«لوحة من تراب وطن» : تجربة فنية رائدة للتشكيلي عبد الفتاح بلالي

بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه، وهو اعتراف بحق تاريخي مشروع، انبثقت في ذهن الفنان التشكيلي عبد الفتاح بلالي فكرة مبتكرة، لم يُسْبَقْ إليها، وَلَّدَتْهَا سعادة غامرة بهذا الحدث التاريخي الهام، وهي فكرة إنجاز لوحة متفردة من جهتين: جهة المضمون، وجهة ما تتألف منه اللوحة من مواد.
فلأول مرة في العالم تنجز لوحة من تراب وطن.
ومن أجل هذه الغاية، كان لا بد للفنان من أن يسافر من أجل لوحته. فمواد هذه اللوحة لا يجمعها محلٌّ، ولا يحصرها مكان. فهي موجودةٌ متفرقةً في تراب الوطن. فوجب لذلك جمع المتفرق، ليتعاضد ويتآلف ويَكُونَ رمزا في تعاضده وتآلفه لهذه الوحدة التي تجسدها لوحة.
وإذا كان يُنْتَظَرُ من الفنان، عادة، أنْ يخلوَ بنفسه من أجل رسم لوحته، وأن يدمن النظر والتأمل، ويغلق عليه الأبواب، فقد خالفت هذه اللوحة المألوف في ذلك، والمتوقع، إذ دفعت صاحبها إلى سفر طويل من طنجة نحو العاصمة الرباط حيث أخذ حفنة تراب من جانب صومعة حسان والضريح لما لهما من رمزية تاريخية. ثم من طنجة الى وجدة. ومن وجدة الى فاس. ومن فاس إلى الريصاني حيث أخذ حفنة تراب من ضريح المولى علي الشريف. ثم من الراشيدية إلى مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، حيث أخذ من تربته.
وبعد ذلك كانت المرحلة الثالثة من طنجة إلى تربة جامع الكتبية بمراكش.
ثم من مراكش إلى تربة عين أسردون ببني ملال، ثم كانت العودة الى طنجة حيث أخذ حفنة من تراب جبل موسى.
ثم كانت الرحلة الرابعة والأخيرة من طنجة الى الكويرة مرورا بأغادير، وكلميم، والعيون، ثم إلى المعبر الحدودي الگرگرات.
لقد كانت رحلة إبداع وتحدٍّ دامت أربعة أشهر، هي مدة إنجاز اللوحة/المنحوتة: تراب بلادي. ليكون هذا العمل رمزا قويا يعكس تشبتنا القوي بوحدتنا الترابية.
لقد تعود المغاربة قديما أن يتبركوا بتراب المقدسات، وأن ينقلوه معهم، وأن يتوارثوه. وقد نقل الفنان هذه العادة المتوارثة إلى لوحته هذه لتدل على هذه الأمور جميعا، وهي: التبرك والتقديس والتقدير، وتَوَارُثِ ذلك كله، وفاءً، وإخلاصا، وانتماءً.


بتاريخ : 11/09/2021