ما بعد زلزال الحوز.. المناطق المتضررة، المغاربة، السياحة والمغرب بأعين الصحافة العالمية

لا يخفى على الكثيرين مدى الإشادة والاهتمام الذي تلقاه المغرب من العديد من بلدان العالم، خاصة بعد حملة التكافل والتضامن التي أشرف عليها الشعب المغربي، وما لحقها من دعم من لدن جلالة الملك محمد السادس بقرارات سريعة ذات بعد نظر واضح. هنا نعرج على بعض عناوين المواقع والصحف الدولية التي أشارت للمغرب ما بعد الزلزال، كما الحال لمواضيع أخرى على علاقة بهذا الموضوع.

«ذي غارديان» عن المغاربة: «طلابنا مفقودون .. لكننا سننهض من جديد!»

عندما ضرب الزلزال القوي أعماق جبال الأطلس في المغرب ليلة الجمعة من الأسبوع الماضي، كان العام الدراسي قد بدأ للتو. فجأة، وجد موظفو مؤسسة خيرية لتعليم الفتيات، الذين بقوا لوقت متأخر في العمل، أنفسهم متأثرين بقوة زلزال بلغت 6.8 درجة، حيث انهارت جدران مكاتبهم من حولهم لتتركهم في العراء والجو البارد.
وقالت «صونيا عمر»، مديرة «منظمة التعليم للجميع»المغرب – وتدعم المؤسسة الخيرية، شبكة مكونة من ستة منازل داخلية للفتيات عبر منطقة الأطلس، وتقع جميعها في القرى المحيطة بمركز الزلزال، إن :»العديد من الفتيات اللاتي نعرف أنهن على قيد الحياة على الأقل، فقدن أمهاتهن وإخوتهن وآباءهن وأفراد من أسرهن، ويبدو أن العديد من منازلهن قد دمرت بالكامل».
في إحدى الداخليات التي تضم 52 طالبا في «ثلاث نيعقوب»النائية، قامت إحدى المشرفات بتصوير أنقاض غرفة نومها وهي تقف مذعورة بين أنقاض المهجع المدمر: «علينا أن نبدأ من جديد، مرة أخرى، في بناء المبنى، لأنه مهم جدا بالنسبة لنا». تقول المنظمة إن «كل 5 من أصل 6 منازل داخلية ربما تحتاج إلى هدمها وإعادة بنائها بالكامل، إضافة إلى أن بعضها غير آمن حاليا حتى للولوج إليه».
من جهتها، تعقب «لطيفة عليزا»:“الوضع صعب الآن ؛ هناك الكثير من الضرر”، وتضيف “لم نتمكن بعد من تحديد أماكن جميع طلابنا، وخاصة أولئك الموجودين في المنطقة المحيطة بالقرية، والتي لا يزال من الصعب الوصول إليها.. غير أن منظمتنا تبذل كل ما في وسعها للوصول إليهم”. وقال عمر (أحد العاملين هناك):»إن المنظمة لا تزال تبحث عن ما يقرب من ثلث مجموعها الطلابي، الذي يبلغ عدده حوالي 250 فتاة”.

«واشنطن بوست»: «تراجع السياحة بسبب الزلزال قد يقطع شريان الحياة للقرى الجبلية في المغرب»

