كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور 39- المحرمات حصرت في كتاب الله بـ 14 محرما

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ، هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟، كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة، ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان.

 

في حديثة عن التحريم، يقول الدكتور محمد شحرور، إن الأساس في الحياة هو الإباحة، لذا، فإن صاحب الحق في التحريم هو لله فقط، ولكنه أيضا يأمر وينهي، والنبي يقول محمد شحرور، كان يأمر وينهي، والناس كانوا ومازالوا يأمرون وينهون، لأن هناك فرقا شاسعا بين التحريم والنهي، ويتضح ذلك على أساس أن المحرمات قد أغلقت في كتاب لله وحصرت فيه،  كما يرى الدكتور محمد شحرور، بـ 14محرما لا أكثر ولا أقل، وبذلك يوضح المفكر السوري، تصبح كل إفتاءات التحريم لاقيمة لها، وهكذا، يضيف محمد شحرور، إن كل ماعدا لله، ابتداء من الرسل وانتهاء بالهيئات التشريعية، تنحصر مهمته في الأمر والنهي فقط.
ويرى الدكتور شحرور، أنه عند دراسة أي نص لغوي، مهما كان نوعه، نجده يتأسس على هذه  الأركان، المؤلف – النص – القاريء أو السامع، فالقارىء يتعرف إلى المؤلف من النص وقراءاته له، وليس ضروريا أن يذهب القارىء إلى المؤلف ويجلس معه ليفهم منه ماذا يريد بكتابه، فإذا فهم القارىء النص منه مائة بالمائة كما أراد المؤلف، فهذا يعني أنه دخل إلى عقل المؤلف وصار مثله في المعارف الواردة في النص.
وعندما يقرأ القارىء النص، وفق  ماجاء على لسان الدكتور محمد شحرور، فإنه يوظف معلوماته المكتسبة تلقائيا ليفهمه، فإذا لم يفعل ذلك، فإنه يعطل فكره ولايفهم شيئا، وهذا مايحدث مع شديد الأسف، يقول الدكتور محمد شحرور، عند الكثير من الناس حين يقرؤون آيات الذكر الحكيم، ففي التنزيل الحكيم ولله المثل الأعلى، المؤلف هو لله المطلق المعرفة، والنص هو التنزيل الموحى، والسامع هو الناس (محدودو المعرفة) من زمن التنزيل إلى أن تقوم الساعة، بمختلف مداركهم ومعارفهم المتطورة والمتقدمة دائما، لذا  يرى  المفكر العربي محمد شحرور، أنه لايمكن لإنسان واحد أو لمجموعة من البشر في جيل واحد فهم معاني نصوص التنزيل الحكيم فهما كاملا ومطلقا كما أراد صائغه، وإلا أصبح شريكا لله في المعرفة  بدلالة قوله تعالى “لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون”، ومادام الأمر كذلك، وإذ لن يأتي وحي ولا تنزيل بعد محمد صلى لله عليه وسلم، كي يضع الأنباء في مستقرها، ومادام لله سبحانه وتعالى، يقول الدكتور محمد شحرور، يعلم بعلمه الكلي اختلاف القارىء، إلى أن تقوم الساعة، وفق اختلاف الأرضية المعرفية والمدركات لكل زمن، جاء تنزيله عز وجل، يحمل ظاهرة التشابه، أي ثبات النص وحركة المحتوى في النبوة، وجاءت الأحكام في هذا التنزيل حنيفية وتحمل مرونة التطابق مع المتغيرات الزمانية والمكانية، وفي تحركها بين حدود لله الدنيا والعليا في الرسالة، تاركة للمجتمع فهم معاني النصوص وفق الأرضية المعرفية لكل مجتمع، واختيار النقطة الملائمة ضمن هذه الحدود حصرا لتقف عليها وتأخذ بها، ومقلدة التشريع الإلهي في مؤسساتها التشريعية بإصدار شرائع حدودية ظرفية بالاجتهاد في تفصيل المحكم الذي يتضمن الحدود الدنيا والعليا، التي جاءت في التنزيل الحكيم.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 10/06/2020