الديمقراطية ضمن هذا التطور الجديد لا تنحصر في سن القوانين وإقامة المؤسسات، بل تمتد لتشمل كافة المؤسسات المجتمعية
نغتم مناسبة هذا اللقاء لنؤكد انخراط حزبنا في هذه الدينامية الوطنية التي تهدف إلى تعزيز المكتسبات
ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مبادرا إلى الترافع على الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمرأة
نحن مطالبون اليوم، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، إلى رصد اختلالات تفعيل المدونة الحالية، وتقديم إجابات عن كل الإشكالات المطروحة
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم إليكم، أصالة عن نفسي ونيابة عن كافة عضوات وأعضاء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالتهنئة على ثقة أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي حظيتم بها من خلال تكليفكم بمباشرة المشاورات التشاركية الواسعة لمراجعة وتعديل مدونة الأسرة، تفعيلا لمضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة تخليد الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش (في 30 يوليوز 2022).
ولا يسعنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلا أن نثمن هذا القرار الذي يجسد الإرادة القوية لبلادنا ولمؤسساتنا لإقرار مدونة منصفة وعادلة للأسرة وللمرأة بمنهجية تشاركية يتم تتويجها، بعد رفع المقترح إلى النظر السامي لجلالته، باعتباره الممثل الأسمى للدولة وبلورة مشروع قانون لعرضه للتداول والبت فيه من طرف ممثلي الأمة بالبرلمان.
ونغتنم مناسبة هذا اللقاء لنؤكد انخراط حزبنا في هذه الدينامية الوطنية التي تهدف إلى تعزيز المكتسبات والتراكمات التي حققتها بلادنا للنهوض بحقوق المرأة بفضل التوجهات الملكية ونضالات الأحزاب الوطنية والحركات النسائية التقدمية. وهي النضالات التي كنا دوما في طليعتها باعتبار حزبنا فاعلا وطنيا تاريخيا جعل من المرأة القضية المركزية في نضاله، وهو ما عبرت عنه أدبياته الصادرة في مختلف المحطات وتصوره السياسي للديمقراطية والمجتمع والتنمية.
وطوال مسارنا النضالي، ظل المشروع الاشتراكي الديمقراطي، الذي ترافعنا ونترافع عليه، متشبثا بوضع قضية المرأة في صلب المعركة الديمقراطية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. فمنذ المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، راهن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على إشراك النساء في معركة التحول الديمقراطي، حيث دعا التقرير حول القضية النسائية والأرضية المطلبية التي اعتمدها المؤتمر آنذاك إلى تحرير المرأة من أي موروث تقليدي يعوق مسار تطلعاتها واندماجها المجتمعي.
واستمر نفس النهج في المؤتمر الوطني الثالث سنة 1978 ، إذ تم التأكيد على الموقع المركزي للمرأة في الدفع بالمسار الديمقراطي نحو الأمام، وتعزز هذا التأكيد في وثيقة «أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي» التي طُرحت في المؤتمر الوطني الرابع سنة 1984.
ورغم كل التحولات التي شهدها الحزب، في تفاعل مع تطورات المشهد السياسي الوطني، ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مبادرا إلى الترافع على الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمرأة، كما شددت على ذلك وثائق المؤتمر الوطني الخامس سنة 1989.
وإذا كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في طليعة الحركة التقدمية المدافعة عن قضايا المرأة من موقع المعارضة، فإنه استطاع، وهو يقود حكومة التناوب التوافقي، أن ينزع للنساء مساحة متقدمة في برنامج إقرار المساواة ومواجهة التميز، ورد الاعتبار للمرأة المغربية (تعديل مدونة الأسرة، مراجعة مدونة الشغل، تغيير بعض بنود القانون الجنائي، إقرار نظام اللائحة الوطنية في النظام الانتخابي).
فالديمقراطية ضمن هذا التطور الجديد لا تنحصر في سن القوانين وإقامة المؤسسات، بل تمتد لتشمل كافة المؤسسات المجتمعية، وعلى رأسها المؤسسة العائلية والعلاقات الأسرية. إن الديمقراطية من هذا المنطلق تصبح ثقافة اجتماعية وسياسية، أي ثقافة المساواة التي تستهدف القضاء على النظام الموروث باعتباره نظاما تراتبيا وتفاضليا لا يعترف بما تقدمه النساء من الأعمال وخدمات للمجتمع.