في أعقاب الزلزال، يخشى الكثير ممن يعتمدون على السياحة في كسب قوت يومهم على أنفسهم. قبل تفشي فيروس كورونا، كانت السياحة تمثل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، حيث زار المغرب ما يقرب من 13مليون سائح في عام 2019، وفقا ل»منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، إلا أن هذه الأرقام قد انخفضت بشكل حاد مع توقف قدوم السياح جراء «كوفيد -19»، وحتى مع توقع المغرب التعافي الكامل في عام 2023، فقد يؤدي الزلزال إلى إلغاء هذه الخطط.
وفي حين أن الأجزاء الحديثة من المدينة كانت في حالة جيدة نسبيا بعد الزلزال، إلا أن بعض المباني في المدينة القديمة تعرضت لأضرار جسيمة، إذ كتب «إريك فالت»، مدير «مكتب اليونسكو لشمال أفريقيا»ومقره الرباط، في تدوينة على موقع «إنستغرام»: “لقد تمكنت من زيارة مدينة مراكش لرؤية الأضرار التي لحقت بموقع التراث العالمي لليونسكو، وأؤكد أن أثرها أكبر بكثير مما كان متوقعا».
لكن المخاوف بشأن تأثير الزلزال على السياحة، لا تقتصر على المدينة حيث تستمر الحياة بشكل طبيعي إلى حد كبير بعد الزلزال، لكون المجتمعات الأكثر تضررا ، القرى الصغيرة في الأطلس الكبير جنوب مراكش، حيث لا تزال معظم المنازل مبنية على الطراز الأمازيغي التقليدي بالطوب الطيني – تعتمد أيضا على الدخل من السياح وغيرهم من الزوار، الذين ينجذبون إلى مناظرها الطبيعية الخلابة.
من جهته، ذكر «رشيد أوراز»، وهو باحث كبير في «معهد الشرق الأوسط»، وهو مركز أبحاث في «واشنطن»: «سيعاني قطاع السياحة في مراكش لعدة أشهر، في حين ستتطلب المناطق المحيطة سنوات من إعادة التأهيل»، معقبا: «أعتقد أنه يجب إعادة النظر في نموذج التنمية المتبع في المنطقة، لأن الاعتماد على السياحة فقط أمر غير منطقي، ويجب تنويع النشاط الاقتصادي لتجنب الركود الناجم عن انهيار قطاع السياحة أثناء الأزمات».
وقال «حكيم العنبسي»، صاحب وكالة سفر مغربية، لصحيفة «واشنطن بوست»: «إنه شعر بالزلزال يهز جدران غرفته بالفندق في وادي أوريكة، قبل أن يفر إلى مراكش. إن العديد من القرى في منطقة الأطلس الكبير البعيدة عن مركز الزلزال لم تتأثر ولن تتأثر، وسنستمر في الترحيب بالزوار في كل وقت».

«apnews» تكتب: «هلع الأطفال ما بعد الكارثة»

كان المبنى الذي كانت تعيش فيه «نعيمة آيت إبراهيم والي، في شقة من الطابق الثالث مع أطفالها الخمسة، واحدا من العديد من المباني التي دمرها الزلزال، حيث سقطت (هي التي تعمل كمنظفة منزل) وابنتها، من على الدرج عندما دمر الزلزال الطابق العلوي من المبنى، وألحق الدمار بجزء كبير من الحي الذي يعيشون فيه في بلدة «أمزميز»بالقرب من مركز الزلزال.
ومثل الأطفال في أجزاء كثيرة من العالم، كان أصغر أطفالها قد بدأ للتو عامه الدراسي. والآن، بعد أن تم نقلهم إلى حي في وسط المدينة، انتقل معهم خوفهم الذي يبدأ بدوره في نفس توقيت الهزة (حوالي الساعة 11مساء)، حيث قالت عن أطفالها الذين تتراوح أعمارهم بين 10و25عاما: «أنهم رأوا الموت بأم أعينهم»، كما تعاني إحدى بناتها الآن من كوابيس ما بعد الكارثة.

«نيويورك تايمز»: «ندعوكم لتشجيع السياحة في المغرب وزيارة مراكش ونواحيها»

لقد دمرت الكوارث بعض الوجهات السياحية الأكثر شعبية في العالم ك»تركيا» – «اليونان» – «هاواي»، والآن «المغرب» كما لقد تركت سلسلة الأحداث الكارثية العديد من السياح في حيرة حول كيفية الاستجابة لها ولتبعاتها على جولاتهم السياحية، لاسيما في المغرب..
ونصحت وزارة الخارجية البريطانية مواطنيها، الذين يخططون للسفر إلى البلاد بمراجعة مقدمي الرحلات السياحية بشأن أي اضطرابات ممكنة، في حين أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تقم بتحديث نصائح السفر الخاصة بها إلى المغرب، غير أنه من الجيد التحقق من الموقع قبل السفر إلى أي بلد عاش كارثة طبيعية. ولكن الآن، بعد أن تأكدنا من أن الضرر متمركز في المناطق الريفية وباتباع توجيهات الحكومة، فإن معظم الجولات السياحية والفنادق لم تتأثر إلى حد كبير، وفقا لجمعية الفنادق المغربية.
وقالت «زينة بن شيخ»، المديرة التنفيذية لعمليات أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «Intrepid Travel»: «هناك مناطق داخل مدينة مراكش تضررت، وبعض المعالم التاريخية مغلقة، إلا أن غالبية المدينة مفتوحة، حيث تعمل المطارات والمدارس والفنادق والمتاجر والمطاعم كالمعتاد حتى بعد صدمة الحادث».
كما حثت «حفيظة حدوبان»، وهي مرشدة مقيمة في مراكش والتي تأخذ الزوار في رحلات المشي لمسافات طويلة الزوار على القدوم، لأن خطر الزلزال قد انتهى منذ فترة طويلة والسلطات في مراكش تقوم بتطويق أي مباني تظهر عليها علامات الضرر بعناية، وقالت: « أولئك الذين اتصلوا لإلغاء رحلاتهم الاستكشافية شعروا بعدم الارتياح بشأن قضاء العطلة في بلد شهد للتو مثل هذا الدمار، وهذا أمر طبيعي، إلا أن السكان المحليين لا يشاركونهم هذا الرأي. أعتقد أنه من الأفضل أن تزور المدينة لتتأكد من أن الحياة مستمرة.. إن أراد السائح أن يدعمنا حقا فيكفيه أن يزورنا».
يتوقع معظم السكان المحليين، أن يكون السائح متقبلا ومراعيا للمزاج والجو المحيط به، حيث يقول «آنجيل إيسكيناس» (المدير المحلي لمجموعة «بارسيلوا»الفندقية): «من المقبول تماما – من طرف المغاربة – أن يواصل السائحون أنشطتهم المخطط لها، مثل القيام بجولات أو الاسترخاء أو الاستمتاع بالحياة الليلية»مضيفا « المغرب يظل وجهة نابضة بالحياة ومرحبة بالضيف. ومع ذلك، فإننا نشجع الزوار على مراعاة البيئة المحيطة بهم واحترام الظروف الخاصة للمجتمعات المحلية، ومن المهم تحقيق التوازن بين دعم الاقتصاد المحلي واحترام خصوصية المجتمع».

