مشروع يشمل أزيد من 401,400 متر مربع للسكن الاجتماعي وحديقة حضرية بطول 1,5كلم لإحياء قلب المدينة
تسارع السلطات بمدينة الدار البيضاء الخطى لتسريع وتيرة إنجاز مشروع المحج الملكي، في إطار الرؤية الوطنية لتحديث المدينة وتحويل قلبها إلى واجهة حضرية حديثة وجاذبة، استعدادا لاستقبال تظاهرات دولية كبرى. المشروع، الذي يندرج ضمن الأوراش الحضرية الاستراتيجية للمدينة، يهدف إلى معالجة المباني الآيلة للسقوط وتحسين جودة الحياة للساكنة، ويعتمد على شراكة بين مختلف الأطراف المعنية لضمان فعالية التنفيذ ووضوح المسؤوليات.
هذه الاتفاقية، التي توصلت الجريدة بنسخة منها، تحدد الأدوار والمهام لكل طرف، بما في ذلك صندوق التدبير والإيداع، والسلطات المحلية ممثلة في ولاية جهة الدار البيضاء سطات تحت إشراف وزارة الداخلية، والوكالة الحضرية، وجماعة الدار البيضاء، وجهة الدار البيضاء سطات. وتشمل الاتفاقية نقل الأصول العقارية المرتبطة بالمشروع، وتنفيذ عمليات إعادة الإيواء والتعويض لفائدة الأسر المعنية، وتحديد المساهمات المالية لكل طرف، وإرساء آليات للتدبير والرقابة عبر لجان قيادة وتتبع، ما يوفر إطارا قانونيا وتنظيميا شاملا لإنجاح المشروع.
في هذا السياق، تلتزم شركة SONADAC بتفويت الأصول العقارية المرتبطة بالمشروع إلى جماعة الدار البيضاء دون مقابل، على أن تتحمل الجماعة مصاريف عملية التفويت بينما تتحمل الشركة كافة المخاطر الجبائية المحتملة. كما يتم تحويل جميع الاختصاصات والمهام التي كانت تتولاها SONADAC إلى جماعة الدار البيضاء وشركة CIE، بما في ذلك عمليات إعادة الإيواء، التعويض، الهدم، وإنجاز الحديقة الحضرية العمومية التي تمتد على طول 1.5 كيلومتر لتصبح أكبر مساحة خضراء في قلب المدينة.
وتشمل الأصول العقارية التي سيتم تفويتها مجموعة من المواقع الرئيسية، وهي: سوق القريعة بمساحة 54,698 م²، سوق العيون بمساحة 5,900 م²، أرض بشار الخير بمساحة 13,25 هكتار، أراضي التجهيزات العمومية بالنسيم بمساحة 9,680 م²، إيسلان بمساحة 1,223 م²، وأرض الكورنيش الجديد بمساحة 13,09 هكتار. كما تتعهد SONADAC بتهيئة وتطوير مشروع النسيم وفق مخطط التهيئة المصادق عليه بتاريخ 18 يوليوز 2025 من قبل اللجنة المحلية، مع تخصيص مساحة 401,400 م² للسكن الاجتماعي لإعادة إيواء سكان المحج الملكي، على أن يتم إطلاق طلبات إبداء الاهتمام لاختيار المنعشين العقاريين المكلفين بالإنجاز خلال 3 أشهر من توقيع الاتفاقية.
وتلتزم الأطراف المعنية بمسؤوليات محددة لضمان سير المشروع بسلاسة، حيث تتولى الوكالة الحضرية مرافقة SONADAC في الحصول على التراخيص وضمان مطابقة المشروع للمعايير التقنية، بينما تقوم جماعة الدار البيضاء بتجديد مرسوم المنفعة العامة وإبرام اتفاقيات نقل الأصول وتشريك CIE في تنفيذ العمليات المقررة. من جانبها، تتحمل CIE الكلفة المالية الكاملة لعمليات إعادة الإيواء والتعويض والهدم، وتلتزم بتنفيذ مشاريع المصاحبة الاجتماعية وفق معايير السكن الاجتماعي من حيث الثمن والجودة.
