:
أحدث تطبيق «تاندر» سنة 2012، ومنذ سنة 2013، شرع في تشغيله داخل الهواتف «الذكية» بفرنسا. تأخذ الأداة كامل معناها عبر تطبيق على الهاتف المحمول. نمط اشتغاله بالنسبة الى المبتدئين ثنائي البعد: يكون المستخدم أمام بروفايلات عديدة وإذا ما أغرته صورة يسحبها إلى الجانب الأيمن من الشاشة، أو العكس إلى الجانب الأيسر لكي يلقي بها داخل متاهات الأنترنت.
السيلفيات، أساسا، هي التي تعجل سقوطك مريع الافتتان إذا كانت صورك تفتقد لرأسمالها من الإغراء. لحظة أن يحتفظ بكم المرشح الذي ضغطه إبهامكم، فقد دخلتم غمار «ماتش/Matche» مع حيازتكم إمكانية التواصل.
هؤلاء المنافسون والمنافسات بعيدون عن أن يكونوا موضوع انتقاء بالصدفة، لأن لوغاريتم «تاندر» ينهض على مجموعة من المعايير، كالضبط الموقعي الجغرافي (GPS) القائم في الهواتف المحمولة، والصِّلات أو أوجه التقارب التي تم رصدها انطلاقا من المعلومات المدلى بها على التطبيق، أو المستمدة من بروفايلك على الفايسبوك.
يستوحي «تاندر» نمط اشتغاله من أداة المواعدة بين المثليين الجنسيين (Grinder) التي أحدثها سنة 2009 المدعو «جويل سمخي/Joel Simkhai». لقد أراد هذا النيويوركي المثلي أداة أكثر نجاعة من تلك التي بحوزته «gaydar»، بمعنى راداره الشخصي الذي يسمح له بتوقع الشخص المرشح لأن يستجيب لمساعيه. مع تطبيق (Grinder) لم تعد ثمة حاجة للافتراض، فالتطبيق يؤشر على الشخص أو الأشخاص المثليين المتوافرين في الجوار. خدمة فعالة تتيح، أحيانا، فرصا جنسية فورية. «تاندر»، إذن، هو الصيغة الخاصة بالعلاقة الجنسية الطبيعية في مقابل (Grinder)، وحتى إن ظل لا يشكلن، عميقا، الفئة المستهدفة فعلا. في فرنسا، وطبقا لدراسة أنجزها المعهد الفرنسي للرأي العام (L’ifop) سنة 2018، يقر ربع الفرنسيين بانخراطهم، فعليا، داخل موقع أو تطبيق للمواعدات العاطفية، وهي نسبة تضاعفت خلال عشر سنوات الأخيرة. وتقفز هذه الإحصائيات الى 30 في المائة لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم مابين 18 و25 سنة. يتركز كل السؤال على معرفة الكيفية التي يؤثر بمقتضاها التطبيق في لقاءاتنا. لقد أوضح صحافي أمريكي، من مجلة «فاست كومباني/Fast Company» أن «تاندر» يقدم لكل واحد من مستخدميه نقطة سرية تعكس مستوى مرغوبيته/Désirabilité. نوع من «تحصيل نقط/Elo Score»، بما هو نظام تنقيط يستخدم، في الأصل، لقياس مستوى لاعب الشطرنج. تنهض هذه النقطة التي يحتفظ بها التطبيق سرية على عدد اللايكات،الماتشات، التي حصلتموها.
في كلمة واحدة، ينقط «تاندر» مستخدميه دون علمهم مستعملا هذه البيانات لأجل إجراء تجميعات عجيبة. هل يتعين، أذن، التفكير أن المرغوب فيهم أكثر يتواجدون ضمن طبقة عليا، في حين أن الأقل من ذلك محكومون بتعشق الإقامة في العالم السفلي للوغاريتم؟. عقب إصدار هذا المقال والجدل الذي أثاره أعلن «تاندر» تخليه عن هذا الإجراء.
الصحافية الفرنسية «جوديت ديبورتاي/Judith Duportail»، والمنخرطة، أيضا، بصفة شخصية في «تاندر» انطلقت باحثة عن «حصيلة نقطها/Elo Scrore» وعن مجموع بياناتها الشخصية التي يحوزها تطبيقها المفضل، وإصرارا منها على تحصيل بياناتها، كما يسمح بذلك التشريع الأوروبي، تلقت باندهاش زهاء 800 صفحة تبلغ، بدقة، عن نشاطاتها على التطبيق منذ انخراطها سنة 2014، أين ومتى تبحر، نسبة السود أو الاسيويين الذين أبدوا إعجابهم بها، عدد الثواني التي أمضاها الأشخاص أمام صورتها قبل ان يقدموا لها «اللايكات»، مدة المحادثات التي باشرتها … منجم معلومات يتجاوز، بكثير، حدود ذاكرتها.