ضمن هذا السياق، تصبح المواطنة هي الوسيلة المثلى لتحقيق المساواة بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات، والقضاء على كافه أنواع التمييز، وخاصة منها التمييز القائم على الجنس باعتباره العائق الأساسي لأي مشروع تنموي.
وقد مكنت تجربة الحزب في تدبير الشأن العام من تطوير تصوره السياسي، بما يجعل قضية المرأة في مقدمة الإصلاحات المجتمعية الأساسية لتحقيق مغرب العدالة والمساواة والكرامة.
ووفاء لنضالنا الحزبي المتواصل الذي واكبه التنظيم النسائي الاتحادي، وحرصا منا على صيانة المكتسبات الهامة التي تم تتويجها باعتماد الوثيقة الدستورية ذات المقتضيات الأساسية، وخاصة الفصل 19 الذي ينص على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات، أكدنا منذ المؤتمر الوطني التاسع سنة 2012 على ضرورة العمل من أجل التطبيق والإعمال الديمقراطي للدستور (الإسراع في إحداث هيأة المناصفة و مكافحة كل أشكال التمييز، إخراج قانون لمناهضة العنف ضد النساء، إصلاح القوانين الجنائية، المدنية، التجارية، الشغل، مدونة الأسرة)، وأعلنا موقفنا الثابت بأن حقوق المرأة ودورها مع الرجل، وعلى قدم المساواة، لن يقبل أي تراجع، و لا يمكن أن يخضع لتصورات إيديولوجية منافية للتوجه الذي اختارته بلادنا، والقاضي بالالتزام بالمواثيق و المعاهدات الدولية المنعشة لدور المرأة في المجتمع والحامية لحقوقها المادية والمعنوية.
إن التحديات المطروحة، حالا ومستقبلا، تفرض إشراكا كاملا للمرأة في مجهودنا التنموي الجماعي في كل امتداداته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، انسجاما مع مبادئ الإنصاف والمساواة والتضامن، كما دعونا إلى ذلك في تصورنا السياسي للنموذج التنموي الجديد. وحتى في الظروف الصعبة التي عاشتها بلادنا إبان الجائحة، تبين بالملموس أن المغربيات كن في الصفوف الأمامية للمواجهة، حيث دعونا في وثيقة «استشراف المستقبل: جائحة كورونا فرصة لانطلاق النموذج التنموي الجديد على أسس سليمة» التي اعتمدتها الأممية الاشتراكية ومنظمة التحالف التقدمي، إلى حماية النساء وجعل النهوض بأوضاعهن في قلب المشروع التنموي لأنه ليس من حل إلا أن نعيش زماننا، وأن نتوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة منهن باعتبارهن فاعلا محوريا في البناء الديمقراطي، وطرفا أساسيا في معادلات التنمية والرقي المجتمعي.
لذلك، نحن مطالبون اليوم، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، إلى رصد اختلالات تفعيل المدونة الحالية، وتقديم إجابات عن كل الإشكالات المطروحة، بما يحقق مصلحة الوطن والمصلحة الفضلى للأسرة في الإطار العام للمرجعية الدستورية: تقوية الهوية الوطنية، تعزيز الانفتاح على القيم الكونية، وصيانة الكرامة الإنسانية.
وهو ما جعلنا، في الحزب وفي تنظيمه النسائي، ننخرط بقوة في الدينامية التي أطلقها جلالة الملك، من خلال تقديم التصور السياسي الذي لطالما ترافع عنه الاتحاد الاشتراكي من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة، ومن أجل إنصاف الأسرة والمرأة والطفل.
نعتقد أن مدونة الأسرة الحالية كانت هي الجنين الذي أٌطلق منذ 20 سنة من أجل إنصاف الأسرة المغربية، وضمان مساهمة كل المواطنين نساء ورجالا في المشروع التنموي.
ونأمل أن تعلن هذه المداولات عن ميلاد الطفل الذي ظل لمدة 20 سنة خلت في رحم المجتمع، وذلك بإنتاج مدونة حداثية وتقدميه تساير العصر و التحولات التي عرفتها البشرية.
متمنياتي لكم ولنا جميعا، بالتوفيق لما فيه مصلحة المغربيات والمغاربة لأنه قبل كل شيء مصلحة الوطن، أي ما أكدنا عليه دائما: المغرب أولا.»