كأنه نضج قليلا

ليلة أمس، زارني. لست متأكدة من ذلك تماما، لكنه كان مختلفا عما سبق، به همّ كبير، وكأنه نضج قليلا وربما ساقته الحياة إلى حيث لا يريد. الباب مغلق، والنوافذ كذلك، لكنه دخل الغرفة من حيث لا أعلم. إنه هكذا دائما به قوة خارقة، تجعلني أندهش من حضوره المفاجئ وأتألم دائما من غيابه المستمر.
كنت أعلم أنه كان حلما، لكنني صدقته. لم أفتح عينيّ لأتأكد من حقيقته، رغم ما أحسسته من قربه الدافئ، ورائحته التي لا يخطئها القلب. إنه يجلس على الكرسي الهزاز بالقرب مني، ينظر إلي بعمق، حتى خشيت للحظة أن تفضحني رموشي المرتعشة، ويفهم أني أتظاهر بالنوم. بقيت ممددة على السرير، أطيل أمد الحلم الجميل الذي كان سعيدا بزيارته، وأحاول في نفس الوقت أن أُبعد عن ذهني كل ما يجعلني أنشغل عنه، ربما لأني امرأة دائمة الانشغال بالتفكير في غير أمر واحد. لكن وجوده الحلمي كان يخدّر جميع الحواس ويجعلها مستيقظة في ما يخصه وحده.
قبل هذا الحلم بيوم أو يومين، سألتني جارتي وهي صديقتي في نفس الوقت، أسئلة لم أفكر أن أسألها عن معناها، كنا نتجاذب أطراف الحديث عن فيلم لألفريد هيتشكوك، قالت وهي تشرب قهوتها الباردة، وكأنها تكلّم نفسها: «كيف نستطيع أن نحتمي بالظلام عندما نحاط بأضواء الذكريات القديمة؟ وكيف لذلك الثقب الصغير في تلك المركب الكبيرة أن يغرق جميع من فيه؟»
كنت أبتسم لأسئلتها التي فتحت في أعماقي نافذة كبيرة تطل على سماء بعيدة، وطفلة باكية مركونة في زاوية.
ربما كانت جارتي العزيزة وصديقتي الوحيدة تقصدني بأسئلتها التي لم تكن بطبيعة الحال تنتظر لها جوابا، وربما كانت تقصد زائري الذي كانت تعلم أن له حتما زيارة قريبة ومرتقبة.
فعلا، إنني أتأكد في كل مرة أني امرأة لا تستطيع الانشغال بشيء واحد، حتى وإن كان يصب في نفس الشخص، لأنني فجأة أضعت الحلم الذي انتظرته، ولم أعد أحس بوجوده القريب، إنه تبخّر تماما، لا يوجد له حسّ، فتحت عينيّ، لأجد الغرفة كما هي، لا شيء فيها يدعو إلى الريبة، سوى تفصيل صغير كان هو أول ما انتبهت إليه، كان اهتزاز الكرسي الذي كان جالسا عليه في الحلم، يخبرني أن زائري غادره حديثا أثناء زحمة أفكاري.
ولأن الأحلام على غير عادتها تكون في غالب الأحيان أصدق من الواقع، أخشى أن أكون مخطئة، عندما تماديت في تصديق ذلك الحلم.


الكاتب : فاطمة كطار

  

بتاريخ : 07/10/2022