للشعر كل الأيام أعياد جديدة وسعيدة

في مدينة برشيد ومدرسة سيزار
احتفاء بثلاثة شعراء
ودواوينهم الفائزة بالجائزة

1
ليس ثمة عيد أو يوم واحد للربيع والمرأة الأم والشعر العالمي.
في 21 مارس من كل عام تكثر اللقاءات والقراءات الشعرية والاحتفاءات بالشُّثَراء والشاثرات وتقل خلال أيام العام.
لذلك ينبغي الاحتفال بجمال الربيع و الطبيعة والحفاظ عليها والمرأة الأم والعناية بها طوال الفصول الاربعة، تماما كرعاية الشعر الذي له _معهما_ كل أيام العام أعيادٌ ومواليدٌ ومواعيدٌ جديدة وسعيدة.
لا أظن أن الشعر بحاجة إلى من يقرأه أو يسمعه في أغاني الحياة، ولكنه محتاج أكثر من أي شيء إلى من يقوله ويفعله ويتمثله في سلوكه اليومي كأشهى طعام وكلام وألذ شراب وكتاب وينقله ويترجمه بأمانة دون خيانة باستمرار الحياة والوجود قيماً جمالية ونضالية وإنسانية داعية إلى إشاعة المحبة والسلم والعدل والحرية والمساواة والتعارف والتعاون والتفاهم والصداقة بين الشعوب…

2
نصف يوم وليل يساوي عمراً في حساب الزمن الإبداعي، وفي رحاب مدينة برشيد، التي احتفلت واحتفت من خلال مدرسة «سيزار» بجمال الحياة والربيع والطفولة والشعر في يومه وعيده العالمي. وقد كانت مؤسسة «سيزار» المزار وكان مديرها الصديق فتح الله بوقنيطير المضيف والمشرف على جائزتها الشعرية التي تحمل دورتها اسم الدكتور محمد زهير والقائم على تصميم دواوينها الثلاثة الفائزة بالجائزة الشاعر الصديق مصطفى ملح. بينما تحولت ساحتها إلى «خيمة اجتماع» و «أغورا» إبداع وأوركسترا إمتاع وإشباع وإرواء للعيون والقلوب بموسيقى العازف الفنان هشام فوزي الإدريسي، وبوصلات غنائية للفنان محمد النجاري وبمداخلات مفتوحة للحضور الكريم، وبتقديم الأستاذة لمياء أمان، وبشتى ألوان الجمال والأعمال الفنية من إبداع تلاميذ مدرسة «سيزار» وقد أمست في تلك الاحتفالية الجمالية بيت القصيد وواسطة العقد على جيد مدينة برشيد التي سعدت فيها مرارا وفي مدرستها «سيزار» مرة أخرى بقراءة شعرية إلى جانب شاعرها الصديق مصطفى ملح، الذي كان يحلو لنا أن نسميه «بوزير ثقافتها» وينادينا «بمستشاريه». وكانت لحظة التتويج تحت خيمتها الشعرية النابغية احتفاء بثلاثة من الشعراء المتميزين الفائزين بحائزة شعرية في مسابقة وطنية وسابقة نادرة المثال وغير معهودة كثيرا خاصة في مشهدنا المدرسي التعليمي والتربوي والثقافي، بطبع دواوينهم الثلاثة الفائزة بالجائزة، التي كان رئيس لجنتها وترجمان تحكيمها فتى حلوان الشاعر الصديق محمد بوجبيري.

3
أينما التقينا بالشعر يهدينا صداقات جديدة.
في فندق الحديقة الوحيد ببرشيد كان الشعر أول المستقبلين والمحتفلين وآخر المودعين والمؤملين الحالمين المقتنعين بأيام أعياد أخرى حبلى بالمواليد والمواعيد الجديدة والسعيدة.
جاء الشاعر الصديق سعيد أكزناي الفريول حاملا على ظهره سنديانة الشعر _صخرة سيزيفية_ عتيقة ومورقة وراسخة وشامخة في أعالي السماء والجمال، وقائلا عنها على ظهر الغلاف :
السندان الذي طُرق بظهري
صار سنديانةً
والنُّؤْيُ الذي حفَرَتُهُ حول خباءِ الطفولةِ
جرَفَتْهُ السيولُ
أتأملُ السنديانةَ وهي ترفع أذرعها للسماء
وكلما ارتفعتْ
تقوسَ الظهرُ أكثرَ..ص65
تماما كما جاء الشاعر الصديق سعيد أكزناي الفريول إلى القصيدة عاشقا «مراهناً عليها في مضمار الحلْم» و «مؤمناً بها نهراً» و «قارئاً» و «قلباً صالحاً لزراعة الوردِ» و «زهرةِ العمرِ» كذلك قال لها ولهاً بها منذ «تصدير» ديوانه: «من ظهري نمتْ سنديانة» فاتحةً : «متشبثاً بشيء ما، أتنفس آخر ذراتِ الحلْم» وخاتمةً: «متشبثاً بشيء ما، ما زلتُ أومن بالقصيدة، بالورد، والحبّ.» ص5

