أسوأ ما يخشاه «بيل كيتس/bill gates» كما أسر، بذلك، إلى البرنامج الوثائقي الذي خصته به منصة «نيتفليكس/netflix»أن يتـوقـف دماغه عن العمل. لربما كان لإحدى المقاولات حل بالنسبة إلى هذا الملياردير، وكذا بالنسبة إلى كل الأشخاص الذين يبحثون عن إمكانية إنقاذ أدمغتهم! قبل كل شيء أن يوصل المرء هاتفه الذكي بحاسوبه لكي ينقل بیاناته وصوره وفيديوهاته ورسائله، فذاك إجراء عادي داخل مجتمعنا المرقـمن.
هل نستطيع، يوما، أن نفعل الشيء نفسه بدماغنا لكي نفرغ الذكريات داخل جهاز رقمي لم يتحدد بعد؟ يظل السؤال مطروحا. غير أن نيكتوم / Nectome “ المقاولة الكاليفورنية، تعتقد في ذلك أكثر من أي وقت مضى. تأسست هذه المقاولة من قبل مهندسين سابقین لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا / MIT استفادا من دعم فيـدرالي يقارب حوالي مليون دولار. مع ذلك، لكي نحـاول أن نجعل ذكرياتنا خالدة فثمة شرط أولي حاد، كفاية بتعيـن استيفاؤه: ينبغي لمقاولة ان تباشر موتانا! حقن سائل تحنيط داخل شرايين المرشحين يتيح موتهم في ما يشبه إجراء انتحاريا تحت إشراف طبي. ولئن كانت تصاحبنا “نيكتوم / Nectome “في هذا السفر الجنائزي، فلكي نحتفظ بدماغنا في أفـضل الظروف، يتعين، لـزاما،تحنيط الدماغ كيماويا فور الوفاة تماما، وإلا فالخلايا الدماغية ونقط اشتباكها العصبي تغدو عرضة للتـلف السريع.تقنية الفحص هاته تسمح للمقاولة بتخزين الأدمغة داخل مستوى حرارة ناقص 122 درجة مائوية تأمينا لصيانة مضمونة لمـئات السنيـن، أي الوقت الكافي لان نعثر لها على أفضل مكان لاستضافتها.لطمأنة زبناء المستقبل، أجرى المهندسان، صحبة أخصائي الجراحة العصبية، أول الاختبارات الحاسمة على أرنب وخنزير.
بعد فحص دماغ الثديي اتضح أن خلايا الحيوان الدماغية، وكذا نقاط اشـتبـاكها العصبي، مازالت تواصل نشاطها! للدماغ، إذن، نوع من الاستقلالية بعد الموت الكلينيكي للكائن الحي.
خلال شهر فبراير من سنة 2018،ذهبت «نيكتوم» إلى أبعد من ذلك مرورا إلى دماغ بشري انتزع من سيدة، ساعتين، بعد موتها. كان دماغها، وفقا ل»روبير مكانتير/robert mcintyre» الشريك في تأسيس «نيكتوم»،»واحدا من أفضل الأدمغة صيانة في العالم». علماء عديدون بشراسة ينتقدون هذه التلاعبات كـ»مايكل هاندركس/michaelhendricks» الأستاذ الجامعي بجامعة «McGill de Montréal»، والذي يذكر بألا وجود لأي دليل على استمرار الذاكرة في الأنسجة بعد الوفاة،وحتى إذا كان ممكنا استرجاع المعلومات،أفتتعين القدرة على نقلها إلى جهة ما.
ثمة إشكالات عديدة مطروحة للمعالجة، لكن»نيكتوم تقسم أنها تمكنت من تقديم إثباتها الحاسم خلال سنة 2004. كانت المقاولة الناشئة قد أحصت،بالفعل،عشرات المرشحين المحتملين الذين دفعوا عربونا بعشرة آلاف دولار ككفالة لها.
تستهدف الخدمة أساسا، المرضى ضحايا الحالات التي يتعذر علاجها،أو الميؤوس شفاؤها. «سوق ضخمة» يسيل لهل لعاب «روبير مكانتير/robert mcintyr» الذي كان عليه أن يرحب بارتفاع متوسط العمر المتوقع.