كما تلتزم SONADAC بتقديم مساهمة مالية قدرها 2 مليار درهم لفائدة CIE أو أي هيئة أخرى، سيتم صرف هذه المساهمة بين دجنبر 2025 ويناير 2029 بمعدل 250 مليون درهم كل ستة أشهر. كما تلتزم الأطراف الأخرى بضمان الانسيابية في تنفيذ المشروع، وتسهيل المساطر الإدارية المتعلقة بمسار نزع الملكية للأراضي المتبقية في نطاق المشروع.
بهذا الشكل، تشكل اتفاقية الشراكة خطوة عملية لتجاوز التعثرات السابقة وتسريع إنجاز مشروع المحج الملكي والنسيم، بما يليق بمكانة الدار البيضاء كقاطرة اقتصادية وحضرية للمملكة، ويوفر للسكان فضاءات سكنية ذات جودة ومساحات خضراء واسعة، ويعكس التزام المغرب برؤية حضرية حديثة تستجيب لتطلعات الساكنة وتستعد لاستقبال التظاهرات الدولية الكبرى.
كرونولوجيا المحج الملكي الذي تعثر 36 عاما بين الطموح الحضري وإخفاقات السلطة الإدارية
منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ظل مشروع “المحج الملكي” بالدار البيضاء عنوانا بارزا لطموح إعادة هيكلة قلب العاصمة الاقتصادية وربطه بين ساحة الأمم المتحدة ومحيط مسجد الحسن الثاني، غير أن المسار الطويل لهذا الورش الذي أطلق سنة 1989 سرعان ما تحول إلى قصة تعثر امتدت عقودا كاملة، وارتبطت بتجربة شركة “صوناداك” وما رافقها من إخفاقات تنظيمية ومالية انتهت في أروقة المحاكم قبل أن يعاد إحياء المشروع في السنوات الأخيرة في أفق استحقاقات مونديال 2030.
فمنذ الإعلان عن المشروع في 1989، ارتبطت به آمال كبيرة لإعطاء واجهة حضرية جديدة للدار البيضاء، بما يعيد الاعتبار لمحاورها التاريخية ويمنحها جاذبية عمرانية وسياحية متميزة. وبين سنتي 1991 و1994 جرت ترتيبات مؤسساتية لاحتضان المشروع، قبل أن يتم في سنة 1994 إحداث شركة “صوناداك” لتتولى التهيئة الجماعية، وتشرف على هذا الورش إلى جانب مشاريع أخرى مثل مدينة النسيم. وخلال هذه المرحلة، صدرت قرارات واسعة بنزع الملكية على طول الشريط المستهدف، وهي القرارات التي ستصبح لاحقا مصدر توترات اجتماعية وتعقيدات عقارية ستلازم مسار المشروع. هنا أبرز التواريخ التي تحكي قصة هذا التعثر الذي عمر 36 عاما !!
1989
إطلاق مشروع “المحج الملكي” كأحد أوراش إعادة الهيكلة الكبرى في قلب الدار البيضاء، لربط ساحة الأمم المتحدة بمحيط مسجد الحسن الثاني، وتأهيل النسيج العمراني التاريخي على طول الشريط المستهدف. منذ البداية، وُضع المشروع ضمن “الأوراش الملكية المهيكلة للمدينة”.
1991–1994
ضمن دينامية إعادة التهيئة الحضرية آنذاك، أُنشئت ترتيبات وهيئات لتنفيذ مشاريع موازية (منها مشروع مدينة النسيم)، قبل أن يتخذ في 1994 قرار إحداث شركة “صوناداك” لتتولى التهيئة الجماعية بجهة الدار البيضاء، وتكون ذراعا تنفيذيا لمشاريع من ضمنها المحج. كما صدرت قرارات نزع ملكية واسعة في محيطات حضرية متاخمة، ما أسس لسلسلة تعقيدات عقارية واجتماعية لاحقة.
