أعلنت عن صفر حالة بمستشفى سيدي سعيد يوم العيد
العاصمة الإسماعيلية تهزم كورونا المستجد بعزيمة وإصرار المهنيين وكل المتدخلين
تميزت الأيام الأخيرة بإعلان مجموعة من المدن عن صفر إصابة بفيروس كورونا المستجد بعد مغادرة آخر الحالات للمستشفيات التي كانت تعالج بها، مما ضخّ في النفوس جرعة من الأمل والتفاؤل، ومنح الثقة لمهنيي الصحة ولعموم سكانها في إمكانية أن تكون المرحلة المقبلة أفضل مما سبق.
أشهرت مدن وجدة، قلعة السراغنة، القصر الكبير، ميدلت، القنيطرة وغيرها، قبل أيام أعلام النصر ضد الفيروس المجهول القادم من الصين، «كوفيد 19»، ومن ضمن هذه المدن نجد العاصمة الإسماعيلية مكناس، التي كان قد ولجها فيروس كورونا المستجد في 14 مارس 2020، حين تم الإعلان عن تسجيل أول حالة تتعلق بسيدة كانت تتواجد خارج المغرب في إطار رحلة سياحية.
سابقة وبائية
شكّل تسجيل حالة إصابة تتعلق بمواطنة، كانت تتواجد في دولة مصر في إطار جولة سياحية، معطى مفاجئا بالنسبة لمهنيي الصحة محليا على مستوى مكناس ووطنيا، بالنظر إلى أن تعريف الحالة الوبائية لم يكن يدرج أرض الفراعنة ضمن قائمة الدول التي توصف بكونها بؤرا للفيروس ومصدرا للعدوى، لأن هذا التعريف كان مقتصرا آنذاك على 4 دول، ويتعلق الأمر بكل من الصين، إيطاليا، إيران وكوريا الجنوبية.
وضع ومستجد غير مسبوقان خلال تلك الفترة، التي لم يكن مطلوبا خلالها البحث في الرحلات القادمة من تلك الوجهة، والاشتباه في إمكانية أن تنقل مرضى إلى داخل المغرب، دفع القائمين على الشأن الصحي بمكناس إلى دراسة الحالة الأولى وتبعاتها في إطار لجنة الرصد الوبائي المشكلة محليا، يؤكد الدكتور مصطفى عكاوي، المختص في الإنعاش الطبي، ورئيس مصلحة الإنعاش «كوفيد 19» بمستشفى سيدي سعيد في مكناس، في تصريح خصّ به «الاتحاد الاشتراكي»، مبرزا أنه على إثر ذلك تم اتخاذ قرار بالبحث عن الفيروس في أوساط الحالات المخالطة وباقي المسافرين، مما أدى إلى ظهور مجموعة من الحالات خلال ذلك الأسبوع، وتم في وقت وجيز تطويق كل المخالطين، في الوقت الذي بات يُنظر لمكناس باعتبارها بؤرة، وتم التفاعل وطنيا مع المستجد، حيث تم إخضاع المسافرين على متن تلك الرحلة بكل من الدارالبيضاء والرباط وسلا بدورهم للتحاليل المخبرية والكشف عن وضعهم الصحي.
أرقام ونسب
وأوضح الدكتور عكاوي، أن الفيروس كان قد أصاب فئة من المتقاعدين الذين يبلغ سنهم أكثر من 62 سنة، مشيرا إلى أن المعدل العمري للمصابين حُدّد في 71 سنة، ومن بين 119 حالة التي جرى تسجيل خلال هذه الجائحة الوبائية بفيروس كورونا المستجد في مكناس، تعافت 105 حالات، في حين توفي مع الأسف 14 مريضا ومريضة، وبلغت نسبة الذكور حوالي 45 في المئة من مجموع المصابين و حوالي 55 في المئة في صفوف النساء، أصغر المصابين كان سنه 8 أشهر، حيث بلغت نسبة الإصابات في الأطفال الذين تراوحت أعمارهم ما بين 8 و9 و11 و12 سنة 5.8 في المئة، في حين أن أكبر حالة على مستوى العمر جرى تسجيلها كانت تبلغ 95 سنة، والتي تعافت من الفيروس وغادرت المستشفى نحو أسرتها، هذا في الوقت الذي جرى استبعاد حوالي 4 آلاف حالة التي أكدت نتائج الاختبارات خلوّها من الفيروس وعدم إصابتها به، في حين بلغ معدل مكوث المرضى في المستشفى ما بين 16 و 17 يوما، تتوزع ما بين الإنعاش والعناية المركزة ومصالح أخرى.
ووهان مرحلة الاستعداد
تفرّدت مكناس بخاصية أساسية كان لها بالغ الأثر في التعامل مع الجائحة الوبائية لاحقا، ويتعلق الأمر باستقبال فئة من الطلبة المغاربة الذين تم استقدامهم من ووهان الصينية، وكانت تلك الفترة بمثابة تدريب فعلي على التعامل مع الوباء، على مستوى كيفية ارتداء الزي الوقائي واتخاذ جملة الاحتياطات والتدابير الوقائية والتعامل مع الحالات، يؤكد الدكتور عكاوي، مشيرا إلى أن تلك الأشواط التي تم قطعها جعلت مهنيي الصحة وباقي المتدخلين يقطعون خطوات متقدمة واستباقية على الفيروس، مما مكّنهم من التحكم في تدبير الجائحة والتعامل مع الوباء بكيفية احترافية.
