على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت محورا للجدل والخوف والدهشة.
يعتبر برج لندن واحدا من أشهر المعالم التاريخية في إنجلترا، حيث يمتد تاريخه لأكثر من 900 عام، شهد خلالها العديد من المآسي، وعمليات الإعدام، والأحداث الغامضة. لهذا السبب، ليس من المستغرب أن يُعتبر من أكثر الأماكن المسكونة بالأشباح في بريطانيا، إذ أبلغ عن العديد من المشاهدات الغامضة، مثل ظهور أطياف لشخصيات تاريخية، وسماع أصوات غريبة، وشعور بوجود كيانات غير مرئية تجوب ممراته.
ومن أشهر الظواهر الخارقة المرتبطة ببرج لندن، والقصص التي جعلت منه موقعًا مثيرا للرعب والدهشة، شبح آن بولين، الملكة بلا رأس.
كانت آن بولين الزوجة الثانية للملك هنري الثامن، وقد أعدمت داخل برج لندن عام 1536 بتهمة الخيانة. منذ ذلك الحين، تكررت الروايات التي تحدثت عن مشاهدة شبحها في أماكن مختلفة داخل البرج، وغالبا ما تظهر وهي تجوب المكان بلا رأس، مما جعل قصتها من أكثر قصص الأشباح شهرة في بريطانيا.
كما شوهد طيفها في البرج الأبيض وفي كنيسة سانت بيتر أد فنكولا، حيث دفنت،
وفي إحدى الروايات، أفاد أحد الحراس أنه رأى امرأة بلا رأس تسير ببطء، وعندما حاول الاقتراب منها، اختفت فجأة.
في رواية أخرى، ادعى جنود أنهم شاهدوا موكبا من الأشباح تقوده آن بولين داخل الكنيسة، وكأنها لا تزال ملكة حتى بعد موتها.
هناك أيضا ظهور أمراء البرج ، أو أرواح الأطفال المفقودين، ففي عام 1483، تم احتجاز الأمير إدوارد الخامس وشقيقه ريتشارد داخل البرج، ولم يشاهدا مرة أخرى، ويعتقد أن عمهما، الملك ريتشارد الثالث، أمر بقتلهما للاستيلاء على العرش. وقد شوهدت أشباحهما في برج الدم، وهما يمسكان بأيدي بعضهما بملامح حزينة، كما أبلغ العديد من الحراس عن سماع ضحكات أطفال تتردد في الممرات ليلا، يليها انخفاض مفاجئ في درجة الحرارة.
هناك أيضا شبح توماس بيكيت، وكان رئيس أساقفة كانتربري، وقد قتل بأمر من الملك هنري الثاني عام 1170، لكن ظهوره الغامض لم يحدث إلا بعد عقود من وفاته، عندما كان الملك هنري الثالث يوسع البرج في عام 1241، حيث أفاد عمال البناء أنهم شاهدوا طيف رجل يرتدي رداء كنسيا يضرب الجدران بعصاه، مما تسبب في انهيار بعض الأجزاء وتأخير الأعمال، وقد توقفت هذه الظاهرة بعد أن تم بناء كنيسة صغيرة داخل البرج تكريما له.
ومن بين الظواهر الأخرى التي اشتهر بها البرج، شبح الليدي جين غراي «الملكة لمدة تسعة أيام». وقد حكمت الليدي جين غراي إنجلترا لمدة تسعة أيام فقط قبل أن تأمر الملكة ماري الأولى بإعدامها، وشوهدت أكثر من مرة في البرج الأبيض، حيث تبدو شاحبة وحزينة. في عام 1957، أبلغ أحد الحراس عن رؤية طيفها واقفا في صمت داخل البرج، لكنه اختفى عندما حاول الاقتراب.
ومن بين الظواهر المبلغ عنها، شبح مارغريت بول، كونتيسة سالزبوري، وكانت إحدى ضحايا الملك هنري الثامن، وأعدمت بطريقة وحشية، حيث أخطأ الجلاد عدة مرات قبل أن ينجح في قطع رأسها.
ووفقا لشهود، يظهر شبحها أحيانا وهو يعيد تمثيل لحظات إعدامها، حيث ترى وهي تركض مذعورة قبل أن تتلاشى في الظلام.
إلى جانب الأشباح، أُبلغ عن العديد من الظواهر الغريبة في برج لندن، مما يزيد من غموضه، فقد أفاد العديد من الزوار والحراس بسماع صرخات، وهمسات، وخطوات في الممرات، رغم أن المكان كان خاليا تماما، وشوهدت ظلال غامضة تتحرك بين الجدران دون تفسير منطقي، وفي برج الدم، أبلغ البعض عن شعورهم بوجود كيان غير مرئي، مصحوبا بانخفاض حاد في درجة الحرارة.
شوهدت كذلك امرأة ترتدي ثوبا أبيض في البرج عدة مرات، ويقال إنه قبل ظهورها، ينتشر في المكان عطر قوي وغريب، كما أفاد بعض الحراس بأنهم شعروا بضيق في التنفس أو دوار مفاجئ أثناء مرورهم بالأماكن التي يعتقد أنها مسكونة بها.
هذه الظواهر، جعلت من برج لندن أكثر مجرد موقع تاريخي، بل أيضا مركزا للعديد من القصص والأحداث الغامضة. وسواء كانت هذه الظواهر حقيقية أم مجرد أساطير تناقلتها الأجيال، فإن البرج يظل أحد أكثر الأماكن إثارة للرعب والدهشة في إنجلترا.