ما الذي ستجنيه دول الساحل من المبادرة الملكية لولوجها إلى المحيط الأطلسي؟

لقيت المبادرة الملكية، الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، بمشاركة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، ترحيبا دوليا واسعا نظرا لما توفره من إمكانات غير مسبوقة، من شأنها تقديم حلول مناسبة لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين، والتحول الهيكلي لاقتصادات هذه الدول ، وتحسين الظروف المعيشية لسكان دول الساحل والصحراء، في إطار مقاربة مبتكرة ومندمجة لتعزيز استقرار وأمن المنطقة. وهو ما جعل الوزراء المشاركين في في اجماع مراكش التنسيقي يعربون عن امتنانهم للملك محمد السادس، على هذه المبادرة، وعلى العرض الذي تقدمت به المملكة المغربية بوضع البنيات التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية رهن إشارة دول الساحل، لتعزيز مشاركتها في التجارة الدولية.
وتفتح المبادرة، التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، المجال أمام بلدان الساحل، التي ليس لها منفذ على البحر للولوج إلى البنيات التحتية الطرقية والمينائية للمملكة. وعلى الرغم من أن فكرة فتح منافذ لوجيستيكية لهذه الدول على المحيط الأطلسي و «فك العزلة» عن هذا الفضاء الإقليمي الشاسع تعد تحديا صعبا على أرض الواقع، إلا أن المنافع الاقتصادية والتنموية اللامتناهية التي يمكن أن تجنيها شعوب المنطقة من وراء هذا المشروع، تستحق بذل أقصى الجهود من أجل تحقيق هذه الرؤية الملكية.
وإذا كان المغرب يضع بنياته التحتية المتقدمة من طرق وموانئ رهن إشارة هذه البلدان النائية، فإنه بالمقابل سيتعين بذل مجهود استثماري ضخم، لتأهيل شبة الطرق البرية التي تربط هذه الدول بالمغرب.
ويشكل ضعف البنيات الطرقية و طول المسافات أكبر تحد يجب رفعه لإنجاح المشروع، الذي مازال حاليا رهن التصور والتشاور، فالمسافة الفاصلة بين ميناء الداخلة الأطلسي ونجامينا (عاصمة تشاد)، تصل إلى أزيد من 3700 كلم، وسيستغرق قطعها في ظل البنيات المتوفرة حاليا أزيد من 80 ساعة، وهي المدة التي يمكن أن تتقلص كثيرا إذا ما انكبت الدول المشاركة في هذا المشروع على تحديث البنيات التحتية الطرقية .
فما الذي يمكن أن تجنيه هذه الدول من وراء هذه المبادرة الواعدة؟

مالي

تتماشى هذه المبادرة مع الرؤية متوسطة المدى للسلطات المالية، التي ترى أن التصنيع والتصدير يجب أن يحتل جزءا أساسيا من النشاط الاقتصادي مستقبلا. وستركز الإجراءات الشاملة على النوع الاجتماعي وتمكين المرأة، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، وكذلك التعزيز المستمر لتنمية القطاع الخاص.
كما أن من شأن تفعيل هذه المبادرة أن يعزز حجم المبادلات التجارية بين البلدين الذي تقدر قيمته بحوالي 800 مليون درهم، مما يجعل جمهورية مالي تتبوأ الرتبة 19 ضمن قائمة موردي المملكة بإفريقيا (39,3 مليون درهم) والرتبة 10 في لائحة زبائنه (811,2 مليون درهم). وقد العلاقات الاقتصادية الثنائية التي تعززت بفضل إبرام بروتوكول التعاون الصناعي الموقع خلال زيارة جلالة الملك محمد السادس، إلى مالي عام 2016، والذي يتطلع إلى تطوير الشراكة الاقتصادية والاستثمارات وتشجيع التعاون التقني في المجال الصناعي.

