مرايا هراقليطس

 

(1)
في البدء كان السيل
سديما  سرمديًا،
طوفانا جارفا لا ينتهي
في رحم كون عصيّ ،
لا النهر هو النهر،
مجدافان بهِ
يعكران مجرى
ما كان ماضيا إلى صفاء الزمن …
(2)
أيها الرائي في مرآة النهر،
لا الجريان ما تبصره ،

ما تراه وجودا يتلبس عدما،
لا يقر لهما ماء ،
يرقصان  باللهب،
رماد الأزل يحضن جمرة الأبد…
(3)
عناق الأضداد،
دبيب خفيٌّ يسري
في شرايين  الوجود،
في ليلي وفي فجري
وفي حضن سري الدافئ
يصرع موتي
ويكشف عن بعثي …
(4)
شؤم الحرب هد السلام ،
خراب به تجلت  الأرض
وادلهمت السماء،
والموازين سارت في مسالك المجانين،
تسير بها جنائز المطارق
إلى مقابر القدر …
(5)
الليل والنهار دورة الوجود ،
من الظلمة يبزغ النور،
ومن النور تنبثق الظلمة ،
الوجود  تجل للخير والشرّ،
في رقصهما فجر وظلمة يولدان …
(6)
أعرف الحقّ،
أدرك التدفّق،
أرى الثبات وهمًا،
أحدس الكون تمزّقا،
أبصر الحقيقة سيلا ،
ثمّ ألتئم بوحدةٍ
جريان سرمدي
لا  يُدرك …
(7)
الجهل وحش ساكن
في غابة آسنة ،
أتوهم ثبات الحياة ،
بينما هي رقصٌ
في صهاريج النواعير
كلّ رقصة ولادةٌ،
وكل ولادة صرخة ماء …
(8)
الزوال وهم ،
أيها العابر السبيل ،
في كلّ فناءٍ بذرةٌ
لسنبلة وقت آت
من الغد ،
الموت والحياة
عروسان يرقصان
في حلبة أزلية ،
تصرع المستحيل …
(9)

نفسي شلال هادر،
في نهر متقلب الأحوال،
ترقص أهوائي مع أثير العواصف
لا تركن إلى مكان أو هوى،
هي فرح أو حزن
في  مرآة مصيري…
(10)
أصغي لنهر روحي،
يهمس لي بالضوء من زمن آت،
لا ماضٍ أو حاضر في أفقي،
أنا الحلم المتدفّق،
أنا اللهب في هشيم الوجود …
(11)
أنا هراقليطس !
عين الوجود مراياي
ليست ضبابا أو صمتا،
بل هي تجلي صيرورتي،
لا يهدأ مجدافي يشق النهر
يروض الصخر …


الكاتب : صلاح الدين بشر

  

بتاريخ : 23/05/2025