متابعة : التراث المادي واللامادي، أشكال ونماذج: موضوع يوم دراسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال

 

احتضنت قاعة الندوات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال أشغال يوم دراسيّ نظّمه ماستر دراسات التراث المادي واللامادي بشراكة مع مختبر السرد والأشكال التخييلية، حول موضوع: (التراث المادي واللامادي: نماذج وأشكال)، قُدّمت من خلاله عروضٌ حول الدراسات الميدانية التي اشتغل فيها الطلبة الباحثون على نماذج من جهة بني ملال خنيفرة مصحوبة بأشرطة مصوّرة تتبّعَت واقع هذه النماذج وأبعادها الثقافية والتاريخية والرمزية، في أفق تجسير الحقول المعرفية من أجل الوصول إلى العمق الفكري والرمزي لما تزخر به الجهة من رأسمال ثري، والسعي إلى تثمينه والتعريف به.
وقد حضر افتتاح هذا اليوم الدراسي كل من رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان، د. نبيل حمينة، وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، د. محمد العاملي، ومنسقة ماستر دراسات التراث المادي واللامادي، د. فاطمة الزهراء صالح، إلى جانب مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية، د. عبد الرحمان غانمي الذي ترأس الندوة الافتتاحية واضعا هذا اليوم الدراسي ضمن إطاره البيداغوجي والأكاديمي والعلمي، ومؤكّدا على أن موضوع هذا اليوم يستمد أهميّته من خطاب العرش 2014 الذي منح أهمية بالغة للرأسمال الرمزي؛ ومضيفا أن تاريخ الأفراد هو سيرورة التكيّف مع الأنماط الثقافية الممتدة في الميراث، وبهذا فإن ربط الجامعة بمحيطها الثقافي يضمن الاطمئنان للموروث –المادي واللامادي- بما يمنح أمنا هوياتيا وثقافيا للجميع.
ومن جهته، أعرب رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان، د. نبيل حمينة، عن حاجة الجامعة إلى هذه اللقاءات، باعتبار أنها لا تُعنى بالاستعراض التاريخي فقط، ولكنها تنفذ إلى عمق المكوّنات الثقافية وتجلياتها مما يجعل منها أساسا مهما من أسس التنمية المستدامة، يندرج في بناء الصورة الحضارية للبلاد، ونقلها للأجيال القادمة.
وفي كلمته، تناول عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، د. محمد العاملي، الاستراتيجيات التي انخرطت فيها الكلية وعددٌ من الماسترات التي تُعنى بالتاريخ والتراث والثقافة بهذه الجهة التي تضمّ إثنيات عديدة تفاعلت وأفرزت منجزا ثقافيا غنيا. كما طرح دور المؤسسة الجامعية في بلورة رؤى واضحة تتجاوز المستوى النظري الصرف بما يجعل من الباحثين منخرطين ومسؤولين عن هذا الإرث حفظا ودراسة وتعريفا.
ومن جانبها، قدّمت منسقة ماستر دراسات التراث المادي واللامادي، د. فاطمة الزهراء صالح، غايةَ وأهداف هذا اليوم الدراسي في تكوين الطلبة الباحثين على الانغماس الفعلي في البحث العلمي الميداني، مؤكّدة أن التراث لا يتم حصره في مؤلفات ومتاحف، وليس تراكما فقط، ولكنه يتمتّع بالحياة ويحقق التفاعل الحي لأنه يتّصل بهويتنا ويرتبط بحياتنا اليومية؛ وفي هذا السياق يأتي الحديث أيضا عن التراث الرقمي؛ وبالتالي فإن أعمال هذا اليوم ليست ارتباطا فقط بالجذور، ولكنها أيضا تسعى إلى النظر إلى المستقبل، وهذا الربط هو جوهر اهتمام الماستر.
وفي كلمة باسم الطلبة الباحثين، ركّزت كل من سعاد معوني ولحسن ظاهير على أن الثقافة هي ذاكرة الأمم، وأن الحديث عن التراث هو حديث عن الوعي الجماعي والمتخيل الشعبي، فرحّبا بالجميع من أجل السفر نحو المادة التراثية والمنجزات الشعبية بالجهة.
