على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت محورا للجدل والخوف والدهشة.
في كندا، وفي أوائل القرن العشرين، لعبت السكك الحديدية دورا أساسيا في تطوير المجتمعات الزراعية في مقاطعة ساسكاتشوان الكندية. ومع مرور الزمن وتحديث أنظمة النقل، تم التخلي عن بعض خطوط السكك الحديدية وهدمت.
وعلى طول إحدى هذه السكك المهجورة، في ضواحي بلدة سانت لويس الصغيرة بدأت حكاية القطار الشبح، فقد أخذ سكان المنطقة يتناقلون قصصا عن ضوء غريب يظهر ليلا، ويتحرك في المكان الذي كانت تمر به القطارات.
الرواية الأكثر شهرة حول هذه الظاهرة تقول بأن سائق قطار أو مراقب فرامل تعرض لحادث مروع أثناء أداء عمله ليلا، حيث سقط على السكة، ودهسته عجلات القطار، مما أدى إلى قطع رأسه ومنذ ذلك الحين، يعتقد أن روحه تهيم على تلك السكة القديمة، تحمل فانوسا، في بحث دائم عن رأسه المفقود. هذه الرواية المثيرة أصبحت هي الأكثر تداولا في المنطقة، وتوارثتها الأجيال.
وهكذا على مدار العقود، أكد العديد من الأشخاص أنهم شاهدوا الضوء الغامض، وغالبا ما توصف المشاهدات بأنها ضوء ساطع يظهر فجأة في الظلام، ويبدو وكأنه يتحرك فوق المسار المهجور. أحيانا يظهر ضوءان : أحدهما أبيض (يمثل مصباح القطار الأمامي)، والآخر أحمر (يمثل المصباح الخلفي)، ما يعطي الانطباع بمرور قطار شبحي.
بعض الشهود يقولون إن الضوء يقترب بسرعة كبيرة كما لو أن القطار على وشك دهسهم، لكن يختفي فجأة. أما البعض الآخر، فيشعر ببرودة مفاجئة وصمت غريب قبل ظهور الضوء، وهي أمور تتكرر كثيرا في الحكايات عن الظواهر الخارقة.
آخرون ذكروا أنهم يسمعون أصواتا مثل دوي عجلات قطار على السكة، أو صفارات قطارات بعيدة، رغم أن السكك الحديدية أزيلت منذ زمن.
لم تقتصر الحكايات على ظهور الضوء فقط، بل تحدث بعض الزوار عن أحاسيس وأحداث غريبة، من قبيل شعور بأن أحدا يراقبهم، والإحساس بقشعريرة مفاجئة دون سبب واضح، بالإضافة إلى رؤية ظلال تتحرك بين الأشجار، وأضواء صغيرة وامضة، تقترب وتبتعد كما لو كانت تلعب مع الحاضرين، روايات كلها عززت الاعتقاد بأن المكان مليء بطاقة غامضة أو أرواح هائمة.
رغم أن ضوء القطار الشبح هو الظاهرة الأشهر، إلا أن بعض سكان المنطقة يعتقدون أن الأرض هناك شهدت مآسي كثيرة، وأنها قد تكون موطنا لأرواح أخرى على شاكلة همسات خافتة تسمع مع الرياح ليلا أثناء السير في الحقول، وسلوك غريب للحيوانات، مثل كلاب تنبح باتجاه الفراغ، أو ترفض الاقتراب من موقع السكة القديمة، وكذا شعور بضيق في الصدر عند الاقتراب من المكان، وكأن قوة غير مرئية تضغط عليهم.
كل هذه الحكايات ساهمت في تشكيل قناعة لدى البعض بأن الروح التي تبحث عن رأسها ليست وحدها في ذلك المكان.
وعلى الرغم من محاولات تقديم تفسيرات علمية، إلا أن الكثير من المؤمنين بالخوارق يرون أن ما يحدث هناك يتجاوز المنطق. ومن التفسيرات الشائعة، تلك المتعلقة بالطاقة المتبقية، حيث يعتقد أن الأماكن التي شهدت مآسي وحوادث مؤلمة تحتفظ بطاقة سلبية تظهر في صور وأصوات، مثل تسجيل متكرر للحظة المأساة، والروح العالقة، إذ يظن البعض أن روح عامل القطار عالقة بين عالم الأحياء والأموات، وغير قادرة على العبور إلى الراحة الأبدية، وتظل تبحث عن رأسها.
ويرى بعض الباحثين في الروحانيات أن المكان ربما يكون نقطة اتصال بين عالمنا وعوالم أخرى، مما يفسر ظهور أضواء وأشكال غير مفسرة.
في عام 2001، قام طالبان بإجراء دراسة علمية في محاولة لتفسير الظاهرة، وقد خلصا إلى أن الضوء قد يكون انعكاسا لأضواء سيارات على طريق بعيد، بسبب طبيعة الأرض المسطحة في المنطقة. ومع ذلك أكد شهود أن الضوء يتصرف بشكل غريب، ولا يشبه مجرد انعكاس لسيارات.
كما أشار كثيرون إلى أن الظاهرة سجلت قبل إنشاء الطريق السريع الذي يعتقد أن أضواءه هي السبب. بعض المشككين الذين ذهبوا لرؤية الضوء، اعترفوا بأن التجربة كانت مخيفة، وصعبت عليهم تقبل التفسير العلمي.
قطار سانت لويس الشبح تحول اليوم إلى وجهة معروفة لعشاق المغامرات، حيث يزور الكثيرون المنطقة ليلا، على أمل مشاهدة الضوء، ويذهب الأصدقاء والعائلات للاستمتاع بتلك الليالي المليئة بالتوتر والفضول. غير أن كثيرين يغادرون دون أن يروا شيئا، لكنهم يحملون شعورا بأن شيئا خفيا كان يراقبهم.