الواجب أولا
شدد الدكتور عكاوي في تصريحه لـ «الاتحاد الاشتراكي»، على أن القيام بالواجب كان هو هدف الأطر الصحية بأكملها، التي قدمت تضحيات جسام تعبيرا منها عن مواطنتها، بعيدا عن أية تفاصيل أخرى أو انتظارات، مبرزا أن جميع العاملين بقطاع الصحة على مستوى مكناس بمستشفيات محمد الخامس ومولاي اسماعيل وبانيو، كانوا ينتهون من مهامهم اليومية بتلك المؤسسات الصحية ويلتحقون بمستشفى سيدي سعيد حيث يتواجد مرضى «كوفيد 19» لمواصلة العمل والقيام بواجبهم المهني ومؤازرة باقي زملائهم في إطار المناوبات.
وعبّر الدكتور عكاوي عن اعتزاز كل المهنيين بالعمل جنبا إلى جنب، مشيدا بمؤازرة قطاع الطب العسكري، الذي كان لممثليه حضور قوي ودعم كبير في مواجهة الجائحة، منوها في نفس الوقت بباقي المتدخلين في كل القطاعات الأخرى من أمن ودرك وسلطات محلية ووقاية مدنية وقوات مساعدة وغيرها، دون استثناء. وأوضح المتحدث أن الاشتغال كان يتم على مدار الساعة ويتواصل ليل نهار دون كلل أو ملل، وكانت تتم دراسة الملفات الطبية لكل مريض من طرف الطاقم المختص مهما كان عدد المرضى بشكل يومي.
تواصل بناء
تميز تدبير الجائحة الوبائية بمكناس، بتواصل إيجابي محليا ومركزيا، وكانت الوزارة تستجيب لكل المتطلبات وعملت على توفير كل الاحتياجات والتجهيزات، بشرية ولوجستيكية، وفقا لرئيس مصلحة الإنعاش «كوفيد 19» بمستشفى سيدي سعيد، مؤكدا على أن هاته الروح الإيجابية ساهمت بشكل كبير في التغلب على الوباء ومكّنت من منح المرضى الرعاية الكاملة التي هم في حاجة إليها، متمنيا أن تتواصل نفس الروح بما ينعكس إيجابا على المنظومة الصحية وعلى ولوج المواطنين إلى العلاج بشكل دائم.
وأبرز المتحدث أن التواصل لم يكن داخليا مقتصرا على مهني الصحة خلال هذه الأزمة الصحية، بل شمل كذلك كل المتدخلين المعنيين بمواجهة الجائحة كممثلي وزارة الداخلية والإعلام إلى جانب المواطنين، من أجل تعبئة جماعية وتحقيق دينامية تفضي إلى تحقيق النتائج المرجوة، بما أن الرهان الجماعي واحد وهو التغلب على الفيروس ومنع انتشار العدوى.
أمل مع الحذر
شدّد الدكتور عكاوي على أن مكناس استطاعت اجتياز المرحلة الأولى من الوباء بنجاح إلى أن ظهرت المرحلة الثانية المتمثلة في بؤر عائلية ومهنية قبل حوالي شهر، بفعل استهانة بعض المواطنين في فترة من الفترات بتدابير الوقاية وضوابط الحجر الصحي، مشيرا إلى حالة السيدة التي قدمت إلى العاصمة الاسماعيلية من طنجة وتسببت في نقل العدوى إلى عدد من أفراد أسرتها. وأكد المتحدث أن الروح الجماعية ساهمت مرة أخرى في تجاوز المحنة بكثير من الأمل، وهو ما مكّن من تعافي آخر حالة في غضون 6 أيام من دخولها المستشفى، ويتعلق الأمر بعاملة بإحدى الوحدات الصناعية تبلغ من العمر حوالي 29 سنة، التي لم تكن تظهر عليها أية أعراض حادة وفي غياب أي تعفن، وبعد إخضاعها للاختبار الأول ثم الثاني في ظرف 24 ساعة، جاءت النتيجة لتؤكد يوم عيد الفطر تعافيها، وغادرت في اليوم الموالي، أي الإثنين 25 ماي، المؤسسة الصحية صوب مسكنها مع الاستمرار في الحجر الصحي لمدة 14 يوما، مشيرا إلى أن العاملين معها وأفراد أسرتها تأكدت عدم إصابتهم بالداء بعد إجراء الاختبارات عليهم.
أمل مشوب بالحذر، يؤكد الدكتور عكاوي على ضرورة التحلي به، بالنظر إلى أن كل الاحتمالات واردة وإن تم تسجيل صفر إصابة بفيروس كورونا المستجد في مكناس منذ تسجيل آخر حالة إصابة بالفيروس في 19 ماي، مبرزا أن الاختبارات تتواصل بمعدل 300 اختبار في اليوم الواحد، بفضل مختبر التحليلات الذي تم إحداثه بمستشفى محمد الخامس، رفعا لكل شك وتحسبا لكل إمكانية ظهور بؤرة جديدة، وهو ما لا يتمناه الجميع، لكن يجب الحرص على تطبيق التدابير الحاجزية الوقائية لتفادي انتشار العدوى.