أشاد مجلس الأمن الدولي، أول أمس الثلاثاء، بـ«الزخم الجديد» المنبثق عن اجتماعي المائدة المستديرة حول قضية الصحراء، اللذين عقدا في دجنبر ومارس الماضيين في جنيف بمبادرة من المبعوث الشخصي للأمين العام، منوها بـ «التزام» المغرب بالانخراط «بشكل جاد» في المسار السياسي الأممي.
وأشادت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة في القرار 2468 الذي اعتمد الثلاثاء بأغلبية واسعة، «بالزخم الجديد الذي انبثق عن المائدة المستديرة الأولى التي انعقدت يومي 5 و6 دجنبر 2018، والمائدة المستديرة الثانية التي انعقدت في 21 و22 مارس 2019، وكذا بالتزام المغرب و«البوليساريو» والجزائر وموريتانيا بالانخراط في العملية السياسية للأمم المتحدة بشأن الصحراء، وذلك بكيفية جادة ومحترمة من أجل إيجاد عناصر التقارب».
كما أعرب المجلس في نص القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة عن «دعمه الكامل للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي للحفاظ على المسار المتجدد للمفاوضات بهدف التوصل إلى حل لقضية الصحراء.»
ويشير النص، أيضا، إلى اعتزام المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، هورست كوهلر، دعوة المغرب والجزائر وموريتانيا و«البوليساريو» إلى اجتماع جديد «بنفس الكيفية» التي عقد به اجتماعا المائدة المستديرة السابقين في جنيف.
ونوه مجلس الأمن بشكل خاص بالتزام المغرب «بمواصلة الانخراط طوال هذا المسلسل، بروح الواقعية والتوافق، من أجل ضمان نجاحه».
ودعا في هذا الصدد إلى التحلي بالإرادة السياسية والعمل في بيئة مواتية للحوار من أجل المضي قدما في المفاوضات ونجاحها وضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة منذ سنة 2007.
ومدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الثلاثاء، مهمة بعثة «المينورسو» لستة أشهر، وذلك إلى غاية 31 أكتوبر 2019.
وجاء في نص قرار مجلس الأمن رقم 2468، الذي تم اعتماده بأغلبية واسعة، أن المجلس «قرر تمديد مهمة المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2019». وتضم البعثة الأممية 300 عضو وتكلف نحو 50 مليون دولار في العام.
وكرست الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة، مرة أخرى، أولوية مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في 11 أبريل 2007، منوهة بالجهود «الجدية وذات المصداقية التي يبذلها المغرب للمضي قدما في المسلسل الرامي إلى إيجاد تسوية» للنزاع حول الصحراء.
كما رسخ القرار دور الجزائر كطرف رئيسي في المسار الرامي إلى إيجاد «حل سياسي، واقعي، عملي ودائم» و«قائم على التوافق» لقضية الصحراء.
وأقر مجلس الأمن في هذا الإطار بأن «التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد، وتعزيز التعاون بين البلدان الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، سيسهم في تحقيق الاستقرار والأمن، وسيمكن أيضا من إحداث مناصب الشغل والنمو والفرص لسائر شعوب منطقة الساحل».
وجدد القرار التأكيد، أيضا، على ضرورة «تحلي الأطراف بالواقعية وروح التوافق للمضي قدما في المفاوضات».
كما أشاد مجلس الأمن الدولي بدور اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في الداخلة والعيون، وكذا بتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مثمنا، في قراره رقم 2468، «التدابير والمبادرات التي اتخذها المغرب، والدور الذي تضطلع به لجنتا المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالداخلة والعيون، وبتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة».
وحول معاناة ساكنة مخيمات تندوف أعرب القرار الأممي الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية عن «قلقه العميق» إزاء «المعاناة المستمرة» لساكنة مخيمات تندوف، في الجزائر، و«اعتمادها على المساعدات الإنسانية الخارجية».
مجددا، في هذا الصدد، تأكيد مطالبة مجلس الأمن بتسجيل وإحصاء ساكنة المخيمات، وضرورة «بذل جهود بهذا الخصوص».
كما أكدت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة على أهمية الالتزام بمواصلة مسلسل المفاوضات حول الصحراء المغربية تحت رعاية الأمم المتحدة. وذكر قرار مجلس الأمن أن هذه المفاوضات ينبغي أن تتم «تحت رعاية الأمين العام، دون شروط مسبقة وبحسن نية، مع مراعاة الجهود التي بذلت منذ سنة 2006 والتطورات التي حدثت منذئذ، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الأطراف». فبعد توقف استمر 6 سنوات، عادت المفاوضات بسويسرا في دجنبر بين الأطراف الأربعة برعاية الأمم المتحدة، وجرت بأجواء من المودة رحب بها الجميع.ولم يحدد موعد بعد لجولة ثالثة منها.
هذا ورغم معارضة بعض حلفائها الأوروبيين جدد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء لستة أشهر مهمة السلام في الصحراء، وهي مدة قصيرة فرضتها الولايات المتحدة حيث أيدت القرار 13 دولة، مع امتناع روسيا وجنوب إفريقيا.