«ذي كونفيرسيشن»: «لماذا لا ينبغي علينا لوم المنازل التقليدية في موت سكان الحوز بعد الزلزال؟»

بعد زلزال الحوز، والآثار المترتبة عليه، ركزت معظم التغطية الإعلامية على الهندسة المعمارية التقليدية في المنطقة. قال «أنطونيو نوجاليس»، رئيس «منظمة رجال الإطفاء المتحدين بلا حدود»الإسبانية غير الحكومية ل»رويترز»إن: «فرص البقاء على قيد الحياة، تقل بشكل كبير بسبب تحول مواد البناء التقليدية إلى ركام وعدم خلق جيوب من الهواء بالطريقة التي يمكن أن تحدثها المباني المصنوعة من الفولاذ والخرسانة عندما تنهار..».
وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، قالت عالمة جيولوجيا الزلازل الأمريكية «ويندي بوهون»: إن «قاعدة هذه المباني غير مؤهلة لتحمل الهزات القوية. لذلك، من المحتمل جدا أن تنهار وتلحق أضرارا كما رأينا مسبقا». تفترض هذه الآراء أن هذه الهياكل التقليدية، ضعيفة وعرضة للضرر وغير مناسبة لمنطقة معرضة للزلازل.
في أعقاب الزلزال مباشرة، من الشائع أن يتم إلقاء اللوم على ثقافات البناء المحلية وهشاشاتها. ومع ذلك، فإن بحث «أنطونيو نوجاليس»في المباني الأرضية يظهر كيف تم تصميم هذا النوع من الهياكل في الواقع ليكون مرنا. وعليه، تنشأ نقاط الضعف عندما تتعطل أنماط نقل المعرفة والأنظمة التقليدية للإصلاح والصيانة. علاوة على ذلك، عندما يتم إدخال مواد جديدة، مثل الخرسانة والأسمنت، فيمكن أن تكون غير متوافقة وبالتالي يمكن أن تقلل من صلابة المباني ضد الزلازل.
في المغرب، يتم بناء المنازل المكونة من طابق واحد أو متعددة الطوابق من الطوب اللبن والمدكوك (حيث يتم بناء الجدران بطبقات من الطين بين مصاريع خشبية) علاوة على الحجر والخشب، حيث تضمن الخصائص الحرارية لهذه الطريقة التقليدية بقاء هذه المباني التقليدية باردة في ذروة فصل الصيف. في أماكن أخرى، لم يتم دائما إجراء الإصلاحات من الأحداث الزلزالية السابقة، لكون المعلمين (المتخصصون في هذه الحرفة) آخذون في الاختفاء تدريجيا، ما يعني أنه لا أحد يعرف كيفية القيام بذلك بشكل صحيح.
لهذا، يجب أن تكون التغطية الإخبارية للأحداث الزلزالية حساسة لثقافات البناء المحلية وشاملة لها تاريخيا ومحليا، إذ يمكن أن يؤدي هذا الضغط الإعلامي المشوه، إلى الضغط بدوره على المجتمعات المحلية للتخلي عن الأساليب التقليدية لصالح المباني الأسمنتية الحديثة. وإذا كانت هذه المباني الجديدة مبنية بشكل سيء – مع القليل من الاهتمام بالتهديدات الزلزالية – فإنها بدورها تصبح عرضة لمزيد من الضرر.


الكاتب : المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 19/09/2023