موريتانيا

لا شك أن موريتانيا ستكون أكبر المستفيدين من تفعيل المبادرة الملكية ، حيث تمر علاقاتها التجارية مع المغرب، خصوصا منذ تأمين معبر الكركارات، بأزهى فتراتها وقد شهدت دينامية غير مسبوقة خلال سنة 2022، حيث ناهزت قيمة هذه المبادلات 300 مليون دولار أمريكي. محققة بذلك نسبة نمو بلغت %58 بالمقارنة مع سنة 2020. وحسب القسم الاقتصادي بسفارة المملكة المغربية بنواكشوط. فإن هذا الانتعاش الملحوظ في حجم وقيمة المبادلات التجارية. يأتي ليعزز موقع ومكانة المملكة كأول مورد للسوق الموريتاني على المستوى الأفريقي. حيث تشكل الواردات الموريتانية من المغرب ما يناهز %50 من مجمل وارداتها من القارة الأفريقية. على المستوى المغاريي. تشكل هذه الواردات أكثر من %73 من مجمل الواردات الموريتانية من الدول المغاربية.
على مستوى بنية الصادرات المغربية نحو موريتانيا، فإن %80 منها تتكون من ثلاث فئات وهي: المواد الغذائية والزراعية. والمواد المصنعة وآلات ومعدات النقل. وتشكل الصادرات من الخضر والفواكه حوالي %20 من حجم هذه الصادرات.
ويعزى هذا النمو إلى عدة عوامل منها الجوار الجغرافي بين البلدين . وكذا سلاسة التعاملات بين الموردين المغاربة ونظرائهم الموريتانيين وجودة السلاسل اللوجيستية. بالإضافة إلى السمعة الطيبة والجودة العالية التي تتميز بها المنتجات المغربية في السوق الموريتانية.

بوركينا فاصو

بالإضافة إلى الزراعة ، شهد التعدين مؤخرا نموا استثنائيا على مدى السنوات العشر الماضية. ومثل القطاع أكثر من 75% من حصص التصدير. وتوفر عمليات التعدين الصناعية الـ 13 التي تم إنشاؤها أكثر من 200 مليار فرنك أفريقي من الإيرادات الضريبية وشبه المالية مع أكثر من 9000 فرصة عمل مباشرة. وتمثل طفرة التعدين هذه فرصة لتطوير القطاعات ذات الصلة من خلال توريد السلع والخدمات للمناجم. أهم المنتجات: القطن، المشروبات، الصناعة الغذائية، المنسوجات، الذهب، الذرة، الدخن، الأرز، الماشية.
ومن شأن فتح طريق تجاري لبوكينا فاسو على ميناء الداخلة أن يضاعف من دينامية المبادلات التجارية لهذا البلد خصوصا مع المغرب ، والذي انتقل من 47 مليون دولار في عام 2016 إلى 90 مليون دولار في عام 2022. وهناك اهتمام متزايد من الفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال الخواص في كلا البلدين بتطوير وتعزيز المبادلات واستكشاف فرص الأعمال، وبالتالي الانخراط بشكل أوسع في جهود تطوير العلاقات الثنائية. ويذكر أن الإطار القانوني المنظم للتعاون الثنائي ثري ومتنوع يشمل جميع المجالات الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك، ويعد أساس التعاون الاقتصادي الثنائي. ويشمل هذا الإطار أكثر من 90 آلية للتعاون بدءا من اتفاقية التعاون الاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية، الموقعة في واغادوغو في 28 ديسمبر 1989. والاتفاق المتعلق بالتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، الموقع بالرباط في 8 فبراير 2007، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي فيما يتعلق بالضرائب على الدخل، الموقعة في واغادوغو في 18 مايو 2012. وبالمثل، فإن اتفاقية إلغاء التأشيرة لحاملي جوازات السفر العادية دخلت حيز التنفيذ في فبراير 2021، وتشكل إعادة تأكيد متبادلة والتزاما قويا لإرساء علاقات ثقة تستند على الإنجازات التي تم تحقيقها بالفعل على المستوى الثنائي، بما في ذلك حرية تنقل الأشخاص والتي تمثل تقدما دبلوماسيا كبيرا بالنسبة للمغرب وبوركينا فاسو. ويرتبط المغرب وبوركينا فاسو بعلاقات ثنائية ممتازة، تتميز بالتشاور المتبادل والتضامن المستمر والتبادل المنتظم للزيارات رفيعة المستوى .

