قناع الغرب.. البروتوكولات المضللة -07- صناديق «المساعدات» تتكلم لغة المصالح!

في رواية «مشكلة سبينوزا» لإرفين د. يالوم، نقرأ على ما يلي: «التفت هتلر إلى ألفريد، وقال: «آه باعتبارك صحفيا، أرجو أن توافقني الرأي بأن الحقيقة هي كل ما يصدقه عامة الناس….»..». لا تهم الحقيقة «الواقعية» ما دامت الحقيقة تعتمد على نحو كلي على الأداء الإعلامي، لأن هذا هو ما يؤثر بالفعل في تكوين الصورة العامة للقوة المهيمنة. ولهذا يستثمر الغرب ثروة هائلة لبناء قوته الإعلامية وإنشاء وسائل إعلامية تحقق أهداف سياساتها الخارجية وتؤثر في اتجاهات الجماهير في دول العالم.

يؤكد محبوباتي أن المساعدات تتكلم لغة المصالح، وألا شيء، في عمق، يتم وفق ما يسمى «التفوق الأخلاقي» للغرب. ذلك أنه إذا تجرأت الدولة النامية على التصويت ضد مصالح الدولة المانحة في مجلس الأمن، يتم مباشرة تهديدها بخفض المساعدات الخارجية أو يُطبق ذلك فعلاً بحقها. وهو ما يؤكد أن المساعدات سلاح ناعم يستخدم بإتقان لتعزيز تبعية الدول الفقيرة للدول الغنية، أو الدول الفاسدة للدول المفسدة. وهو ما يرفعها إلى مستوى «الرشوة» أو «الابتزاز»في العلاقات الدولية.
فقد دقق ثلاثة باحثين، حسب ما ينقله محبوباتي، في معطيات تتعلق بـ 191 دولة في الفترة الممتدة بين 1951-2004، ووجدوا علاقة قوية بين العضوية المؤقتة في مجلس الأمن وبين المشاركة في برامج صندوق النقد الدولي، وتوصلت دراسة أخرى إلى أن متوسط المساعدات الأمريكية يرتفع 54 بالمئة، ومتوسط مساعدات الأمم المتحدة للتنمية يزداد 7 بالمئة حينما تنتخب دولة ما في مجلس الأمن. على سبيل المثال، نالت الغابون استقلالها عام1960، ولكنها لم تدخل في اتفاق مع صندوق النقد الدولي حتى العام 1978، بعد خمسة أشهر تقريبا من الانضمام إلى مجلس الأمن للمرة الأولى صوتت الغابون خلال عضويتها في مجلس الأمن على عدة قرارات مهمة، وانحازت إلى جانب أمريكا وفرنسا وألمانيا وكندا ضد الاتحاد السوفييتي في قضايا مثل القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان أو استقلال نامبيا، ولكن الغابون دعمت بعض القرارت التي تدين جنوب أفريقيا والتي أحجمت أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا عن التصويت عليها، فقام صندوق النقد الدولي بصرف نصف القرض المتفق عليه للغابون البالغ 15 مليوناً من حقوق السحب الخاصة.
وتابع: “ينبغي أن يُساهم هذا الرابط المفروغ منه بين مساعدات صندوق النقد الدولي والمصالح الغربية في مجلس الأمن بإزالة أي شكوك حول كون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منظمتين عالميتين مستقلتين، إلا أنهما قد أديا دور الأداة بيد القوة الغربية الجيوسياسية. في الواقع، حتى رؤساء المنظمتين الأقوياء نسبيا والمستقلون قد وجودوا أنفسهم عاجزين أمام مُجابهة الضغوط المباشرة للحكومة الأمريكية. من المهم أن نؤكد أن البنك الدولي وصندوق النقد العالمي قد سمحا لأنفسهما بالرضوخ للضغط والانخراط في بعض الأنشطة غير المنطقية أبدا وحتى الأنشطة غير الأخلاقية.
بروي جوزف ستيغليتس، وهو حائز على جائزة نوبل، قصةً صادمة حول صندوق النقد الدولي وإثيوبيا: «عام 1996، سدّدت إثيوبيا قرضًا لمصرف أمريكي مبكرا باستخدام بعض احتياطاتها. كانت العملية منطقية للغاية، رغم طبيعة رهنها (طائرة)، كانت تدفع إثيوبيا فائدةً أعلى بكثير على قرضها مما كانت تتلقاه إزاء احتياطاتها، ولكن أميركا وصندوق النقد الدولي عارضا ذلك ، وبنتيجة هذه المعارضة على صندوق النقد الدولي برامجه في إثيوبيا بإيجاز، وبما أن مصرفًا أميركيا قد منع من قرض ذي فائدة عالية ورهن مضمون، استخدمت وزارة المالية الأميركية صندوق النقد الدولي لمعاقبة إثيوبيا. وعليه، حددت المصالح التجارية لمصرف واحد سياسة أميركا وصندوق النقد الدولي (ملاحظة: إذا كانت هذه القصة غير واقعية، يجب أن يفتح صندوق النقد الدولي كتبه ليكشف الحقيقة، ولكن من المؤسف أنه حينما يفعل ذلك سوف نكتشف سيلاً من هذه القصص الحزينة).
لا أقصد أن أظلم صندوق النقد والبنك الدولتين، ولا أشك أنه يمكنهما تحديد العديد من الأمثلة على الإحسان إلى الدول الفقيرة النامية. حصلت المنظمتان عموماً على تغطية إيجابية تفوق التغطية السلبية في الإعلام الغربي، وأما أغلب المنشورات الغربية فهي تميل نحو إبراز الأبعاد الإيجابية، حتى حينما انتقد الإعلام الغربي هاتين المنظمتين على حالات الفشل الظاهرية، نادرا ما وجه لهما الانتقاد لكونهما أداتين للقوة الغربية تهدفان إلى تعزيز المصالح الغربية بشكل رئيسي. من المفيد أن يُفكر الإعلام الغربي: لماذا لا يلاحظ ما يراه باقي العالم بشكل واضح عن هاتين المنظمتين؟ لقد انحنت المنظمتان للآمال والمصالح الغربية في تحليلهما للعالم وعملهما المتمثل بتوزيع المساعدات”.


الكاتب : n سعيد منتسب

  

بتاريخ : 08/03/2025