نشرت كل من الصحافية آن-لور لوبغان، وزميلتها اورور إيمليت، مقالان في “لو فيغارو الصحية” الفرنسية، يخصان جميع الأسئلة التي قد تطرح حول اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، والتي يجري العمل بها بالنسبة للمعروفة منها من أمثال لقاحات “أسترازينيكا” و “فايزر”، أو الجديدة منها التي تم تقديم طلب المصادقة عليها كلقاح “جونسون اند جونسون”، حيث تشترك جميع هذه اللقاحات في البنية التطويرية علاوة على طريقة عملها، غير أن لها سمات مختلفة منها طريقة التطبيق (عدد الجرعات). ومن الواضح أن عمليات التلقيح ضد الفيروس قد انطلقت في جميع أنحاء العالم تقريبا، شاملة أكبر عدد ممكن من السكان.
في هذا المقال سنحاول التعرف على مختلف ما يروج عن هذه اللقاحات من فوائد ومخاطر.
في جل أنحاء العالم، كما ذكرنا مسبقا، بدأت عمليات التلقيح ضد الفيروس العويص، بعد سنة من ظهوره أو أكثر، مع توزيع حكومات الدول للقاحات التي طال انتظارها، والتي بدورها تحمل شيئا من الأمل في انتهاء هذه الأزمة الصحية العالمية، التي أودت بحياة أكثر من 2.2 مليون شخص حول العالم، إذ أصابت أكثر من 85 مليون منهم، مستعملين عددا من اللقاحات المعروفة والجديدة التي سيصادق عليها مستقبلا، بفعالية تتراوح ما بين 50 إلى 95 في المئة، ومعظم الأنواع خطيرة، هذا بعد شهرين من التلقيح أو تلقي الجرعة الثانية.
تقول البروفيسورة دومينيك لو جولوديك، رئيسة الهيئة العليا للصحة “HAS”، “إن البشرية كانت تعيش مستقبلا مجهولا الى وقت قريب بخصوص الشفاء من الفيروس، و اللقاحات لم تكن متوقعة الظهور بهذه السرعة، غير أنها بزغت كبزوغ الضوء في نهاية النفق”.
لا يزال من السابق لأوانه أن نؤكد بأن جرعتين من التلقيح، ستمكننا في ما بعد من الرجوع إلى عيشنا الطبيعي السابق، والابتعاد أو التخلص من الأقنعة نهائيا، غير أن توافرها سيساهم في التخفيف من الضغط العام، وأيضا من الضغط الشديد على النظم الصحية، عن طريق التقليل من الحالات الخطيرة.
ورغم ظهور اللقاحات، إلا أن حظوظها في القضاء التام على الفيروس لا تزال غير واضحة بالرغم من نتائجها الواعدة، لكون العدو الذي نواجهه صغيرا – فتاكا وغير مرئي، على الرغم من العدد الكبير من الدراسات التي شملته وطبيعته التكوينية، وكيفية مهاجمته للنظام المناعي للشخص المصاب، هذا النظام الذي قد/ أو يواجه الفيروس، ومن الممكن أن يحمينا منه دون اللجوء إلى اللقاح. يقول البروفيسور ستيفان بول “إن التحرك الدولي لمواجهة الفيروس المستجد، لم نعهد له مثيلا من قبل، سواء على المستويات الأكاديمية أو الصناعية أو الاستثمارية، حيث اتحدت كل الجهات المعنية باختلاف توجهاتها لمواجهة الفيروس، وساهمت كل من جهتها وبطريقتها في التسريع من الحد منه”.