إن ما كان يعود،حتى عهد قريب، إلى محكيات الخيال العلمي،هـاهو يجري، من الآن وصاعدا، تحت أعيننا. بالمناسبة، الـدراسة التي نشرتها مجلة»Science “،والتي تعود إلى شهر أكتوبر من سنة 2019، على قدر قوي من الشبه غريب بسناريو فيلم “inception» الفيلم الروائي الطويل لكريستوفر نولان صحبة لیونادو ديكابريو/ Christopher Nolan avec Leonardo Dicaprio وموضوعته، زرع ذكريات زائفة داخل الدماغ.
لقد أجرى باحثون من جامعة تكساس اختبارات على طائر اليوسفي، نوع من الطيور يتعلم الغناء عبر الاستماع، بانتباه إلى غناء الطائر الأب. تعلم عبر المحاكاة كما هو لدى الإنسان. نجح العلماء في تجاوز مرحلة التعلم هاته،من خلال زرع مباشر لنوتات الأغنية داخل دماغ العصفور، تشفير بات ممكنا بفضل نبضات ضوئية تحفر دائرة من الخلايا العصبية الخاصة، أي ما يتصل،تحديدا، بعلم الجينات الضوئية. كلما كانت الخلايا العصبية نشطة بتلقيها الضوء، كلما كانت النوتة طويلة، والعكس صحيح. بهذه الكيفية توفقت طيور اليوسفي في أن تصدح بأغنية لم يسبق لها أن سمعتها ولا أن تعلمتها من قبل.
اكتشاف علمي هام، تتجاوب أصداؤه وتجربة أخرى قادها، دائما، باحثون أمريكيون، من جامعة كاليفورنيا، حـول الحلزون. نجح فريق الباحثين في نقل ذكريات حلزون بحري إلى آخر.تم وضع مجموعة من الحلزون تحت صدمات كهربائية وبعد مرور 24 ساعة، بدا واضحا أن المجموعة طورت رد فعل دفاعي خاص، ثم بعد ذلك،قام العلماء بحقن الحلزون السليم الذي ورث نفس رد الفعل الدفاعي بجزيء عضوي مأخوذ من الحلزون الذي خضع للصدمة الكهربائية.
تجربتان تثبتان ما ينجزه العلم من خطوات مذهلة على درب تشفير الذكريات.
حسب «ميكاييل كرازيانو/michaelgraziano»، أستاذ علم النفس في معهد العلوم العصبية بجامعة «Prirceton» ، يبدو «تحميل/Téléchargement» الدماغ لا مفر منه، ليس ثمة قوانين فيزيائية تحول دون ذلك. يتخيل الباحث مستقبلا بعيدا، حيث بمقدور الكائنات البشرية (وليس فقط أولئك المحكوم عليهم بالمرض) نقل أدمغتهم منشئين صورة رقمية رمزية (Avatar) تنمو، مستقلة، داخل عالم افتراضي.يتصور “كرازيانو” مستقبل البشرية على شكل حرف y” “ الذي يشبـه الشجرة، بعد أرضية مشتركة مكتسبة منذ الولادة (يمثلها ساق الحرف)، وما أن يخضع دماغ الفرد للمسوحات الضوئية اللازمة (scanné)، حتى يتضاعـف (أي الفرد) طبقا لصيغتين اثنتـين: صيغة بيولوجية فانية (أمرا محتوما يمثلها الفرع الأول من الشجرة الحرف)، وصيغة رقمية غير فانية (يمثلها الفرع الاخر).
لا تبعد، كثيرا، نظرية «كرازيانو» عن كتابات أفلاطون في محاورة فيـدون/ phedonle “ الذي يحكي موت سقراط. يفرح الفيلسوف بمجيئ الموت،لأنه يكرس الانفصال بين الروح والجسد، حـتى إنه يصفه كما لو كان تحريرا. في مجتمع اللا تلامس تصمد الروح أمام الموت البيـولوجي للجسد، عبر الوجود لذاتها داخل عالم افتراضي. السماوات، الملجأ التقليدي للروح تستـبدل، هنا، بغيوم البيانات الرقمية.
“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -28- نقل الدماغ وتشـفير الذكريات
الكاتب : محمد الشنقيطي و عبد الإله الهادفي
بتاريخ : 15/04/2024