تسعى هذه المقالات التي ستنشر في عمود فسحة رمضان إلى التعريف ببعض رجالات الجنوب المغربي ممن لقبوا بالزعماء المحلين بحكم ادوارهم الطلائعية التي مارسوها إلى جانب المخزن بشكل مساند او مناوئ أو بطريقة تحكمها الحيطة والحذر البليغين، وقبل التطرق إلى سيرة ومناقب هؤلاء لابد من وضع القارئ في سياق سيمكنه من تتبع واستيعاب هذه الحلقات اليومية لهذا اقترح في الحلقات الأولى مايلي:
وفي إطار علاقة الشيخ بالمخزن سوف يتضح أن الرجل لعب لعبته خلف الستار وقد نمى مركزه السياسي على ساعد صهره علي بن عبد الله الإلغي صاحب المدرسة الإلغية ، فكنا نلاحظ أن نمو المركز السياسي لهذا الأخير كان دائما توازيه قوة الشيخ الدرقاوي وستتضح هذه الرؤية أكثر خلال فترة القائد سعيد الكيلولي، كما أن الشيخ سينكشف أمره خلال فترة القائد انفلس الذي سيحاول تطبيق مقتضيات النظام الضريبي العزيزي الجديد لكن هذا الإجراء واجهه رفض الشيخ له وبالتالي ستبين تورط الشيخ في السياسي على حساب الروحي بعد وفاة الشيخ. كما سنرى كيف ان انتقال مشيخة الزاوية الدرقاوية الإلغية إلى الإبن محمد الخليفة ابتداء من 1910 وهي السنة التي صادفت وفاة الشيخ الوالد. خلال هذه الفترة سينقض الخلف وصية السلف وسيكون هم الخليفة هو البحث عن السبل الكفيلة لفسخ العقدة الكلاسيكية التي ربطت قبيلة أيت عبد الله أسعيد بمجاط، حيث كانت هذه الأخيرة حامية للقبيلة المرابطة الثانية. وقد نال هذا المبتغى بعد تعيينه قائدا بعد أخضاع سلطات الإستعمار الفرنسي لسوس سنة1933.هكذا يصح لنا أن نقول بأن القبيلة احتمت من جديد بسلطات الحماية من أجل تحقيق المبتغى المنشود للابن محمد الخليفة ، وفي هذا الوقت فقدت الزاوية مكانتها الروحية التي ظل الشيخ الوالد، الحاج علي الدرقاوي معتكفا على ترسيخها في الجنوب المغربي نتيجة كثرة ترحاله و سياحاته التي كانت لها مقاصد وغايات. نجدد حسرتنا من جديد على الحصار الذي يفرضه ورثة محمد المختار السوسي، مؤرخ الطريقة الدرقاوية بالجنوب المغربي، على إرث جدهم الشيخ والذي حال دون أن نخصص له و لابنه محمد الخليفة ما يستحقان، هكذا سيكون المبحث الخاص بالخليفة عبارة عن مقدمة أولية ستمكننا لمعرفة جديد العلاقة، بين ما تبقى من الزاوية الدرقاوية والمخزن الجديد وسلطات الإستعمار في مرحلة ثانية.
المبحث الرابع: حتى يشمل بحثنا جميع الزعامات المحلية المنتميىة لاحدى الطرق الصوفية ارتأينا أن نخصص هذا المبحث لشخصية الحاج الحسين الإفراني الذي شكل قطب الطريقة التجانية بسوس على وجه التخصيص والجنوب المغربي بشكل عام . نحاول في هذا المبحث والذي يمثل مقدمة أولية حول شيخ استطاع أن يلعب أدوارا طلائعية في الجنوب المغربي وبخاصة في سوس مع العلم أنه استطاع ذلك دون أن يكون ممثلا رسميا للمخزن، فقد سطع نجمه في الوقت الذي حماه المخزن من بطش ساكنة مسقط رأسه بقبيلتة «تانكرت» بالأطلس الصغير، والتي كادت أن تفتك به وبعائلته على اعتبار أنه ساند حملة القائد سعيد الكيلولي الذي نهبهم حسب زعمهم. ومن جهة ثانية تحول الحاج الحسين الافراني إلى وسيط بين المخزن المحلي (القواد) والمركزي (السلطان وحاشيته) خصوصا بعد نجاحه في تمثيل المشروع الحفيظي في الجنوب الغربي إذ يعود له الفضل في رص الصفوف ضد المولى عبد العزيز السلطان المخلوع، ومبايعة المولى عبد الحفيظ. أهمية هذا الزعيم المحلي تكمن في كونه لعب دور كبير في جمع المؤونة داخل مجال سوس لمواجهة الجيلالي الزرهوني المدعو «ببوحمارة»، كما أن وكثائق دار إيليغ تثبت ان هذا الزعيم نجح على حد كبير في خطة العدالة والافتاء والقضاء.
Michel.(N), Economie de subistances , le Maroc précolonial , Institut francais d’archéologie oriental, Le Caire, 1997, p, 14.
نقلا عن حنداين محمد، م.س، ص:35.
Montagne)R(, Les berbères et le Makhzen dans le sud du Maroc, essai sur la transformation politique des Berbères sédentaires groupe cheluh , éd. Alcan Paris 1930.
حمودي عبد لله، الشيخ والمريد : النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر،الطبعة الثالثة، 2003، ص: 111.