في ليلة الخميس 26 يونيو 2025، وفي لحظة سينمائية استثنائية، نظمت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب والنادي السينمائي بخريبكة فقرة «بطاقة بيضاء»، التي يمنحها لهما المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، واختارت لها هذه السنة موضوعًا بقدر ما هو فني، هو أيضًا فلسفي: «شاعرية المكان عند أندريه طاركوفسكي».
اللقاء احتضنته إقامة «بودرقة – الطرق الأربعة» في توقيت رمزي: ما بعد منتصف الليل. وكأنما السينما لا تبوح بأسرارها إلا حين يسكن الضجيج، ويصفو الذهن، وتنكشف الرؤى.
لم تكن الأمسية مجرّد موعد ثقافي عابر، بل لحظة تأمل مشترك، تواصل فيها الحلم بالذاكرة، واستُحضرت من خلالها روح الراحل نور الدين الصايل، الرئيس المؤسس للمهرجان وللجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب ، الذي أسّس لتقليد «اللقاءات ما بعد منتصف الليل» كفضاء حرّ للتفكير خارج الإطارات الجاهزة، ولفتح أسئلة السينما على أسئلة الوجود.
تأطير اللقاء جاء بإشراف نادي خريبكة السينمائي، أحد أعرق أندية الجامعة، وبتنشيط من السينيفيلي خالد بنرشيد. أما العرض التحليلي فقدّمه الدكتور سامي الناصري، الباحث المتخصص في جماليات الفضاء السينمائي، الذي سافر بالحضور في عوالم Stalker وNostalghia وThe Sacrifice، كاشفًا عن العمق الفلسفي والبصري الذي يجعل من طاركوفسكي شاعر المكان بامتياز.
لقد كان النقاش، الذي امتد حتى ساعات الفجر الأولى، مناسبة لاستحضار علاقة تاريخية بين الجامعة والمهرجان، علاقة تتجاوز التنظيم إلى الإسهام في بناء هوية ثقافية وتكوينية للمهرجان نفسه. فمنذ انطلاقه سنة 1977، كانت الجامعة وشبكة نواديها، التي تأسست قبل ذلك بأربع سنوات
( 11 مارس 1973)، حاضنة للفكر النقدي والتكوين السينمائي، ومشتلاً لأجيال من السينيفيليين والمبدعين.
هي لحظة نادرة تُختزل فيها عقود من العمل الثقافي الجماعي، وتجعل من السينما فعلًا معرفيًا وجماليًا في آن. لحظة تُعيد إلى الأذهان كيف كانت الثقافة التقدمية مشروعًا نضاليًا، وكيف أصبحت السينما، عبر أنشطة الجامعة، مدرسة للحياة.
فقرة «ما بعد منتصف الليل» لهذه الدورة التي تصادف الذكرى الفضية لأعرق مهرجان دولي بالمغرب لم تكن فقط تحية لطاركوفسكي، بل كانت أيضًا وفاءً لذاكرة نضالية، وتجديدًا لعهد الحلم، حين يُمنح للشباب حقُّ مساءلة الجمال، وصناعة الأفق.
(*) رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب