ماذا بعد جلاء موجة «أوميكرون»

لاشك بأن جائحة كورونا غيرت كثيرا م البروفيسور خالد فتحي، خبير في السياسات والنظم الصحية..

 

لاشك أن جائحة كورونا غيرت كثيرا من أسلوبنا في التفكير الذي ارتبط أساسا بصحوة أخلاقية تتمثل في امتثال الجميع للإجراءات الاحترازية والالتزام بها تفاديا لانتشار العدوى في ما بيننا، ومهما طالت مدة المعركة مع الوباء فسنتمكن من فهم متأن لسرعة تطور الفيروس ومناعته المستمرة تجاه العلاج وقدرة البكتيريا على الصمود أمام المضادات الحيوية وفعالية اللقاح وجرعاته المعززة ودورها الحاسم في تفادي خطر الموت بالنسبة للمصابين وعدم تفاقم حالتهم الصحية.
فالعالم قبل كورونا ليس هو نفسه بعدها، والجائحة قد وضعت العالم في تيه حقيقي بين سيناريوهات ما بعد الجائحة، فهل ستقضي نهاية موجة “أوميكرون” على الفيروس؟ وهل يمكن أن يضع اللقاح حدا لقصة الرعب التي نعيش؟ وهل يمكن اعتبار الجائحة نقطة تحول جذري في حياتنا ما سيمكننا من العودة للهدوء النسبي الذي عاشته البشرية بعد انتهاء حروبها في السابق؟ أم أننا أمام جوائح مستقبلية ومتحورات قادمة قد تفتك بالإنسان وتهدده في سلمه وأمانه…

نهاية “أوميكرون” أم نهاية كورونا

يرى البروفيسور خالد فتحي، الخبير في السياسات الصحية، بأن هناك فرقا بين ما نتوقعه من خلال استقراء قواعد الاشتباك التي تعودنا عليها خلال الحرب مع كورونا التي دامت سنتين وأكثر، وبين ماسنكابده على أرض الواقع. نظريا يمكن القول إن أوميكرون أنهى موجته وأنها كانت أرحم موجة. ولكن لاتزال هناك تلك المتحورات السابقة عليه “الفا” و”دلتا” و”كاما” في مناطق مختلفة من العالم على شكل بؤر متفرقة وقد تتحول مرة أخرى في اتجاه غير اتجاه أوميكرون، وبالتالي قد تنجب سلالة أخطر وأسرع تفشيا وتعاود كورونا الهجوم علينا في إرهاب جديد وجحافل جديدة. كذلك أوميكرون بدوره يمكنه أن يتحور في اتجاه يجعله أكثر ضعفا أو أشد خطورة. فالتحور هو ديدن الفيروسات ووسيلتها للبقاء. إذن لاشيء مضمون.
هناك مقابل هذا التشاؤم سيناريو متفائل يرى أن “أوميكرون” هو آخر من يتربع على عرش الجائحة، وأن كورونا بدورها خضعت لسنة الأعمار الثلاثة. بداية الانتشار كانت مع سلالة ووهان وأوج القوة مع دلتا ثم مرحلة الاضمحلال كانت بقدوم أوميكرون.
ويضيف البروفيسور فتحي بأنه لا يجب الاعتقاد بأن علماء الفيروسات يعرفون ماسيقع. هم يتكهنون فقط. وقد استعاروا أساليب التحليل العسكري والاستراتيجي طيلة الجائحة التي تسعف كثيرا في مواجهة الحوائج. بطبيعة الحال التحور يخضع لمنطق الاحتمال. ولا أحد يملك جوابا شافيا.

إعلان وزارة الصحة بزوال موجة “أوميكرون”

