتعلق ببناء دفاع أوروبي، فإن «الولايات المتحدة تدرك أهمية وجود دفاع أوروبي قوى وعملي» يكون «مكملا لحلف شمال الأطلسي»، استنادا إلى البيان، وهي مناسبة للطرف الفرنسي من اجل تطوير القدرات الدفاعية الأوربية، وسوف تترأس فرنسا في الدورة الأولى من سنة 2022 رئاسة الاتحاد من أجل دفع الاوربيين إلى الاستثمار في مجال الدفاع المشترك، وهي نقطة سوف تجد مقاومة من بلدان اوربا الوسطى خاصة بولونيا والمجر.
كذلك، يريد رئيسا الدولتين إطلاق «حوار استراتيجي حول التجارة العسكرية»، ولا سيما بشأن تصاريح التصدير.
وتقول واشنطن أيضا إنها «خصصت موارد إضافية لمنطقة الساحل لدعم جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا ودول أوروبية أخرى»، وهو مطلب فرنسي.
من القضايا الأساسية التي حققها اللقاء بين الطرفين هو اعتراف الولايات المتحدة بفرنسا كقوة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. ذ
ورغم هذا الاعتراف، فإن هناك خلافا بين الطرفين حول التعامل مع الصين، التي تعتبرها الولايات المتحدة أنها تشكل تهديدا حقيقيا، ويساندها في هذا الرأي بريطانيا وأستراليا في حين ترى فرنسا مثل العديد من بلدان المنطقة انه يجب الدفع بمقاربة تميل إلى الحوار والتفاوض مع بيكين، وهو خلاف أساسي يفسر أسباب إبعاد فرنسا من حلف أوكوس.
فرنسا طالبت الولايات المتحدة الأميركية خلال هذا اللقاء أيضا باستشارة الأوربيين في مفاوضاتها مع روسيا حول الحد من انتشار التسلح وذلك لأهمية هذه النقطة في التحالف الأوربي الأطلسي.
بعد هذا اللقاء الثنائي بين باريس وواشنطن كانت قمة العشرين التي غاب عنها الرئيسين الروسي فلادمير بوتين والصيني كسي جيبينغ لابراز وحدة الصف بين البلدان الغربية اثناء هذا اللقاء الذي طرحت امامه العديد من الأزمات.
فوجئت واشنطن برد فعل فرنسا الغاضب بعد الإعلان في منتصف سبتمبر الماضي عن التحالف الجديد الذي أطلق عليه اسم «أوكوس» بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالإضافة إلى عدم استشارتها، إذ شعرت باريس بخيبة أمل كبيرة من النتيجة الأولى لهذه الشراكة المتمثلة بتخلي أستراليا عن عقد ضخم لشراء غواصات فرنسية.
وبعدما استدعى السفير الفرنسي في واشنطن، انتظر ماكرون أسبوعا قبل أن يتحد ث هاتفيا مع بايدن في 22 سبتمبر، في مكالمة أتاحت بدء التهدئة، ثم أطلق الرئيسان «عملية مشاورات معمقة» لإعادة الثقة التي تضررت كثيرا بين الحليفين.
وقبل الرئيس الفرنسي، التقى بايدن الساعي إلى تعزيز تحالفات الولايات المتحدة الأوروبية التي أساء إليها سلفه دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي. وخلال هذا اللقاء، شددا على ضرورة «تطوير الدفاع الأوروبي»، على ما أعلنت الحكومة الإيطالية.
ويفترض أن تعلن القوى العظمى خلال هذه القمة اتفاقا حول «ضريبة دنيا « تفرض على الشركات الدولية. لكن ثمة شكوكا متواصلة حول إمكان إعلان تعهدات قوية بشأن المناخ قبل انعقاد مؤتمر الأطراف كوب26 في غلاسكو في اسكتلندا الأسبوع المقبل
يمكن القول إن القمة بين جو بايدن وايمانويل ماكرون كانت ناجحة، وحصلت باريس على الدعم الذي كانت تنتظره من حليفتها واشنطن بعد الأزمة غير المسبوقة في العلاقات بين البلدين والتي اندلعت بسبب صفقة الغواصات واتفاق اوكوس الذي اعتبرته فرنسا طعنة في الظهر من طرف حليفتها واشنطن مما دفعها إلى استدعاء السفير وهي سابقة في العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين. والجميع ينتظر ما ستقدمه واشنطن لتعويض فرنسا عن هذه الصفقة، سواء مطالبتها برفع القيود عن التكنولوجية العسكرية الأميركية أو دعما أكبر في عمليات التدخل العسكري الهادفة إلى مكافحة الجهاديين في منطقة الساحل.
وقد أشاد ماكرون بأولى الإجراءات الملموسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة على الأرض من اجل دعم هذا التواجد الفرنسي والأوربي الذي يمر بصعوبات بسبب الخلاف مع الحكومة المالية التي تريد الاستعانة بأطراف أخرى لمواجهة الحركات المسلحة بالمنطقة، وهو ما أثار حفيظة باريس.
هذه الأزمة التي حدثت بين باريس وواشنطن والانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعراق، وتراجع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، هو مؤشر على التحول في السياسة الأمريكية التي توجهت نحو المحيطين الهندي والهادئ، ونحو آسيا بصفة عامة، حيث تتركز القوة الاقتصادية، السياسية والبشرية لعالم اليوم، وهي إشارة إلى ضرورة اعتماد الاورببين على أنفسهم بعد الاهتمام الكبير الذي خصصته واشنطن للمنطقة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.


الكاتب : يوسف لهلالي ­وكالات

  

بتاريخ : 02/11/2021