مجلس المنافسة يعدد أعطاب سوق الكتاب المدرسي

أربع مجموعات للناشرين تتحكم فـي أزيـد مـن 53 فـي المائة مـن السـوق
سـوق مغلقة أفضت إلى خلق وضعيات ريع حقيقية اكتسبها نفس الناشرين المعتمدين منذ عشرين سنة

 

 

في رأي له حول سير المنافسة في سوق الكتاب المدرسـي، أكد مجلس المنافسة أن النموذج الاقتصادي الذي تقـوم عـليـه ســوق الكتاب المدرسي، أضحى يأتي بنتائج عكسية، حيث يرتكز علـى العرض والطلب المدعومين علـى نـحـو مصطنـع مـن الأموال العمومية وشبه العمومية، ولا يتماشـى مطلقا مع الواقع الاقتصادي للسـوق.
وكشف مجلس المنافسة أن إنتاجا ضخما من الكتب المدرسية يتراوح ما بين 25 و30 مليون نسخة من الكراسات مبرمجة ومصممة «لاستخدامها لمرة واحدة» فقط، أي مـا يعـادل استهلاكا يصـل إلـى 3 أو 4 كـتـب فـي المتوسـط لـكل تلميـذ وفـي كل سنة، متسببا فـي إهـدار هـائـل للموارد والمواد والطاقة لبلادنا، كما يطغى على هذا الإنتاج الكراسـة الورقية المطبوعة التي تحتل مكانة جوهرية في مسار التعلم بالمدارس العمومية المغربية، ولا تزال تحتفظ بخصوصيتها ككراسـة وحيدة غيـر مشـمولة بـالأدوات المساعدة على غرار الأقراص المضغوطة وأجهزة النواقل التسلسلية العامة (USB) وغيرهـا . فـي الواقع، يقول، لا توجد كراسة مدرسية فـي سـوق مجهزة بدعامة رقمية تكميلية، خلافا لبلدان أخرى حيث تُرفق مجموعة من الوسائط الرقمية بالكراسة.
وشدد المجلس على النسبة العاليـة مـن تـركيـز السـوق فـي سـوق الكتاب المدرسي، بالرغم من التعـدد الواضـح لـدور النشـر، مع تركيز جغرافـي عالـي فـي مـدينـة الدارالبيضاء ثـم فـي مدينة الرباط ومـن الناحية الفعلية، تتحكـم مجموعات الناشرين الأربع الأولـى فـي أزيـد مـن 53 فـي المائة مـن سـوق الكتاب المدرسي. وإذا أضيفت المجموعة الخامسة، ترتفـع هـذه الحصـة إلـى 63 فـي المائة.
وكشف الرأي أن سـوق الكتاب المدرسي تعد مغلقة تماما فـي مرحلتها القبلية، تفضي إلى خلق وضعيات ريع حقيقية اكتسبها نفس الناشرين المعتمدين منذ عشرين سنة. وظلت حصصهـم السـوقية ثابتة تقريبـا طيلة هـذه الفترة، كما يتخذ فتـح سـوق الكتاب المدرسـي فـي وجـه المنافسة طابعا مقتطعا، حيث احتفظت الإدارة بصلاحيـة تحديد شروط الدخول إليهـا عبـر تحديـد شـروط دفاتـر التحملات المشكلة لطلبـات الـعـروض وتحديد أسعار الكتب المدرسية الذي ظل ثابتا لأزيـد مـن عشـرين سنة.
وأكد المجلس أن الانفتاح الجزئي لسـوق الكتاب المدرسـي فـي مرحلتهـا القبلية حول الكتاب المدرسي، مـن الناحيـة الواقعية، مـن أداة بيداغوجيـة إلـى منتوج تجـاري أساسا، مشكلا بالتالي المصدر الأول للدخل للناشرين والكتبيين. وبالتالي، يأتي أزيـد مـن نـصـف رقم المعاملات الإجمالي لسوق النشر، المقدر بـ 800 مليون درهم، مـن سـوق الكتاب المدرسي (400 مليون درهم)، مسجلا تفاقم الاعتماد القـوي على دور نشـر الكتاب المدرسي مؤخرا من جانب العرض بدعم منحته الدولة بغلاف مالي قدره 101 مليون درهـم مـن أجـل تحمل الزيادة في أسعار بيع الكتب المدرسية بنسبة 25 فـي المائة فقط، الممنوحة للناشرين للاستجابة لمطلبهم بالزيادة فـي الأسعار على إثر ارتفاع تكاليف المـواد الخام الخاصة بهم، كما يتضـح مـن خـلال سـعـر الـورق الذي عرف ارتفاعا بأكثـر مـن 103 فـي المائة.