4
طالما خطّأني ظني بنسبة هذا الشطر من البيت الشهير إلى الرفيق طرفة بن العبد :
أقسِّم جسمي في جسوم كثيرة!
وطالما صوّبني الشاعر الصديق محمد بوجبيري وجير خاطري الذي ضل وتاه دائما عن نسبة البيت إلى صاحبه الرفيق عروة بن الورد.
وطوال نصف يوم وليلة باتَ وأصبح الشعر وما برح ترجمان أشواقه ومحبيه وعشاقه ولسان الإنسان وآفاقه و قاسماً مشتركاً ودماً «في جسوم كثيرة».
وفي ديوان : «نطاق الجسد» للشاعر الصديق كمال الإدريسي كذلك من فاتحته:
الجسدُ
حَقَّ فيهِ الوصْفُ
وحاقَ بهِ العصْفُ. ص5
إلى خاتمته على ظهر الغلاف :
كنت من عدم
كنت من خيال
وكان الجسدُ وسيلتي لأتجلى وأُرى « ص76
وديوان الشاعر الصديق كمال الإدريسي مثل عنوانه تماما «نطاق الجسد» كله «جسد» واسع «النطاق» ومترامي الأطراف والآفاق البعيدة. و «نطاق الجسد» كله رؤى وتجليات لحريق ورحيق الجسد الشعري المختوم والمرسوم والمقسوم في جسوم كثيرة وأجساد لا تُعدّدُ لكن يمكن العدُّ منها على النحو التالي:
«الجسد المنتفخ» و «الوارف» و «القليل» و «الغريب» و «النادر» و «الفيروزي» و الغابوي» و «الحجري» و «المتوحش» و « حتى ضؤُل واختفى»_ص27_

5
لاشك أن معاشر الشعراء والشواعر الحرائر كلهم شاعرون بأنفسهم ومُسلِّمون عليها ومُقسِّمون حريقها و «رحيقها المختوم» والمرسوم والمقسوم في جسوم ورسوم كثيرة.
ولا تزال «سنديانة الشعراء» -عنوان كتاب لي- راسخة الجذور وشامخة الأعالي وباذخة الجمال و -صخرة سيزيفية – مزهرة ومثمرة على مدى الآلام والأيام و «اقلب الصفحة في سفر الدهور».
وقبل أن أصافح يد الشاعر الصديق ياسين الحراق وبعد أن أتصفح ديوانه: «يدي التي تصافح بلا سبب» ناديته باسم «الزاوية الحراقية» الشهيرة للشيخ والشاعر سيدي محمد الحراق الشفشاوني المولد والمحتد والتطواني المزار والمثوى الأخير. ولم يخنّي ظني : كان الشاعر الصديق ياسين الحراق صاحب طريقةٍ وطالب حقيقةٍ لم يجدها إلا في حَريقةٍ شعرية متقدةٍ ناراً ونوراً في عُلَّيْقةٍ سحريةٍ تمنح الشعرَ عمراً طويلًا وجميلًا على حدّ تعبيرِ وتصديرِ ديوانه بقول شاعر الكينونة الكردية شيركو بيكس :
«لا تحزني أيتها الفراشة
لعمرك القصير
لأنك وفي الغمضة تلك
منحت طولا لعمر الشعر».
غير أن حريقَ ورحيقَ الشاعر ياسين الحراق ليس إلا طريقَ الشعر الذي يمضي عليه باحثاً فيه عبثاً عن ذلك « الغدِ السائدِ اليومَ على الأرض» على حدّ قول الشاعر الفرنسي وعلى حدّ قوله وعلى لسان كل «شبيه» مثله:
_ وأنا مثلك
أضعت الخطو والطريق ص55
_ و « لأن الطريق هي الأخرى
حادت عن مكانها ص23
_ و «الطريق لم تعد رفيقة» ص27
_ و «الطريق غدت صخرة كبيرة،
والخطوات التي أنحتها
أتركها خلفي ص49
كما لو أنها عتبة بيت قديم
مقلوعة وموحشة»ص50
وهو بالتالي لا يمضي على طريق الشعر إلا إلى أرض قصيدة الحياة ونبض حياة القصيدة القائل عنها وفيها على ظهر الغلاف:
«وأنت ذاهب إلى الحياة
خذ القرابين معك.
هذه الجموع الممتدة على كثيب
ليست أشجاراً
بل مسوخاً أغواها العطش
شجرة واحدة
كافية كي تظلل صحراء العدم «ص59
وللشعر العالمي والربيعِ والمرأةِ الأمِّ جميعُ الأيامِ والأعوامِ، أعيادٌ حبلى بالمواليدِ والمواعيدِ الجديدة والسعيدة!


الكاتب : إدريس الملياني

  

بتاريخ : 07/04/2022