من بين 220 لقاحا مطورا،
3 فقط يتم تسويقها
في بداية السنة الحالية، سجل تطوير ما يقرب من 220 لقاحا ضد الفيروس، كما يجري حاليا تقييم ما يعادل 50 لقاحا منها، عبر اجتيازها للمرحلتين الأولى والثانية من الاختبارات السريرية، في حين أن بعضها قد بدأ في المرحلة الثالثة (الحاسمة)، قبل المصادقة عليها لبدء عملية التسويق. غير أن الملاحظ، أن 3 منها فقط يتم التسويق لها حاليا، أي لقاحات “فايزر” و “استرازينيكا” و “موديرنا”، في سابقة طبية عجيبة، حيث من المعروف أن المصادقة على أي لقاح لا تتم إلا بعد 10 سنوات من تطويره، وأن أكثر من 90 في المئة منها، لا تصل إلى المرحلة الثالثة.
من المعلوم أن التحدي الذي تواجهه البشرية، عظيم بعظم تاريخها على الكوكب الأزرق، لذلك سعت شركات الأدوية والمختبرات الطبية، إلى مزامنة التجارب بين اللقاحات، بغرض تقليل وقت العمل وتسريع الوصول إلى النتائج، ينضاف إلى ما سبق ظهور “لقاحات الحمض النووي – ARN”، ذات أوقات الإنتاج القصيرة نسبيا، المختلفة بشكل جذري عن اللقاحات التقليدية المتداولة، متخذة مبدأ زرع جزء ميت من الفيروس، من أجل أن يدرسه النظام المناعي للفرد ويتمكن من إنتاج الأجسام المضادة له، مبدأ موحد لعملها، تشاركته شركات عالمية مسؤولة عن اللقاحات المتداولة و معروفة بأسمائها لدى الجميع وحول العالم.
بالنسبة لآلية عمل اللقاح، فإن المبدأ بسيط للغاية، حيث يتم حقن المريض بسائل مائي الشكل، يحتوي في داخله على الحمض النووي لجزء ميت من الفيروس، لكي يتحرك نظام المناعة بعدها للتعرف على الحمض النووي أو الدخيل للجسم، ويبدأ من جهته بعملية دراسته وتكوين أجسام مضادة له، عبر إنتاج بروتين «سبايك» المتموقع على غلاف الفيروس الخارجي، الذي يسمح للفيروس بالدخول إلى جسم المريض، نظام ذكي ومتطور إلا أنه يثير مخاوف عديدة، من بينها إمكانية تطوير اللقاحات لدى بعض المرضى لحالات مرضية تشمل الإصابة ببعض أنواع السرطان.
صرح الدكتور بول، بهذا الخصوص، «صحيح أننا نحقن مواد وراثية، غير أن هذه المواد ليست فيروسية المصدر، بل يتم تطويرها في أنابيب وعن طريق وسائل كيميائية، ومنه فهي لا تندمج مع الخلايا البشرية، ويشمل هذا الحمض النووي البشري، إضافة إلى أن جزء الفيروس المحقون، يختفي بعد 48 ساعة من الحقن». ويعقب «بالرغم من الظهور الحديث لهذه التكنولوجيا، غير أن التقدم فيها مازال متأخرا، إلا أنها تمثل أملا لمواجهة القادم من الفيروسات مستقبلا»، وبالرغم من الكلمات والجمل المطمئنة، إلا أن السباق نحو التحصين من العدوى يشكك البعض في صحة ما يروج حول اللقاحات.
التساؤل عن مدة
الحماية لا يزال قائما
يتساءل عدد كبير من الأفراد عن السلامة طويلة الأمد لهذه المنتجات، كما يرحبون، وبحذر كبير، بكل لقاح جديد يعلن عنه، فبحسب استطلاع للرأي أجري مؤخرا بفرنسا، فقط نصف المشاركين يبدون رغبتهم في تلقي التلقيح، في حين أن النصف الآخر يفضل الانتظار، سواء إلى ظهور اللقاحات الكلاسيكية أو التي يتم تطويرها بشكل اعتيادي، شكوك تصاحب بطء عملية التلقيح في فرنسا. تقول البروفيسور أوتران، أستاذة الأمراض الفيروسية «لم يتم التضحية بأمان التلقيح والمتلقي، بيد أن جميع المراحل تم احترامها، كما أن مشاركة المتطوعين وبكثافة، ساهمت في تسريعها أيضا».