النيجر

يركز اقتصاد النيجر على الزراعة وتربية المواشي وتصدير اليورانيوم، إذ تساهم الزراعة بنحو 44% في الناتج الإجمالي المحلي، وتوفر سبل العيش لـ87% من السكان . ولكون الصناعة قطاعا هشا بهذا البلد الفقير، فإن حاجته إلى الواردات المغربية تعزز فرص نجاح المبادرة الملكية، لاسيما أن العلاقات الثنائية بين البلدين تعد متينة، وقد انتقل حجم المبادلات بينهما من 238.63 مليون درهم سنة 2016، الى 300 مليون درهم في السنة الأخيرة.
وبالرغم من هذا التقدم الملاحظ فإن المبادلات بين البلدين لا تخدم النيجر، لأن ما يصدره البلد إلى المغرب قليل جدا.
و يستورد النيجر من المغرب موادا منها معلبات السمك والقشريات والخيوط والكابلات ومنتجات كهربائية أخرى والأنابيب والمستحضرات المعدة من السكر وأجهزة قطع أو ربط الدارات الكهربائي والمقاومات والمحولات الكهربائي والزيوت النفطية والتشحيم والضمادات والعجلات والمولدات الكهربائية وغيرها. من جهته، يبيع النيجر للمغرب منتجات جاهزة للاستهلاك وآليات وأجهزة مختلفة ومعدات المنزل وبعض المواد الاستهلاكية وأعمال مصنوعة من الحديد أو الصلب (الاستهلاك) والكتب والمطبوعات المختلفة.

تشاد

يعتمد الناتج المحلي الإجمالي لتشاد، تلك الدولة مترامية الأطراف، التي تعاني من كونها تفتقد لوجود سواحل بحرية، على قطاعين مهمين، الأول الزراعة، والتي تمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وتساهم بنحو 80% من الصادرات السلعية، وتضم 80% من القوى العاملة هناك.
أما المصدر الثاني للناتج المحلي فهو النفط والغاز الطبيعي، حيث يتوفر لتشاد 1.5 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، حسب تقديرات عام 2018، ويبلغ الإنتاج اليومي 140 ألف برميل، يتم تصدير 90% منها.
وتتمثل الصادرات السلعية لتشاد في البترول الخام، والقطن الخام، والماشية الحية، واللحوم والأسماك، في حين أن وارداتها السلعية هي العتاد والآلات، والمواد الغذائية، والمنسوجات.
وتشاد، بفضل موقعها الجغرافي في وسط إفريقيا وإمكاناتها الهائلة غير المستغلة، ستنضم إلى ديناميكية التكامل هذه، خصوصا اذا أخذنا في الاعتبار مساحة الأراضي الصالحة للزراعة التي تتوفر عليها تشاد، والتي تبلغ 39 مليون هكتار، من بينها 5.6 مليون هكتار أراض مسقية (6 في المئة فقط من الأراضي الصالحة للفلاحة في البلاد تتم زراعتها). وقد تمكن الأسمدة التي تنتجها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تشاد ليس فقط بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وإنما ستجعل منها خزانا للغذاء بإفريقيا.
ومن شأن المبادرة الملكية المعلنة في مراكش أن تحقق الأمل في أن تصل شركات النقل الدولي عبر الطرقات المغربية والإفريقية ذات يوم إلى ندجامينا وأن يصل سائقو الشاحنات التشاديون محملين بالصادرات التشادية إلى المغرب، وسيكون بمقدورهم استخدام المركب المينائي الكبير والمنصة اللوجستية، قيد الإنشاء بمدينة الداخلة بالجنوب المغربي، للوصول إلى جميع الوجهات والأسواق في أوروبا.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 26/12/2023