في عالم لا يُسلّط الضوء إلا على من يعتلي المنصات، تظلّ فئات واسعة من الشغيلة تعيش في هامش الوعي العام والسياسات العمومية. عاملات النظافة، وعمال الحراسة والبستنة، يشكّلون الركيزة الصامتة التي تحافظ على أمن ونظافة وجمالية المؤسسات، ومع ذلك تُواجههم معاناة يومية تبدأ مع أولى ساعات الفجر، ولا تنتهي إلا بإرهاق يطوي أجسادهم على فراش التعب والخذلان. يشتغلون في صمت، تحت لهيب الشمس أو في برد الشتاء، حراس وبستانيون يسهرون على أمن الفضاءات ونظارتها، دون أن يحظوا بما يستحقونه من تقدير أو إنصاف.
أجور هزيلة ومعاملة لا تليق بكرامة الإنسان مقابل خدمات مضنية
تشترك هذه الفئات في واقع مرير: أجور لا ترقى إلى الحد الأدنى للعيش الكريم، غياب للحقوق الاجتماعية، واستغلال في ظل شركات مناولة تتعامل معهم كأرقام مؤقتة، لا كأشخاص لهم أسر وأحلام وتطلعات. أغلبهم يتقاضون أجورا هزيلة، لا تتماشى مع حجم الجهد ولا تكاليف المعيشة المتصاعدة. ويشتكي الكثيرون من غياب الحد الأدنى للأجر، وتأخر الرواتب في بعض الحالات.
تكشف شهادات عدد من عاملات النظافة عن واقع مرير، حيث تتقاضى الكثيرات منهن أجورا لا تصل حتى إلى الحد الأدنى القانوني للأجور، مما يجعلهن فريسة للفقر والعوز. «نعمل من السادسة صباحاً إلى المساء، ولا نصل حتى إلى 2000 درهم شهرياً، دون تغطية صحية أو حقوق»، تقول فاطمة (اسم مستعار)، بينما تؤكد «خديجة»، عاملة نظافة بإحدى المؤسسات التعليمية «نعمل بصمت، لا أحد يسمع شكاوينا. حتى أجرتنا لا تكفي لشراء دواء أو إطعام أطفالنا.»
عاملات النظافة… رمز للصبر والمقاومة
رغم كل شيء، تظل هؤلاء النساء مثالا حيًا على العزيمة والصبر، يشتغلن بصمت للحفاظ على نظافة المرافق العامة، دون أن يلقين ما يستحقنه من احترام وتقدير. مطالبهن بسيطة وواضحة أجر عادل، معاملة كريمة، وضمان اجتماعي يحفظ لهن إنسانيتهن.
عمال الحراسة.. بين الخطر والنسيان
يشتغلون ليلا ونهارا لحماية المرافق العامة والخاصة، دون تأمين صحي أو تجهيزات لوجستيكية كافية. يواجه الحراس مخاطر الاعتداء، والسهر الطويل، وغالبا دون أي دعم نفسي أو بدني بعضهم لا يعرف حتى معنى «العطل السنوية».
مهنة محفوفة بالمخاطر دون تعويض
بالنسبة لحراس الأمن، فإن العمل الليلي أو في مرافق نائية يحمل الكثير من التحديات والمخاطر، دون وسائل حماية كافية أو دعم نفسي، في حين يواجه البستانيون مشاكل صحية مزمنة نتيجة التعرض الطويل للمبيدات والظروف المناخية القاسية.
عمال البستنة.. أيادي تخضرّ الطبيعة وتذبل تحت الشمس
يزينون الفضاءات الخضراء، ويحرسون جمال المدينة، لكنهم يعيشون في فقر بيّن. لا بدل عمل، ولا حماية من المبيدات، ولا تقدير يُذكر لما يبذلونه من جهد.
غياب التأطير والتمثيلية النقابية
قلة قليلة من منهم منخرطون في العمل النقابي، إما بسبب الخوف من فقدان العمل، أو بسبب جهل بحقوقهن الأساسية. كما تفتقر أغلبهن لأي تأطير قانوني أو تكوين مهني، الأمر الذي يجعلهن عرضة للاستغلال المستمر.
دعوات لتفعيل آليات المراقبة والإنصاف
مع توالي التصريحات الرسمية حول تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يبقى من الضروري تفعيل آليات الرقابة على الشركات ، وإلزامها بدفاتر تحملات تراعي كرامتهم، وحقوقهم في الأجر، التغطية الصحية، وظروف العمل الآمنة.
صرخة مشتركة: نريد الكرامة
رغم اختلاف مهامهم، يجمع هؤلاء العاملين مطلب أساسي: كرامة مهنية. كرامة تعني أجراً عادلاً، تغطية صحية، حماية من المخاطر، واعتراف بدورهم الحيوي. هي فئات تستحق أكثر من مجرد الشكر الشفهي، وتحتاج إلى تفعيل آليات الرقابة الجادة على شركات التدبير المفوض، ووضع دفاتر تحملات تضمن الحد الأدنى من الحقوق، وتوفير ظروف عمل إنسانية تحفظ لهم كرامتهم.
فكرة اليوم العالمي لجنود الظل
كمبادرة لإبراز التقدير لفئات عاملة تشتغل في صمت وتلعب أدوارا حيوية في المؤسسات والإدارات والمرافق العامة: عاملات النظافة، عمّال الحراسة، عمّال البستنة.
خلاصة
عاملات النظافة، وعمال الحراسة والبستنة ليسوا هامشا. هم العمود الصامت الذي يستند عليه استقرار وجمال واشتغال المؤسسات. وإعادة الاعتبار لهم، تبدأ بقرارات شجاعة وسياسات منصفة، تنقذهم من دوامة التهميش.