كتاب “شيء مني” للإعلامية سميرة مغداد ذاكرة قلب ترتقه الحياكة والحكاية

 

صدر للكاتبة والإعلامية سميرة مغداد، كتاب “شيء مني” عن دار النشر سليكي أخوين،   مزدانا بلوحة غلاف للفنانة التشكيلية صابرين لحرش.
وأول مفردة تستوقفنا في هذه الأضمومة، هو العتبة البصرية المتمثلة في لوحة الغلاف بتدرجاتها اللونية الداكنة بطعم الحنين، حيث نجد آلة الخياطة تنتصب كنصب تذكاري للذاكرة التي هي كناية عن دثار وجداني صامت صاخب في آن، فتوظيف آلة الخياطة يحيل على الرتق والتلحيم لذكريات ومواقف وحوادث تستعيدها الكاتبة الإعلامية سميرة مغداد بالحياكة والحكاية.
فالذات الكاتبة هي نفسها سميرة التي تكتب، تحلم وتحن..
يمكن بعد إذنها طبعا، أن أتطفل على العنوان بوضع صيغة أخرى موازية وأقيس ب” مني شيء ونقط استرسال …..دالة على امرأة لا يمكن أن نستشف هل هي  تسكن بين  حنايا الفؤاد  أم تأسر بين أصفاد القلب؟ وهذا يستوقفنا في أول جملة من أول نص من الكتاب حيث تبوح  ” شيء مثير أن تسمع دقات قلبك جهارا ”  وفي نفس النص تقول:  للقلب حكايات منذ قديم الزمان..
فالذات الكاتبة هي الوسيط بين ما هو ثاوٍ من حنين للماضي، وبين ما هو يقظ من حاضر.
سميرة مغداد امرأة من الريف ليس ببعده الإثني لكن بمعناه المجالي. تحرس جغرافية الانتماء للمكان ولعوائده ولأهله، فهي لا تتحدث عن عاطفتها وأفكارها الخاصة فحسب، حيث لا ينفصل ما بداخلها عما يوجد خارجها.  فالأصوات التي تتزاحم في داخلها هي أصداء المحيط الذي يحيط بها أيضا.
لذا نكون في حيرة من تصنيف النصوص في جنس سردي معين. فإن كانت قد نثرت  في هيئة  عمود صحفي، لكن نجد  كل الموضوعات المطروقة قابلة للتذويت  الجمعي، ومشرعة على كتابة الذاكرة  الذاتية والجماعية، فضلا عن كونها تنهل من خط سير ذاتي إن تعمقنا في كل ما تنطوي عليه صوامت السطور، إذ نستنتج سطوة حضور الأنا الخفيضة  في استحضار الزمن الذي انفلت، بالبوح،  باللوم بالعتاب، وبالعفو.
فاللغة في مجموع النصوص تدنو من المتلقي. تشعره بكم من الكلمات  التي تراعي   وترعى العلائق المتعددة بين الناس في حفظ  المودة والأثيرية.
الكاتبة سميرة مغداد في متنها هذا ، وعبر رحابة الصيغ، تسائل قيمة تكاد تغيب وتتوارى هي الصداقة، فنجدها وفية ليس للأصدقاء بالتحديد، بل للصداقة في حد ذاتها، ويبرز هذا بشكل جلي في رسالة بين القضبان لصديقها علي وهو في محنته حين  تقول:
«فكرت في إعلان مسيرة سلمية موشحة بالسواد تحمل ورودا حمراء وشموعا مضيئة تحكي حزن الحبر والقلم على نكبة صحفي عتيد.»
وفي عبارة أخرى تقول: اختلفت عنا كثيرا في التعبير عن حب الوطن «وأجد هذا النص على وجه الخصوص والذي لامس شغاف  التأمل  حيث استنتجت أن  الاختلاف لا يفسد في الصداقة وفاء «.
هناك أمثلة كثيرة على تمسك الساردة، بهذه الميزة في المجموعة كنص «صديقات طنجة»،   لكن لنترك فرصة للقارئ لاكتشافها على امتداد النصوص التي احتواها المؤلف.
من جانب آخر، نستشف تعددية الهويات اللغوية المتمثلة في  العربية الفصحى، الدارجة، الأمازيغية أو الريفية، مما يدفع بنا  لاستحضار بنية النصوص  التي تعتمد على الثنائيات:  الدال والمدلول، المنطوق والمكتوب، فالساردة  تعي  ما ينفلت من الذاكرة للورق،  وما تدعوه هي تحت مجهر رقابتها.
فقدرتها على شحن كم هائل من العواطف في نص  قصير، بالتكثيف باستذكار الحواس النابع عن وجدان متقد، تترجم عبر  كتابة تتأسس على حالات تجسد الاستماتة في مقاومة النسيان، نسيان الهوية الجمعية. فرغم وجود صوت سارد في مجموع القصص، لكن  تحكمها ألسنة أخرى تنبعث من داخل المتن، باعتبارها نماذج  تعيش في الواقع الاجتماعي. فبتفصيل صغير استطاعت الكاتبة  تنويع  موازين مختلفة  للسرد ، فالأشياء التي تستثير الكاتبة، وهي تبدو بسيطة  لكنها، ومن خلال اقتناص الإشارات  العابرة ، تدحض  لأهميتها في التناول و الدفع بها إلى جسد النص.
فالواقع يوحي للكاتب ما يراه مناسبا لموقع كنه الأشياء ليعطيها أولوية حسب خلفيته المعنوية أثناء عملية الكتابة تحت إلحاح حاجات وجدانية لحظية ، وقد لا نحكم عليها كونها انتقائية عبر آلة الوعي بل بحكم أحقيتها في الانبعاث من مرقد الذاكرة.
أنهي هذه الورقة التي لا تدخل طبعا ضمن الإحاطة النقدية المتخصصة، بل بناء على تجربة متواضعة في التفاعل مع فعل المطالعة بالقول: إن “شيء مني” هو كناية عن كتابة على السجية تقبض على زمن الحكي بنبض القلب.


الكاتب : فتيحة النوحو

  

بتاريخ : 21/02/2024