وسجل مجلس المنافسة الاعتماد القـوي كذلك على مستوى الطلب على الكتاب المدرسي المدعـم علـى نـطـاق واسـع بواسطة الأموال العمومية وشبه العمومية والمعبأة فـي إطار عملية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المسماة «مليون محفظة»، كما تم تخصيص غلاف مالي قدره 370 مليـون درهـم مـن أصـل ميزانية إجمالية تبلغ 550,5 مليون درهـم، برسم الموسم الدراسي 2022-2023، لاقتناء الكتب المدرسية، كما أنجـز التطـور الكـمـي لسـوق الكتاب المدرسـي علـى حسـاب جـودة شكله ومحتواه، جاعلا منـه منتوجا تجاريا بسيطا حيث تفـوق اعتبارات تكلفة الإنتاج بكثير الاعتبارات المتعلقة بالمحتوى. وهكذا، لا تتجاوز حقوق المؤلف التـي تكافئ الإنتاج الفكري لمحتـوى هـذه الكتـب سـوى 8 فـي المائة مـن سعر الكتاب المدرسي.
وخلص مجلس المنافسة إلى أنه لم يتم مراجعة أسعار الكتب المدرسية التي تحددها الدولة منذ الفترة الممتدة من 2002 إلى 2008، حيـث لـم يـتـم التقيد بالمسطرة القانونية والتنظيمية لتحديد أسعارهـا فـي جـل الحـالات، إذ حـددت أسعار 9 مـن أصـل 381 كتابـا فقـط تبعـا للـرأي الإيجابي للجنة الأسعار المشتركة بين الوزارات، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية. وعمـدت الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية إلى تحديد أسعار الكتـب المتبقية البالغ عددهـا 372 كتابا، بصفة مباشرة، تبعا لطلبـات الـعـروض الـتـي أطلقتهـا ودون المرور عبـر اللجنة المذكورة، كما تم الإبقاء على أسعار الكتب المدرسية منخفضة بشكل مصطنع وعلى حساب جودتها «المادية» ومحتوياتها، كما يتضـح مـن الجـودة الرديئـة للـورق بـوزن يقلص بشكل متزايد متسببا فـي زيـادة تحمـل تكاليف الصفحات ورسوم توضيحية لا ترقى إلى المعايير، وغيرهـا، كما أضحت الكتب المدرسية أقل جاذبية بالنسبة للتلاميذ، بـل بـات بعضهم يشمئز منها، مما يحرمهم بالتالي من التعلمات الأساسية التي يفترض أن توفرهـا هـذه الكتب.
وشدد المجلس على أن تعدد وتنوع الكتاب المدرسي لم يحقق الأهداف المنشودة، سـواء مـن حيـث تطوير صناعة نشـر وطنيـة فعالة، أو تجويد الكتاب المدرسـي علـى مسـتوى الشكل والمحتـوى مـعـا.
وأوصى المجلس بضـرورة إجـراء مراجعة جذرية للنمـوذج الاقتصادي الذي يقـوم عـليـه سـوق الكتاب المدرسـي مـن خـلال إدماجـه كعنصـر مـحـوري فـي السياسات العمومية لإصلاح التعليم، ويجـب أن تتـم هـذه المراجعة استنادا لمنطق اقتصـادي يحفـز الإبداع والابتكار، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والمجتمعيـة للبـلاد، وضـرورة إجـراء مراجعـة معمقـة لـلأدوار والمهام المنوطـة بالـوزارة المكلفة بالتربية الوطنية ذات الصلة بالكتاب المدرسي، ويجب أن يندرج هذا الإصلاح كذلك ضمن السياسات العمومية ذات الصلة بالتعليم.
