على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
على مدار العقود الماضية، حظيت قصة منزل أميتيفيل بشهرة واسعة، وأصبحت واحدة من أشهر قصص الرعب التي أثارت جدلا واسعا. هذا المنزل، الذي يقع في 112 شارع أوشن، بلدة أميتيفيل، بنيويورك، في الولايات المتحدة الأمريكية، تحول من مجرد مسكن عادي إلى رمز للرعب والظواهر الخارقة، بفضل الجريمة البشعة التي وقعت فيه وما تبعها من أحداث غامضة. فما هي حقيقة هذا المنزل؟ وهل كانت تلك الظواهر الخارقة مجرد خدعة، أم أنها وقائع حقيقية؟
في ليلة 13 نوفمبر 1974، شهد المنزل جريمة قتل مروعة، حيث أقدم شاب يدعى رونالد ديفيو جونيور، البالغ من العمر 23 عاما، على قتل ستة أفراد من أسرته (والديه وأربعة من إخوته) أثناء نومهم. وقد استخدم بندقية من نوع مارلين عيار 35، وأطلق النار عليهم في أسرتهم.
ما أثار الدهشة أن الجيران لم يسمعوا أصوات الطلقات، كما لم تظهر أي علامات مقاومة من الضحايا، ما جعل الجريمة محاطة بتساؤلات غامضة. لاحقا، ادعى رونالد أنه كان يسمع أصواتا غريبة تأمره بقتل أسرته.
بعد وقوع الجريمة، تم عرض المنزل للبيع بسعر منخفض جدا (80,000 دولار)، وفي ديسمبر 1975، اشترت عائلة لوتز (جورج وكاثي لوتز) المنزل وانتقلت للعيش فيه مع أطفالهم، رغم معرفتهم بتاريخ المنزل المروع.
لكن ما حدث خلال 28 يوما فقط قلب حياتهم رأسا على عقب. فرت العائلة مرعوبة، تاركة جميع ممتلكاتها، بعد أن زعمت أنها واجهت ظواهر خارقة للطبيعة.
ومن أبرز الظواهر التي أبلغوا عنها، روائح كريهة تظهر فجأة، وحدوث تغييرات مفاجئة في درجات الحرارة داخل الغرف، كما أبلغوا عن ظهور بقع من سائل أخضر على الجدران والأقفال، وقالوا إن أسرابا من الذباب تظهر في منتصف الشتاء.
وأبلغت العائلة أيضا عن سماع أصوات غريبة كضربات، خطوات وصرخات، بالإضافة إلى رؤية عيون حمراء تلمع في الظلام خارج النوافذ، واستيقاظ جورج كل ليلة في الساعة 3:15 صباحا ،وقت وقوع الجريمة، ورؤية كاثي تطفو في الهواء، وأبناؤهما يرتفعون عن أسرتهم بالإضافة إلى انقلاب صليب معلق على الحائط رأسا على عقب، وظهور كائن برأس خنزير يُعرف باسم «جودي».
زار المحققان الشهيران إد ولورين وارن المنزل عام 1976. وأكدت لورين وارن أنها شعرت بوجود «شر شيطاني رهيب» داخله، كما التقطت صورة لطفل بعينين مضيئتين، زُعم أنها لروح أحد أطفال عائلة ديفيو.
لكن لاحقا، كشف محام لرونالد ديفيو أن القصة قد تكون ملفقة، وأنه اتفق مع عائلة لوتز على اختلاق الأحداث أثناء جلسة شرب. كما أشار بعض الصحفيين إلى أن عائلة لوتز كانت تعاني من مشاكل مادية وربما أرادت استغلال القصة لتحقيق أرباح.
ارتبط المنزل بعدة تفسيرات غامضة، منها: بناؤه على مقبرة للسكان الأصليين الهنود الحمر، وإقامة طقوس شيطانية على الأرض قبل تشييد المنزل.ما عزز هذه الأسطورة، كيفية مقتل أفراد عائلة ديفيو دون أن يستيقظ أحدهم، بالإضافة إلى فرار عائلة لوتز المفاجئ بعد 28 يوما فقط، والصورة الشهيرة للطفل ذي العينين المضيئتين
في عام 1977، نُشر كتاب بعنوان «رعب أميتيفيل» ، للكاتب جاي أنسون، استنادا إلى رواية عائلة لوتز، وحقق الكتاب نجاحا عالميا.
واستنادا إلى الكتاب، أُنتج فيلم بعنوان «The Amityville Horror» في عام 1979، وحقق بدوره شهرة واسعة، تبعته سلسلة أفلام تجاوزت 20 فيلما، أبرزها فيلم أنتج عام 2005، من بطولة رايان رينولدز.
وقد أثرت القصة أيضا على الثقافة الشعبية، حيث ظهرت إشارات ساخرة لها في برامج مثل «عائلة سيمبسون» و»فاميلي غاي»، وألهمت أفلاما مثل «بولترغايست» و»إنسيديوس». كذلك ذُكرت قضية أميتيفيل في سلسلة «ذا كونجورينغ»
حاليا، لازال المنزل قائما، وقد تم تغيير رقمه إلى 108 بدلا من 112، لردع الفضوليين، أما الملاك الحاليون فيؤكدون أنهم لم يشهدوا أي ظواهر غريبة.
ورغم مرور كل هذه السنوات، لا تزال قصة منزل أميتيفيل تثير التساؤلات. فبين من يؤمن بحقيقة الظواهر الخارقة، ومن يرى أنها مجرد خدعة لتحقيق أرباح، يبقى المنزل رمزا للرعب في الثقافة الشعبية، وقد نجحت هذه القصة، بغض النظر عن الحقيقة، في ترسيخ مكانة أميتيفيل كواحد من أشهر المنازل «المسكونة» في التاريخ.