ومنذ عام، فرضت واشنطن مرتين تجديد المينورسو «بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء» لستة أشهر، معتبرة أن التجديد القصير الأمد يزيد الضغوط على أطراف الأزمة «المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا» للتوصل إلى حل.
وفي موقف أيده آخرون في مجلس الأمن، رأت فرنسا في أكتوبر لدى التجديد الأخير للبعثة أن «تقليص المدة فكرة جيدة لكن بأثر سيء، وبدون تأثير فعلي على العملية السياسية، هناك شكوك بأنها في المقابل ستضعف النظام الأممي».
وفي تقريره الأخير، طالب الأمين العام للأمم المتحدة الأطراف المعنية بالقيام ب»مبادرات» من أجل التقدم نحو الحل ولكن هذه الملاحظة لا ترد في نص قرار الثلاثاء.
وبحسب دبلوماسيين، فقد حاولت جنوب إفريقيا التي تدعم الجبهة الانفصالية خلال مناقشة القرار فرض استخدام لغة أكثر وضوحا للدفع نحو حل، لكن الولايات المتحدة معدة القرار رفضت ذلك.
وأعرب القرار، في الفقرة الثالثة، عن «الدعم الكامل» من قبل مجلس الأمن للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل «الحفاظ على مسلسل المفاوضات المتجدد من أجل التوصل إلى حل لقضية الصحراء».
ومدد القرار، الذي جدد التأكيد مرة أخرى، على أولوية المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ولاية بعثة المينورسو لستة أشهر، وذلك إلى غاية 31 أكتوبر 2019.
الأهمية «الخاصة»
التي يكتسيها
القرار رقم 2468
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، أن القرار رقم 2468 حول الصحراء، يكتسي أهمية خاصة، مشيرا إلى أنه ينم عن تطور نوعي، ويتضمن عناصر بنيوية بالنسبة للمسلسل السياسي ويوضح معايير الحل النهائي لهذا النزاع الإقليمي.
وأوضح بوريطة في تصريح للصحافة، أن مجلس الأمن حدد بالإسم أطراف النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، مبرزا أنه، وللمرة الأولى منذ سنة 1975، يشير مجلس الأمن إلى الجزائر خمس مرات في هذا القرار.
وأبرز أنه “من هذا المنطلق، فإن مجلس الأمن يعترف بأن انخراطا قويا، مستمرا وبناء للجزائر يعد أمرا ضروريا من أجل وضع حد لهذا النزاع الإقليمي الذي عمر طويلا”.
وأضاف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي أن مجلس الأمن أكد بوضوح معالم الحل، مسجلا أنه يتعين أن يكون، حسب الفقرة الثانية من نص القرار 2468، “سياسيا، واقعيا، براغماتيا ومستداما، قائما على التوافق”.
ومن المهم- يضيف بوريطة- الإشارة إلى أن المعايير التي تمت إثارتها من طرف مجلس الأمن تتفق بشكل كبير مع الموقف المغربي. وهكذا، تمت الإشارة في القرار لمصطلح “توافق” خمس مرات على الأقل، في حين، تمت الإشارة إلى مفهوم “الواقعية” ما لا يقل عن أربع مرات، بينما تم في المقابل، تجاهل مرجعيات تتبناها الأطراف الأخرى (“حق تقرير المصير” الذي ذكر مرة واحدة)، أو بالأحرى استبعادها (الغياب التام لأي إحالة على “الاستفتاء”).
وأكد الوزير أن مجلس الأمن يكون بذلك قد رفض، بأشد الأشكال، تعلق باقي الأطراف بـ “الاستفتاء” و”الاستقلال”، الذين ليسا بواقعيين، ولا براغماتيين، ولا مقبولين بشكل متبادل، بل ولا يقومان على التوافق.
وتابع قائلا، إن القرار يوطد مكتسبات المغرب في القرارات السابقة، ولاسيما من حيث سمو مبادرة الحكم الذاتي وضرورة إحصاء ساكنة مخيمات تندوف في الجزائر، مشيرا إلى أن القرار يجدد الإنذار الموجه لـ “البوليساريو” بخصوص احترام وقف إطلاق النار، حيث تذكر الفقرة السادسة بـ “الالتزامات التي تعهدت بها +البوليساريو+ تجاه المبعوث الشخصي” بالانسحاب من الكركرات والامتناع عن أي فعل يخل بالاستقرار في بئر الحلو وتيفاريتي.
وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي أن المملكة المغربية تأمل في أن يعطي هذا القرار دفعة قوية للمسلسل السياسي وأن يتحمل كل طرف، على أساس قاعدة المعايير المحددة، كامل مسؤولياته للتقدم نحو “السياسة الواقعية، البراغماتية والمستدامة، القائمة على التوافق” التي تتطلع إليها المجموعة الدولية.
وأضاف بوريطة أن المملكة المغربية تجدد التأكيد على استعدادها للتوصل إلى حل توافقي في إطار مبادرتها للحكم الذاتي. كما تعبر عن الأمل في أن يؤدي المسلسل الجاري إلى إحداث دينامية حقيقية، وتجاوز لغة الخطابة وتفادي أن تصبح الاجتماعات غاية في حد ذاتها