لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك -10- غابة أوكيغاهارا : اليابان

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

تحظى غابة أوكيغاهارا، الواقعة على سفوح جبل فوجي في اليابان، بسمعة مرعبة جعلتها واحدة من أكثر الأماكن المخيفة في العالم. تمتد الغابة على مسافة 35 كيلومترا مربعا، وتعتبر موقعا طبيعيا هائلا يحتوي على كثافة أشجار عالية وكهوف بركانية قديمة، مما يخلق بيئة معزولة وساحرة، لكنها في ذات الوقت مظلمة وموحشة. تُعرف الغابة أيضا بـ «غابة الانتحار» بسبب العدد المرتفع من حالات الانتحار التي حدثت هناك على مر السنين، مما أكسبها شهرة قاتمة.
تُعتبر الأضواء الشبحية من أبرز الظواهر التي يرويها من زاروا المكان. يُقال إن هذه الأضواء تظهر أحيانا بين الأشجار، تشبه الأضواء الغامضة أو الوميض الضعيف، وعادة ما تكون متذبذبة. يدعي بعض الشهود أنهم حاولوا تتبع مصدرها، لكن كلما اقتربوا منها، كلما ابتعدت. ويعتقد البعض أن هذه الأضواء هي لأرواح العالقين في الغابة الذين يحاولون جذب الزوار ليضيعوا في عالمهم الآخر.
أما عن الأشكال الشبحية، فتتعدد القصص حول ظهور الأرواح التي تجول بين الأشجار. يشير العديد من الزوار إلى أنهم شعروا بوجود كائنات أو شخصيات تتحرك في الزوايا المظلمة أو يلمحون أشكالا بشرية تطفو بين الأشجار. وتظهر العديد من هذه الأرواح في وضعية غريبة، مثل أن تكون الأطراف مشوهة أو الجسم طويل جدا بشكل غير طبيعي. ويُقال إن هذه الأرواح لا تهاجم مباشرة، لكنها تُظهر إشارات تحذيرية، مثل التجوال غير المستقر أو الحركات السريعة التي تثير القلق.
وفيما يتعلق بالأصوات الغامضة، لا تقتصر الظاهرة على مجرد همسات أو صوت الرياح بين الأشجار. بل يزعم بعض الأشخاص أنهم سمعوا أصواتا واضحة، تتنقل من جهة إلى أخرى، تطلب منهم إما العودة إلى الطريق الصحيح أو تضيعهم أكثر في قلب الغابة. وتستمر هذه الأصوات في الإزعاج، حتى أن بعضهم يُقال إنهم عانوا من «تأثير الصوت الكابوسي» حيث يلازمهم الصوت بعد مغادرتهم للمكان، مما يجعلهم يشعرون بعدم الراحة ويشككون في ما إذا كانت هذه الأصوات مجرد أوهام أم أن هناك شيئا خارقا وراءها.
من أكثر الظواهر المقلقة في أوكيغاهارا هي مشكلة «التوهان غير المبرر». حتى في وقتنا الحالي، لا يزال الزوار يواجهون مشكلة حقيقية في استخدام الأدوات الملاحية مثل البوصلات، حيث يمكن أن يلاحظ البعض توقف البوصلات عن العمل فجأة أو تبدأ في الإشارة في اتجاهات غير منطقية، مما يزيد من شعور الضياع والغموض. هناك العديد من الروايات التي تقول إن الأجسام المعدنية في الغابة، مثل الصخور أو التربة البركانية، قد تكون مسؤولة عن تعطيل الأجهزة، لكن العديد من الباحثين في الظواهر الغريبة يؤمنون أن هذا يمكن أن يكون ناتجا عن تأثيرات روحية أو خارقة للطبيعة.
أما الكائنات التي تم اكتشافها في الغابة، مثل الدمى المعلقة أو الملابس المهجورة، فتلعب دورا مهما في تعزيز الأساطير المحيطة بالمكان. يعتقد البعض أن هذه الدمى، التي غالبا ما تكون مرمية على الأشجار أو معلقة بين الفروع، تحمل طاقات سلبية أو تمثل أرواحا مضطربة. في بعض الأحيان، عُثر على ملابس قديمة أو أحذية تركت على الطريق، مما يعزز الفكرة القائلة بأن هناك شيئا غريبا يحدث في الغابة، ويثير تساؤلات حول مصير أولئك الذين تركوا هذه الأدوات خلفهم.
قد تكون الظواهر الأكثر غرابة هي تلك التي تتعلق بمشاعر الوجود الخفي. فالكثير من الزوار يصفون تجربة غريبة عندما يشعرون بشخص ما يلاحقهم أو يراقبهم دون أن يراهم أحد. في بعض الأحيان، تتسارع ضربات القلب ويشعرون بنوع من الضغط في صدرهم، تماما كما لو كان هناك شخص خلفهم، لكن عند الاستدارة لا يجدون أحدا. أحيانا تكون هذه الظواهر مصحوبة بشعور مفاجئ بالبرد أو الدوار، ما يعزز الاعتقاد بأن الغابة نفسها تحمل نوعا من الوعي أو القوة التي تراقب أولئك الذين يتجولون داخلها.
بعض الأشخاص الذين زاروا الغابة في رحلات استكشافية يدعون أنهم التقوا بكائنات غريبة أو بشخصيات قديمة تظهر في الأفق. وفي بعض الحالات النادرة، تم العثور على أدلة على وجود حياة في أعماق الغابة، مثل قبور غير معروفة أو تماثيل قديمة تركت كعروض تذكارية. يعتقد البعض أن هذه الأدلة تشير إلى وجود مجتمع قديم أو طقوس دينية مرتبطة بالغابة تمارس منذ قرون.
بكل هذه الظواهر، تظل أوكيغاهارا مكانا غامضا ومخيفا، حيث يختلط الواقع بالخرافات والخيال.


الكاتب : n عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 12/03/2025