على العموم، فإن الأعراض الجانبية الخطيرة نادرة الحدوث، ولا تشمل وإن حدثت حالة كل 100 ألف حالة، أي أنه ومن المستحيل حدوث الأمر أثناء التجارب السريرية، وعادة ما تظهر فقط في حالة العمل باللقاح. وفي ما يتعلق بتوقيت التلقيح، فسيتم عبر الاستعانة بعملية التيقظ الدوائي المعتادة، ومن المتوقع أن يبلغ ثمن الجرعة الواحدة 2.50 أورو، وأن الجرعات ستحقن بمعدل متصاعد في بعض الدول الأوروبية، أي نصف جرعة (المرة الأولى) ثم جرعة كاملة (المرة الثانية) كما حدث في بريطانيا لأكثر من 3 آلاف متطوع، مما سمح بحقن منهم أقل من 55 سنة، بالنسبة للقاح أسترازينيكا.
لا تزال فئة من الناس، كما عهدنا وسنعهد دائما، مشككة بشأن فعالية اللقاحات الحالية، ويزداد شكها لمدى نجاعتها على المدى الطويل، وأن اللقاحات المعدة بشكل جيد والناجحة في التجارب السريرية، قادرة على مساعدة الجسم على محاربة الفيروس، إذ من خلال تجارب المرحلة الثانية، بات بمقدورنا التأكد من أن الأجسام المضادة تصبح منتجة بوتيرة دائمة ومستقرة بعد أخذ الجرعة، غير أنه يصعب تحديد أي وقت ستختفي فيه أو ستصبح أضعف من ذي قبل، أو عن مدى نجاعتها في مواجهة السلالات الجديدة؟
أسئلة تؤرق المختصين تحديدا، لاسيما أن اللقاحات تستند إلى استهداف البروتين «سبايك»، غير أن هذه المسألة ليست مطروحة حاليا.
8 أسئلة وإجابتها
قد توضح الأمور
من بين الأسئلة المهمة، وغير الشائعة بين الناس، ما يتعلق بمدى طبيعة الحماية من الفيروس؟ سؤال يتصادف مع ما روج له عن فعالية اللقاحات الثلاثة، وأن لها قدرة على مواجهة السلالات المتحورة من الفيروس، أي أنها توفر للجهاز المناعي البشري، القدرة على تطوير أجسام مضادة حتى في المجاري الهوائية، غير أن الدراسات لا تذكر شيئا بخصوص الحماية من نقل العدوى الفيروسية، ما يجعلنا نتوقع إمكانية الإصابة بالعدوى، دون تطور المرض، مع إمكانية انتقال العدوى بين الأفراد. هناك بادرة أمل، تتمحور في مساعي الباحثين في مركز باستور، إلى تطوير بخاخ أنفي لمحاربة الفيروس في المجاري الهوائية.
بالنسبة للسؤال الثاني، فيخص «إمكانية أن تكون اللقاحات مسؤولة في وقت ما عن ظهور أمراض خطيرة؟»، لتجيب « لم تسبب لقاحات الفيروسات السابقة، في مضاعفات أو ظهور لأمراض خطيرة من قبل، فكما لم يكن للقاح التهاب الكبد الفيروسي (ب) علاقة بداء التصلب المتعدد، فإن علاقة اللقاحات الحالية بأية أمراض مستقبلية تبدو واهنة جدا، كما الحال في دراسة لمنظمة الصحة العالمية في 1998، و ما تبعها من دراسات تبرئ ذمة عدة لقاحات مما راج حولها من كونها مسببة للأمراض.