وقد تضمّن اليوم الدراسي أربع جلسات علمية قدّمها الطلبة الباحثون، فاتخذَت الجلسة الأولى محور (النسيج وأشكاله) موضوعا لها، سيّرها محمد شجال، وقرر أعمالها زهير موجان، وتناولت فيها ماريا ياسين الزربيةَ التقليدية بالأطلس المتوسط وتحديدا بأولاد امبارك، متتبّعة طقوسها ورموزها ودلالاتها. فيما قدّمت منال لمرابط مداخلتها حول الجلابة البزيوية باعتبارها علامة جمالية تراثية ماتزال صامدة، تستمدّ مقوّماتها من الثقافة الجماعية.
في حين اختار أحمد أكوجيل دراسة النسيج من خلال الممارسات وطقوس الأسلاف التي تعرف ترسبات أسطورية وطبقات ثقافية متوارثة غدَت الآن تضمحل لأسباب من ضمنها التمازج الثقافي. ثم تناول حسن بلكبير المعارف والمهارات الفنية المرتبطة بنسج زربية أبي الجعد باعتبارها رأسمالا ثقافيا ينبغي الحفاظ عليه.
الجلسة الثانية تناولت محور (المعمار وهندساته)، بتسيير من كريمة مركاني، وتقرير حميد عيا، وافتتحَتْها منال الدغوغي بدراسة حول القصبة الزيدانية، بتحصيناتها وأبراجها ومرافق إقامة الأمير زيدان، فضلا عما آلت إليه اليوم لأسباب طبيعية وبشرية. فيما تناولت آمال حليمي السقف الخشبي نموذجا لموضوع السكن التقليدي، لتخلص إلى ثراء هذا العمران على مستوى البناء والخبرات المَحلية، والتكنولوجيا المُلائمة لخصائص الأوساط القروّيّة وتنّوّعها.
كما انطلق خالد عسو من إشكالية التراث المشترك بين المستعمِر والمستعمَر، ساعيا إلى الربط بين مفهوم التراث والذاكرة والتاريخ والنسيان. واختتمت هذه الجلسة بمداخلة خالد بنعمي حول التراث المعماري لمدينة دمنات سواء من جانب الوظائف أو الأنواع (العمارة الدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية..).
وشكّل محور(التمثلات الثقافية) موضوع الجلسة الثالثة التي سيّرتها منال لمرابط وقرّرت أشغالها ماريا ياسين، فتناول خلالها لحسن ظاهير موضوع المثل في القصيدة الأمازيغية من خلال (تمديازت) التي صارت تقل مقابل الاهتمام ب (أفرّادي). فيما تتبّع زهير موجان (تالغنجا) في قبيلة «تكلفت»، متتبعا امتدادتها الأسطورية وجذورها في اللاوعي الجماعي.
بينما اختار محمد شجال ضريح سيدي بوعبيد الشرقي نموذجا لدراسة المعتقدات الشعبية وطقوس التبرّك وحل المشاكل في الأضرحة. في حين تناول الباحثان رشيدة يعوبي و الحسين والمداني من ماستر السرد والثقافة بالمغرب، موضوع الوشم بالأطلس المتوسط من خلال أشكال حضوره حسب الأجناس والأجيال، ووظائفه ودلالاته على المستوى التخاطبي.
على أن الجلسة العلمية الرابعة اتخذت (المخازن والماء والدباغة والأفران) موضوعا لها، فترأستها آمال حليمي، وقرر أشغالها خالد بنعمي، وتطرق مراد بكاري فيها إلى تراث دار الدباغ بجهة بني ملال خنيفرة، باعتباره جزء من الهوية المغربية الذي ينبغي استثماره في تنمية المنطقة، كما تناولت سعاد معوني (فرن إنّور) من مداخل سوسيولوجية وأنثروبولوجية وتاريخية لتُبرز حمولته الرمزية الخاصة.
فيما تمحورت مداخلة عصام بدري حول المظاهر التراثية المرتبطة بمنابع المياه في المجال الحضري لمدينة بني ملال، سواء على مستوى معايير تقسيم المياه أو الجهاز المصطلحي والرصيد الحكائي المحيط بها. ثم قدّم كلّ من كريمة مركاني وحميد عيا موضوع المخازن بمنطقتيْ «أيت بوكماز» و «أوجكال»، متتبّعين أدوارها وتحولاتها تبعا للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وقبل أن يُسدل الستار على أشغال هذا اليوم الدراسي، تم فتحُ مساحة نقاش وأسئلةٍ تفاعل فيها الأساتذة الحاضرون وطلبة الماسترات والدكتوراه بالكلية بشكل يؤكد انخراط الجميع في الاهتمام بقضايا التراث المادي واللامادي باعتباره مادة علمية وهوياتية في الآن نفسه.


الكاتب : الحسين والمداني

  

بتاريخ : 31/07/2021