استنادا إلى أعمال الصحافية، يعزز «تاندر»، أيضا، «الاعتقاد في وجهة مشتركة»، بما هو مفهوم على قدر عال من الأهمية. نعلم جيدا أن العلامات والصدف تشكل، في التجارب العاطفية، جزءا أساسيا من جاذبية العلاقة وتسهم في بناء الحكاية المشتركة» يا للجنون، لقد اكشفنا أننا، ونحن صغار، كنا نقضي العطلة العائلية بنفس المكان!» غالبا على إثر هذا النوع من الاكتشافات، يتبادل العاشقان في ما بينهما النظر الى عيني بعضهما متهامسين أنهما خلقا للقاء يجمعهما. تنزع اللقاءات الرقمية إلى الإجهاز على سحر الصدف وسيظل أكثر رومانسية ذلك التصادف آن عبور الشارع، إلا إذا أخفى اللوغاريتم، متقصدا، بعض التشابهات بين مستخدمين اثنين، لكي يقوما باكتشافها بنفسيهما على مدار المحادثة والتبادل. سيبرمج لوغاريتم «تاندر»، إذن، الصدفة السعيدة! «يحدد لي «تاندر»، مستثمرا بياناتي الشخصية، من سأراه على التطبيق، ومن أستطيع لقاءه، ومن أرغب فيه ومن ألمسه وأحبه، تسلط عظيم على جسد المرأة»، كما تبوح بذلك «جوديث ديبورتاي». التطبيق الذي تم تصميمه، في الأصل، من قبل طالبين من أصل كاليفورني، أيضا يعيد إنتاج نموذج أبيسي (Modèle Patriarcal) للعلاقات الجنسية الطبيعية كما توضح، ذلك، «جيسيكا بيدو/Jessica Pidoux» مقاربة الموضوع في سياق أطروحة للدكتوراه من مدرسة البوليتيكنيك الفيدرالية بمدينة لوزان. لقد حالفها النجاح في وضع اليد على براءة اختراع المقاولة التي تحدد مفاتيح اللوغاريتم. طبقا لأبحاثها، ستكون لرجل ناضج بدخل جيد محترم حصيلة نقط تمنحه إمكانية مواعدة فتاة أكثر شبابا وذات مستوى دراسي متواضع. لكن العكس ليس صحيحا. هنا، أيضا، لا يعترف «تاندر» بالوقائع، في حين أن الباحثة لم تعمل إلا على تأويل المعطيات الموضوعية لبراءة الاختراع. المفارق مع «تاندر»، ملاحظة التباعد بين وعد الخدمة وبين الواقع الميداني. هذه الأداة التي تقترح نفسها بوصفها متقدمة ووسيلة تحرر جنسي نسوي، ترسخ في النهاية، الخطاطات المحافظة العريقة والمصطبغة بذكورية واضحة.نتوقع من الرجل الغني المسن مواعدة السيدة الشابة ذات المستوى التربوي البسيط. ليس ثمة حياد لدى اللوغاريتمات، فهي تعيد إنتاج التوجهات الاجتماعية وتبرمج، في غالبيتها العظمى، من طرف الرجال.
بالفعل، النساء أقلية قليلة في عالم التقنية (مادون 20 بالمائة من العاملين).
تلخيصا لما سبق، يمتح «تاندر» موارده من بيع البيانات الشخصية المستخلصة، مجانا، بفضل مستخدم منتش بجزعة الدوبامين (سحر اللايكات). لا يحرم التطبيق نفسه من تسجيل البيانات دون موافقة أصحابها ومن تصنيف زبنائه، خفية، لأجل أن يقرر من له الحق في أن يواعد من. يعدنا «تاندر» بمواعدات لانهائية، والحال أنه يصفي، على نحو محموم، أفقنا الخاضع للوغاريتميته. بالطبع يمكن للعازب اليقظ أن يعثر على عروض كي يستخلص الأفضل من «تاندر»، لكن، هل يتعين، أيضا، أن ينتبه، حذرا، إزاء آثاره العكسية. ككل «ولاعة» يتعين أن يتوقف هذا المنتوج عند حدود وظيفة لإحداث الشرارة، وإذا انتظرنا منه أن يبقي الشعلة ملتهبة، فقد يخاطر إذن، بالاحتراق داخل رماده الخاص. «تاندر» 2020 أكثر قوة من «ميتيك» 2004، لكن ثمة حقيقة تظل قائمة: نعهد إلى مقاولة خاصة بمسؤولية حياتنا الجنسية والعاطفية، فيعوض سحر الوغاريتمات صدفة اللقاء.