يتعلق السؤال الثالث، أو مجموعة التساؤلات ب «هل هناك تراجع في إدراكنا اللقاحات الجديدة؟ هل يمكن التوصل للقاح ضد كورونا في أقل من عام؟ هل يمكن طرح لقاح ضد الانفلونزا قبل بدء الخريف؟ وهل تسير الأمور بوتيرة سريعة؟ « ليجيب وزير الصحة الفرنسي بالقول «كل لقاح يتم التسويق له، هو لقاح صودق عليه مسبقا من قبل لجان صحية أوروبية او محلية، تؤكد نجاعته وجودته وكفاءته. بعد التسويق للقاح، يتم متابعة سيرورته التسويقية كأي دواء آخر، على غرار كل لقاح جديد في السوق. من جهة أخرى، فإن سياسة اليقظة والتتبع الدوائي، قد أبدت فعاليتها في عدة مواضع، كما حصل للقاح المضاد لل»الفيروسات العجلية».
يتعلق السؤالان الرابع والخامس ب»مدى الفعالية الحقيقية للقاحات؟» و «هل ستزداد فعالية تحصننا من الفيروس في حالة مرضنا به؟»، لتجيب مؤسسة باستور بالقول: «تلك الأمراض التي تحمينا منها غير موجودة بالفعل، فيما يعرف ب»معضلة اللقاح»، وتعقب «أن اللقاحات تحولت لضحايا نجاحها، بيد أن اللقاحات قد غذت لدى البشرية، فكرة أن الأمراض المعدية ليست بالشيء الخطير». في الواقع، فإن التطور السريع للحياة اليومية للأشخاص، قد ساهم بدوره في انقطاع أثر العديد من الأمراض، غير أنه لا يمكن الجزم بأن التوقف عن التلقيح قد يعيد تلك الأمراض إلى الواجهة، حيث يجب التقصي حول كل مرض على حدة، أمر صعب ما دام الفيروس حاضرا و بشكل جديد، حيث إن وقف التلقيح يعني عودة المرض». من جهة أخرى، تساهم الأمراض بتطوير مناعتنا وتحصينها منها مستقبلا، كما تقول منظمة الصحة العالمية، خاصة عبر التعرض للعدوى بشكل طبيعي، وليس عبر التجمعات المفروضة أو ما شهدناه من «حفلات العدوى» في العديد من الدول العالمية من بينها الولايات المتحدة، أو من خلال التعرض لعدوى فيروسية خطيرة على أساس أنها نوع من التدريب للجهاز المناعي.
بالنسبة للأسئلة السادسة والسابعة والثامنة، والتي تناقش على التوالي «هل ستملأ المختبرات جيوبها من اللقاحات وستمكن من توفير بعض المال للدولة؟»، و «هل ستسبب اللقاحات ضعفا في الجهاز المناعي؟»، و « المشكل ليس في اللقاح، بل في محسنات اللقاحات..»، فإن الأجوبة تأتي على النحو التالي: «صحيح أن اللقاحات ستكون سببا في غنى المختبرات، غير أن جميع الأدوية تغتني منها المختبرات، لذلك لا وجود لهذا المبدأ بالنسبة للقاحات دون الأدوية الأخرى والعكس صحيح، كما أن الدولة مشمولة بنفس المبدأ». من جهة أخرى «فإن القلق حول ضعف الجهاز المناعي بسبب اللقاح طبيعي، خصوصا مع حضور أكثر من 8لقاحات فيروس موجهة للأطفال في السوق، وأن 70 في المئة منهم قد تم تلقيحهم مسبقا، منها ما يبلغ 11 لقاحا لأمراض مختلفة، وأن حقنها في نفس الوقت لم يظهر أية أعراض جانبية بحسب الدراسات». وأخيرا «بعض اللقاحات تحتوي على محسنات، لها دور في دق ناقوس الخطر للنظام المناعي لكي يعمل، ومنه لكي يبدي اللقاح النتيجة المطلوبة، علاوة على خفض عدد الجرعات المطلوبة، وتحسين فعالية التحصين، بخلاف ما يروج له من أن «أملاح الألمنيوم» تسبب التسمم، إلا أنها ارتبطت بمرض «التهاب اللفافة البلعمية»، المسبب لأعراض العياء والتعب وآلام العضلات، والتي تعكف الدراسات على استبدالها بمكونات أخرى مستقبلا».