قناة «الثقافية» في مختبر «الوسيط» بين المشاهد، التمويل و محدودية الطاقم والامكانيات

 

ناقش برنامج «الوسيط»، الذي يبث على القناة الأولى في حلقته الأخيرة من الشهر الماضي، أهمية الإعلام الثقافي في قنوات السمعي البصري العمومي من خلال قناة «الثقافية» عبر مواكبتها للحدث الثقافي ومساهمتها من ثم في التنمية الثقافية، متوقفا عند فسيفساء الشبكة البرامجية للقناة ومدى تفاعلها مع ادينامية المشهد الثقافي المغربي من خلال تنوع برامجها التي تروم تقديم خدمة إعلامية عمومية تستجيب لذائقة المشاهد وتشبع أفق انتظاراته للخروج بالمادة الثقافية من دائرة النخبوية في ظل فورة الوسائط الرقمية.

هذه المحاور وغيرها كانت مثار نقاش وتحليل من طرف إعلاميين مهتمين بالشأن الثقافي ومدير قناة «الثقافية «عبد الصمد بنشريف، حيث ناقش كل من الإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس والإعلامية حفيظة الفارسي، مدى استجابة الشبكة البرامجية لقناة «الثقافية» لانتظارات المشاهد، في تنوعها وفي عمقها وفي مساءلتها لقضايا الراهن الثقافي والسياسي، والتي لا يمكن فصل عناصرها في عملية تتوخى تحقيق صناعة ثقافية وإبداعية تكون محركا لدينامية العملية التنموية ككل كما جاء بها تقرير النموذج التنموي الجديد الذي أولى للإعلام والثقافة حيزا هاما من خلاصاته.
يربط، عبد الصمد بن شريف، مدير قناة «الثقافية» واقع الإعلام الثقافي السمعي البصري بسياقه العام، أي بتوفر سياسة ثقافية ورؤية لدى صانع القرار الثقافي من جهة، وبتمثل المجتمع للثقافة والمثقف في الاستراتيجية الوطنية على مستوى الميزانية المرصودة للوزارة الوصية أو على مستوى السياسات القطاعية والإمكانات المتاحة للفعل الثقافي ليتحول إلى فاعل أساسي في التنمية، كما يشدد على توفر القدرات والكفاءات التي تحتاج فقط إلى هذه الرؤية والاستراتيجية التي تنظم وتوجه، بالإضافة الى الإمكانيات المادية لإنتاج إعلام قوي قادر على المنافسة.
وحول الإكراهات التي تواجه هذا المسعى داخل القناة، أشار بن شريف إلى أنه طيلة 17 سنة من عمر القناة، استطاعت بإمكانياتها المحدودة أن تصنع لها هوية بصرية وجمهورا، ولو ببرامج داخلية وبطاقم محدود، راعت من خلالها التنويع والاشتغال على المضامين ومراعاة الاختلافات المجالية والعمرية والتحولات المجتمعية (الباحث، زمن الثقافة، مروا من هنا، مع طروب، أعلام المغرب، على الخشبة، الموعد السينمائي…). ورغم كل هذه الإكراهات، يضيف بن شريف، استطاعت في حدود الممكن والمتاح أن تخرج الثقافة من المفهوم الضيق بالانفتاح على مفهومها الحضاري، أي على جميع المنتوجات الرمزية واللامادية التي تؤسس كياننا الجمعي، أملا في توسيع دائرة التلقي ودمقرطة الثقافة ليكون لكل الهامشيين حظهم من الإعلام والاستجابة لانتظارات المشاهد وهي الاستجابة التي لا يمكن تحقيقها في ظل الميزانية الحالية المرصودة للقناة.
وعن أهمية المادة الثقافية داخل الإعلام العمومي، اعتبر الإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس أن هذه المادة هي الحامل للتعدد والتنوع الثقافي الذي يشكل هويتنا الثقافية كمجتمع، وهو ما يجعلها رأسمالا ماديا متقاسما بشكل ديمقراطي بين مختلف مكونات المجتمع، متسائلا: هل يجد هذا الهدف صداه في الإعلام الثقافي ببلادنا عامة، وداخل قنوات القطب العمومي خاصة؟
لا يخفي كوكاس أن هناك مجهودات كثيرة تبذل ويجب تثمينها، لكن المؤمل هو جعل الثقافة تحظى بموقع متقدم لدى صناع القرار والفاعلين الأساسيين ، وهو الموقع الذي لا يمكن أن يتحقق إذا لم يكن هناك إيمان قوي من لدن صانع القرار الثقافي بأن الثقافة رافعة مهمة للتنمية ، وبأن أفق الاشتغال يجب أن يتخطى الوطني إلى ما هو كوني.
وأضاف كوكاس أنه لا مستقبل لأية قناة إعلامية اليوم إذا لم تتجه إلى الأجيال الجديدة، وتستوعب التحدي الذي تطرحة وسائط الاتصال الحديثة، لأن التقنية فرضت تحدياتها ويجب أن يكون للقناة «الثقافية» والبرامج الثقافية مجال أوسع للتواجد داخل هذه الوسائط أيضا.
الإعلامية حفيظة الفارسي تطرقت الى دور الإعلام الثقافي اليوم في تحريك الدورة الثقافية بعد الركود التي أصبحت تعيشه بعد أن شكلت لعقود محركا للنقاش المجتمعي العام على أكثر من صعيد، خاصة في ظل الفورة التقنية والرقمية، متسائلة عن أي ثقافة نريد تمريرها اليوم للمشاهد؟
كما اعتبرت أن تخصيص الثقافة بقناة قائمة الذات في الإعلام العمومي، خطوة وقفزة نوعية خاصة في ظل خريطة برامجية داخل القناتين الأولى والثانية تفتقر للمادة الثقافية بل إن مساحة الثقافي فيها تتضاءل سنة بعد أخرى لصالح برامج الترفيه السطحية التي لا تنفذ إلى أسئلة المجتمع الثقافية الحقيقية التي ينتجها المجتمع برؤية حداثية تتوجه للمستقبل لكنها لا تتنكر للماضي ولا تحدث قطائع تامة معه.
أما بخصوص مستقبل القناة الثقافية وحضور الثقافي داخل برامج قنوات القطب العمومي، فاعتبرت الفارسي أن المسألة ترتبط بوجود أو غياب استراتيجية وطنية رسمية تضع الثقافة وتوسيع هامش متلقيها ضمن أولوياتها وبرامجها، بالإضافة الى اعتماد المقاربة التكاملية بين قنوات القطب العمومي، عبر تبادل البرامج والإعلان عما يتم بثه في قناة الثقافية، مع التسويق الذكي للمادة الثقافية والانفتاح على البرامج الحوارية التي تعرف نسبة مشاهدة أقوى، وتنزيل الثقافة من نخبويتها وتقريبها من المتفرج العادي، والتوجه إلى برامج الطفل لبناء مشاهد الغد وتربية الحس النقدي لديه ، وهو سيساهم بفعالية، عن طريق القوة الاقتراحية والتفكير الجماعي، في إنتاج ثقافة بديلة لما تقدمه قنوات التواصل الاجتماعي اليوم.


الكاتب : متابعة

  

بتاريخ : 26/01/2023