وانطلاقـا مـن التجـارب الدولية الناجحة، لا سيما فـي بلـدان جنـوب شـرق آسيا، يجـب اعتبـار الكتـاب المدرسي بمثابة قضية مصلحة وطنية تحتم على الدولة والقطاع الخاص والباحثين الأكاديميين المشاركة الكاملـة فـي إعـداده.
ودعا المجلس إلى ضـرورة تفعيـل إطار قانوني وتنظيمي جديد يمد الجهات الفاعلة المعنية برؤية ومقروئية. في الواقع، إذ كشفت التجربة أن التقنين الإداري الحالي لسوق الكتاب المدرسي لا يوفر الأمن القانوني ولا حتى الرؤية لصالح الفاعلين الصناعيين الراغبين فـي الاستثمار فـي سـوق النشـر بصفة عامة، والكتاب المدرسـي بصفة خاصة، مع ضـرورة تحميل الأساتذة مسؤولية اختيـار كـتـب مدرسية أخـرى مـن غيـر الـكـتـب «الرسمية». ويعتبـر هـؤلاء الأكثر تؤهـلا لتحديد حاجيـات تلاميذهـم مـن الكتـب الموازيـة وكتـب التعليم الخصوصـي وكتـب الانفتاح الأخـرى، عـن طـريـق مجالس تعليـم يعـاد تشكيلها وإحياؤهـا.
ومـن تم، يتعين توجيه دور النشر تدريجيا لإدماج هذا المستجد فـي عـروض الكتاب المدرسي المقدمـة مـن لدنهم، والتي يجب أن تتناسب مع الحاجيات المحددة.
غيـر أن المجلس يرى أنه يجـب مواكبـة مسؤولية الأساتذة مقدما بسياسة عمومية لضمان التقائية المقاربات الديداكتيكية للناشـريـن فـي إطـار «رؤية» بيداغوجيـة مشتركة تتأسس على تنميـة الحـوار ومـد الجسور التي تجمعهم بمصالح الدولة.
كما أوصى بضـرورة مراجعـة آليـات تخصيص الموارد المالية العموميـة وشـبه العمومية الموجهـة للكتاب المدرسـي وإعادة توجيههـا بصـورة ملحوظة. وتحقيقا لذلك، يمكن أن يشكل تفعيـل الـورش الملكي المتعلق بتعميـم الحماية الاجتماعيـة وإرسـاء السـجل الاجتماعـي الموحـد فرصـة لسـن إعانة ماليـة مسـتهدفة وموجهـة للكتاب المدرسي بالموازاة مع مسار إعادة إحياء المنافسـة فـي هـذه السـوق، مع ضرورة وضع برنامج للحـد مـن ومكافحـة هـدر الموارد النادرة المخصصة لإنتاج الكتاب المدرسي، وذلك بمناسبة إعادة حصـر إنتاج الكراسات المدرسية من اختصاص الدولة، والتي يجب التقليـص مـن عـددهـا لتتناسب مع الحاجيات الفعلية للتلاميذ، وفـي السياق ذاته، يقترح إرساء سياسة حازمة لإعادة استعمال الكتب المدرسية، والتي يجب أن تكون مدة صلاحيتها متعددة السنوات وتمتد لسنتين دراسيتين أو أكثر. فـي هـذا الصدد، يمكن توجيه تحفيزات للأساتذة قصـد اختيار الكتـب التـي لا تتضمـن صـفـحـات فارغـة مخصصة للتمارين، وتجعلهـا غيـر قابلـة لإعادة الاستعمال للسنوات اللاحقة، بالإضافة إلى بلـورة سياسـة عموميـة تـروم تحديث الكتاب المدرسـي عبـر تأهيلـه باستمرار لمسايرة عالـم التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصـل، والتـي يـجـب أن يحتـل فيهـا الكتـاب الإلكترونـي مكـانـة بـارزة.
فـي هـذا الصدد، يوصـى بـأن تضـع الـوزارة المكلفة بالتربية الوطنية البنيات اللازمة لتصميـم هـذا الكتاب وتسويقه، وتطوير آليـات الحـوار والشراكة مع كافة الجهات الفاعلـة فـي منظومة الكتاب المدرسي.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 03/10/2023