كبد مشوي…

وقف قبالة محل التسهيلات ينتظر أن تفتح الوكالة أبوابها، بعد أن استفاق باكرا عملا بتوصيات زوجته عدجو… كان يمني النفس أن ينطق المستخدم ببشرى صباحية تزيل غم قلبه لكن ظنه قد خاب.. صندوق الدعم قد أخلف هذه المرة وعده، ولم يرسل للعم الجيلالي الدفعة الثالثة ليواجه بها فواتير الماء والكهرباء وكناش حانوت بوشعيب الذي جعله يبدل طريقه كلما خرج من منزله ليتفادى انكسار الدم في وجهه إثر مساءلته عن الدين الذي في عنقه..
«لا حول ولا قوة إلا بالله».. كان يرددها وهو قافل نحو مسكنه المهترئ ضاحية حي أمالو.. كيف سيجيب عن أسئلة المحضر التي سترفعها عدجو سليطة اللسان في وجهه هذه المرة؟… لماذا لم يسأل عن طريقة تأمين الدفعة الثالثة؟، لماذا لم يرسل رقم بطاقته «الوطنية» مجددا إلى 1212؟، هي أسئلة كانت تتبادر إلى ذهنه خاصة عندما تذكر أن عدجو أخبرته أن جارهم المكي قد تلقى رسالة تأكيد الدفعة الثالثة بعد أن قام باللازم..
ومن أدرى عمي الجيلالي بهذا اللازم الذي لم يكن في علمه حتى انقضى أجل الإرسال… من أدراه وهو لا يملك إلا هاتفا خلويا مهترئا… لا تلفاز ولا مذياع ولا ولد أو بنت عنده يضيء طريق جهله وأميته… بل ولا حركة مجتمعية تقوم بدور التوعية وإذاعة الأخبار الضرورية التي قد تغيب عن عموم المهمشين…
مر الامتحان العسير على عمي الجيلالي يوما أسود.. بعد أن أهانته عدجو أمام أعين سكان الزقاق وعلى مسامعهم.. لم تترك قبحا سواء كان فيه أم لم يكن إلا وعددته:
يا الفاعل … يا التارك … يا الشماتة …
انكسر عنق المسكين أمام سجيل عدجو ولم ينطق ببنت شفة.. مرت ليلته حالكة إلى أن استفاق على حلم مرعب.. حلم أن عدجو تشوي كبده… فطال أرقه بعد أن شوش مجددا على باله هم جديد… أضحية العيد يا للهول كيف سيحضرها وهو لا يملك حتى قوت غده…
ولأن النوم قد خاصمه فقد خرج باكرا بحثا عن حل لحلم كبده المشوي… اتجه نحو متجر كبير  لصاحبه الحاج اعݣيدة.. فوجد العمال يرتبون السلع والحاج يستخلص أثمنة البضاعة المشتراة من الزبناء… تقدم نحوه فبادر متلعثما:
الحاج عفاك راه معنديش باش نشري …
فقاطعه الحاج بنظرة شزراء وهو يصرخ:
كتاريتو هاذ الأيام….
أحجم العم الجيلالي إلى الوراء، وانزوى في ركن قريب من المتجر، وقد اغرورقت عيناه بالدموع قبل أن يحس بيد ملائكية تربت على كتفه.. يد شاب قد عاين مشهد إهانته في متجر اعݣيدة… استدار نحوه وعيناه إلى الأسفل… لم يقو على رفع رأسه وهو صاحب النكسات الدائمة.. خاطبه الشاب:
عمي، اللي ما خرج من الدنيا ما خرج من عقايبها… عيدك عندي.. وهاد البركة خذها سير قضي بيها…
لم يتمالك العم الجيلالي نفسه وحاول أن يلثم يد الشاب الذي لم يمهله خاطفا إياها.. دعا له دعوات خالصة من قلب مكسور… قبل أن يعطف على وكالة التسهيلات ليدفع فواتير الماء والكهرباء، ومنها قصد بوشعيب ليؤدي ما بذمته من دين المواد الأساسية… أخذ بعض الحناء لزوجته عدجو.. وبعض التبن والشعير للكبش الذي ألحقه الشاب الملائكي بباب منزله…
كان الزقاق على غيره عادته ذلك اليوم.. عدجو السليطة اللسان صار لسانها يتلوى في فمها محدثا زغرودة تلو الأخرى.. لن تلام لأنها معدمة.. ولن يلام العم الجيلالي لأنه ولد في وطن مسؤولوه بدون أحاسيس…

فاعل مدني*
تربوي، شاعر


الكاتب : محمد باجي

  

بتاريخ : 03/08/2020