2000–2009
تواصلت الصعوبات المرتبطة بالاقتناءات العقارية وإعادة الإيواء وتمويل الأشغال. تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 سجل ملاحظات ثقيلة على “صوناداك”: بطء شديد في تعبئة العقار (لم تتجاوز الاقتناءات 15.6% من الوعاء إلى حدود ماي 2009)، اختلالات في الحكامة والتدبير، وعدم احترام رزنامات الإنجاز، ما انعكس مباشرة على ورش المحج الملكي.
2013-2010
توتر اجتماعي في مناطق الهدم والإفراغ على الشريط، وتقارير إعلامية متواترة حول مبان مهددة بالانهيار وإشكالات التعويض وإعادة الإسكان، كل ذلك رسخ صورة مشروع متعثر رغم رمزيته.
فبراير 2014
بعد إحالة خلاصات تقرير 2009، فتحت الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية أبحاثا موسعة، شملت 11 موظفا ومسؤولين تعاقبوا على مالية الشركة، على خلفية شبهات تبديد مال عام واختلالات في الصفقات والتصرفات العقارية. أُعلن آنذاك عن “تسريع الآلة القضائية” بخصوص ملف “صوناداك” .
دجنبر 2015
ابتدائية الدار البيضاء تستمع للمدير العام السابق لـ”صوناداك” في جلسات همت صفقات وتدبير أموال المشروع، مع الاستناد إلى ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات.
2017–2016
استمرار النزاع القضائي والمدني في ملفات التعويضات ونزاعات المِلكية بمحيط المشروع، وسط توقف شبه كلي للورش ميدانيا، وتفاقم كلفة الوقت على النسيج المبني الذي طالته عوامل التدهور.
ماي 2018
غرفة الجنايات الاستئنافية (قسم الجرائم المالية) تصدر أحكامًا بالبراءة في ملف ” صوناداك “، ما أعاد القضية إلى “نقطة الصفر” من زاوية ترتيب المسؤوليات الجنائية بعد أعوام من المتابعات والتحقيقات.
2019–2023
لم تسجل قفزات تنفيذية كبرى على الشريط نفسه، وظل المشروع عنوانا للتعثر المزمن، مع استمرار الجدل حول أدوار المتدخلين وكلفة التوقف وتبعاته الاجتماعية والعمرانية.
شتاء–خريف 2024
إحياء الملف ضمن رزنامة التأهيل الحضري استعدادا لاستحقاقات مونديال 2030، الحديث رسميا عن تسريع الأشغال بهدم البنايات المتداعية وتعويض المتضررين مع الحفاظ على الطابع التاريخي للمحور. عودة المشروع إلى واجهة الأولويات الحضرية بعد 33 سنة من التعثر.
يوليوز 2025
تحركات رسمية من أعلى السلطات تؤكد تموقع “المحج الملكي” كأحد أكبر رهانات المدينة، مع إبراز هدف تعزيز الواجهة التراثية والسياحية، وربط قلب الدار البيضاء بمعالمها الرمزية على طول محور متكامل.
أواخر غشت 2025
والي الدار البيضاء يدعو إلى دورة استثنائية للمجلس للمصادقة على اتفاقية شراكة جديدة لتسريع إنجاز المشروع من دون تكاليف إضافية على ميزانية المجلس؛ وتنص الترتيبات على نقل معظم مهام “صوناداك” إلى شركة “الدار البيضاء للإسكان” كشركة تنمية محلية يرأس مجلس إدارتها الوالي، بما يقر بإنهاء نحو 90% من اختصاصات “صوناداك” في الملف وإعادة تجميع القرار التنفيذي لدى فاعل محلي واحد لتجاوز عنق الزجاجة. (أنظر مقالنا في الموضوع تحت عنوان “بعد شبه استسلام من شركة “صونداك”.. 2 مليار درهم لفائدة شركة الدارالبيضاء للإسكان والتجهيز لإتمام عملية إخلاء المحج الملكي”.