يؤكد البروفيسور فتحي بأن موجة “أوميكرون” قد انتهت في الوقت الذي حُدد لذلك. موجة قصيرة بخسائر في الأرواح أخف بكثير من موجة “دلتا” التي عاشها المغاربة كزكام أشد. وبالتالي لم يكن هناك تفهم كبير للإجراءات الصارمة التي اُتخذت. الآن الإصابات أقل ونسبة الإيجابية في الحضيض، وقد عادت أقسام الإنعاش إلى هدوئها، فعلا انتهت موجة “أوميكرون” لكن بقيت ارتداداتها. هناك جوائح غير منظورة ورثناها عن “أوميكرون” وأشقائه تتعلق بالتأخر الحاصل في التكفل بالأمراض الأخرى. وهناك الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة والتي تستدعي تدخلا في العديد من القطاعات.
بالنسبة “لأوميكرون” يمكن أن نأمل أن يتحول إلى مرض متوطن تستطيع المنظومة الصحية أن تستوعبه. علينا أن نستمر في تلقي الجرعات وأن نبني حائط المناعة الجماعية. الحذر يقتضي أن نوصف المرحلة التي نجتازها بالهدنة التي يجب أن نستثمر فيها جيدا. الحياة الآن أصبحت محفوفة بالمخاطر المختلفة ولذلك الكياسة تتطلب الاستباقية والاستعداد لكل السيناريوهات.

متحورات أقل خطورة
نهاية الوباء

في رأي البروفيسور فتحي أننا قد نكون أمام فيروسات جديدة هذا ما أشار إليه بيل غيتس وهو محق جدا. التاريخ يعيد نفسه بنفس الصورة والعالم أصبح فاسدا وقد لا نعدم تحديا صحيا يكون أفظع من كورونا. لقد تنبهت الأنا الرأسمالية المتوحشة إلى اقتصاد المرض. ودائما سيكون علينا أن نواجه تحديات قد تكون من صنعنا بشكل غير مباشر من خلال الاستمرار في العبث بالتنوع الحيوي والطبيعي وعدم الانتباه إلى تكلفة التقدم الصناعي الذي أصبح يهدد وجودنا على الأرض.

إلغاء الإجراءات الاحترازية.. ممكن

يضيف البروفيسور فتحي بأن الإجراءات الاحترازية يجب أن تتحول إلى نمط حياة التباعد العزل الذاتي الكمامة النظافة هذه أمور ضرورية يجب المحافظة عليها حتى إذا عادت المتحورات وجدنا أنفسنا مستعدين لذلك، يجب إدماج هذه الاحترازات في التعليم من السلك الابتدائي وتدريسها للصغار لإعدادهم للمستقبل. كورونا لم تنته. هناك كورونا الطويل الذي عادة لا نحتسب وفياته. هناك الكثير من الدروس التي ينبغي استخلاصها. يجب أن نتبه للعمر السكاني ونعالج الشيخوخة المجتمعية بتدابير فعالة وناجعة. هناك الكثير مما يجب أن نفعله كمغاربة وما يتعين أن نفعله كمجتمع دولي.

تقييم تصدي الدولة للوباء ونجاح المغاربة في اختبار الجائحة

ينطلق البروفيسور فتحي في هذا السياق، مما نعرفه عن منظومتنا الصحية قبل الجائحة والخسائر التي تكبدناها، فالمغرب قد حقق معجزة كبيرة. لقد توفقنا في الاختبار كثيرا وحولنا الأزمة إلى فرصة، على الأقل نحن الآن نعرف ما ينقصنا ونعرف ما علينا فعله. هناك زخم خلقته الجائحة ينبغي تطويره، وحالة من الحماس يمكن أن نبني عليها الكثير .المغرب يوجد بين أوروبا التي نكبها الوباء وافريقيا التي أفلتت منه بقدر رباني واعتمادا على مؤهلاتها الطبيعية كحداثة سن السكان وغياب الكثافة السكانية. إن نتائج الوباء في المغرب هي وسط بين النتائج الأوروبية الكارثية والنتائج الإفريقية التي كانت هبة من الله. المغرب نجح لأن الوباء وجد قيادة تواجهه ومؤسسة استراتيجية تضع الخطط وتبرمج البدائل، وهي المؤسسة الملكية التي أبانت عن مواطنتها وعن حيويتها البالغة للمغرب في اللحظات المفصلية للتاريخ. المغرب تحول الآن إلى منصة قارية للقاح ومدينة بنسليمان ستصبح عاصمة اللقاح بإفريقيا. الكل أشاد بالمغرب الذي خرج قويا وبتطلعات عارمة تدفعه إلى الصعود في المشهد الدولي، فقط علينا أن نلتقط هذه الإمكانيات ونحولها إلى إنجازات.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 03/03/2022