قوانين «مجمدة»، مراسيم «معطلة» وهيئات «مقبرة» تعرقل النهوض بقطاع الصحة

خلقت الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في فعاليات تخليد اليوم العالمي للصحة، أول أمس الاثنين بالرباط، الذي تميز بحضور المدير العام لمنظمة الصحة العالمية والمدير الإقليمي وممثلين عن الحكومة يتقدمهم الدكتور سعد الدين العثماني إلى جانب فعاليات متعددة، والتي تلاها وزير الصحة أنس الدكالي، نقاشا واسعا في أوساط مهنيي الصحة والمتتبعين للشأن الصحي، الذي اعتبر عدد منهم أنها تأتي استمرارا للتوجيهات الملكية التي قدّمها الملك محمد السادس إلى كل من رئيس الحكومة ووزير الصحة يوم الأربعاء 7 نونبر 2018، عند استقبالهما بالقصر الملكي بالرباط، من أجل النهوض بقطاع الصحة، خاصة على مستوى تقويم الاختلالات التي تعوق تنفيذ برنامج نظام المساعدة الطبية “راميد” والمراجعة العميقة للمنظومة الوطنية للصحة.
ويرى عدد من المهتمين الذين استقت “الاتحاد الاشتراكي” آراءهم أن المنظومة الصحية ليست بخير، رغم التحسن الذي عرفته عدد من المؤشرات الصحية، إذ يجب تفعيل كل المحددات التي لها علاقة بالصحة في شقها الشمولي من أجل النهوض بها، مستحضرين في هذا الصدد الدعوة التي تم توجيهها مرارا من أجل تفعيل الميثاق الوطني للصحة، لكون هذا الورش يهمّ جميع المتدخلين وليس حكرا على وزارة الصحة فحسب، مشيرين إلى أن الرسالة الملكية خاطبت الحكومة برمّتها من أجل النهوض بالقطاع وتمكين المواطن المغربي من حقه الكوني والدستوري في الصحة، والإجابة عن احتياجاته الصحية وتحقيق “اكتفائه الذاتي” على مستوى الخدمات والأدوية باعتماد سياسة صحية فعلية للقرب، من خلال الانكباب على مشروع إصلاح الرعاية الصحية الأولية، التي تشمل مراكز الصحة التي تعد المحطة الأولى في مسلك العلاجات، والبرنامج الوطني للتمنيع، الذي مكّن من تحقيق أهداف جد مهمة في الوقاية من الأمراض وتفادي استمرار حضور العديد منها وتبعاتها المكلّفة ماديا ومعنويا، إلى جانب البرامج الصحية المختلفة.
ويرى عدد من المتتبعين أن ورش الصحة اعترته عدد من النقائص والاختلالات في الشق التشريعي في ظل تجميد عدد من المراسيم التطبيقية التي لم يتم تنزيلها، كتلك التي تخص القانون الإطار 34.09، كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الأعلى للصحة، والنقطة المتعلقة بتفعيل الجهوية على المستوى الترابي باعتماد دورية على عهد وزير الصحة السابق، التي تم وصفها بـ “القاصرة”، إلى جانب التعثر الذي عرفته عدد من الأوراش كما هو الشأن بالنسبة لتعميم التغطية الصحية، وتلك التي تخص المهن الحرة، التي لا تزال تراوح مكانها بسبب التركيبة المالية والمساهمات، بالنسبة للأطباء الخواص، بمن فيهم المتخصصون والعامون، نموذجا.
وإذا كانت الرعاية الصحية الأولية، التي انطلقت في 1978 في مؤتمر “المعاطة” في الاتحاد السوفياتي سابقا، وعرفت تطورا وتسلسلا في مراحلها منذ ذلك الحين إلى اليوم من أجل تفعيل الحق في الصحة للأشخاص، بما في ذلك التوفر على تغطية صحية، قد حققت نتائج محمودة، كما هو الحال بالنسبة للتلقيح الذي مكّن من تخفيض نسبة الوفيات والقضاء على عدد من الوبائيات، فإن البرامج الوقائية ذات البعد التحسيسي والتواصلي، بحسب عدد من المتخصصين، يجب أن تحظى بالعناية الكبيرة نظرا لدورها في مجال الرعاية الأولية الصحية، إلى جانب تطوير المنظومة الصحية ببلادنا بشكل كلّي، الأمر الذي لا يزال صعب التحقيق وتعتريه عدد من العقبات. ويعتبر عدم توفر المغرب على قانون للصحة العمومية أحد الأسئلة الكبيرة التي تطرح نفسها اليوم بإلحاح، خاصة وأن خطوات تم قطعها في هذا الباب منذ حوالي 10 سنوات، حتى يتوفر للمغرب قانون من هذا القبيل إسوة ببلدان أخرى، ورغم أنه تم القيام بعدد من المحاولات بالاعتماد على منحة مهمة تسلمها المغرب من منظمة الصحة العالمية لتحقيق هذه الغاية، والتي أشرف عليها عدد من المسؤولين، وتم الاعتماد على مستشارين أجانب للخروج بقانون، إلا أن هذه الخطوة باءت بالفشل لأسباب مجهولة، هذا القانون الذي كان من شانه أن يسهم في تغيير جذري للمنظومة الصحية وفي هيكلة الوزارة، وإخراج الوكالة الوطنية للصحة إلى الواقع، التي لها استقلالية وهامشا واسعا للعمل كما هو معمول به فيه كثير من الدول.
النهوض بقطاع الصحة يشمل كذلك الجانب المتعلق بالسياسة الدوائية، التي هي عنوان على السيادة من أجل تأمين الدواء للمغاربة وتطوير حضور المغرب في القارة الإفريقية التي أطلق خطواتها في وقت سابق من خلال الشراكة جنوب -جنوب، هذا القطاع بدوره يعرف عددا من النقائص إذ يفتقد الصيادلة لقانون للتغطية الصحية، ولا يزال دستور الأدوية المرجعي مجمّدا بالأمانة العامة للحكومة، رغم جاهزيته منذ عهد وزير الصحة السابق، هذا القانون الذي يجب أن يؤطر الدواء بشكل عام ويحرص على تحقيق الأمن الدوائي للمغاربة، والذي لا يعتبر الوحيد المجمد وإنما كذلك النص القانوني المتعلق بالجهوية في المجال الدوائي والصيدلاني، وفقا لمصادر صيدلانية، التي أضافت أن السياسة الوطنية الدوائية اليوم تقوم على مستوى الخطاب على تشجيع الأدوية الجنيسة في حين أن حق استبدال الدواء من طرف الصيادلة هو معلّق ولم يتم تفعيله، ووحده مرسوم المكافأة الحيوية الوحيد الذي رأى النور. وأضافت مصادر الجريدة أن هناك اختلالات أخرى كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية “ميدي كريم” الدولية، التي تم التوقيع عليها في 2012 والتي تنص على أن أي دواء يباع خارج المسلك القانوني يعتبر دواء مزورا، والحال أن أدوية عديدة بكثير من الأسواق تباع للعموم أمام مرأى ومسمع من الجميع، وخلصت إلى ضعف ولوج المواطن المغربي للدواء بسبب افتقاده للتغطية الصحية التي في تعميمها تمكينه من هذا الحق الدستوري، والقطع مع عدد من الممارسات التي تهدد هذا الحق وتهدد صحة المغاربة.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 10/04/2019