مفتتح
تندرج “حور تشرب الشاي مع القمر” للمبدع جمال بوطيب، الصادرة عن مقاربات للنشر والصناعات الثقافية بفاس،والحائزة على جائزة المغرب الموجه للطفل والشباب في دورتها الأخيرة ( 2018) ، ضمن قصص الأطفال، تقع في 61صفحة من الحجم المتوسط ، وجاءت مقسمة إلى ثمانية أنفاس قصصية ، ويزين غلافها رسم للفنان المغربي يوسف مجدي بقدر ما تشهي ، تدهش وتثير فضول القراءة
عتبات النص
لا يمكن أن تمر عين القارئ بحياد فوق غلاف هذه القصة، دون أن تجذبه أناقة الغلاف التي توفق الكاتب في وضع أشراك جمالية بقصد إثارة الفضول،ذلك أن أول ما يشد انتباه الطفل عادة، الأغلفة المثيرة التي تولد لديه شهية القراءة.
وعليه، وبقصد من الكاتب يظهر المؤشر الاجناسي متربعا على صفحة الغلاف يسارا وفي غاية الوضوح «قصة الأطفال»، وليس كما الحال غائبا في الكثير من الكتب، التي تكتفي بالتلميح لتتوب عنه مجموعة من القرائن «الرسومات التي يضمنها الغلاف». وهذا التصريح موجه قرائي يبتغي تأهيل القارئ لربط جنس القصة بالأطفال، ومن ثمة برمجته لاستقبال نص قصصي له لغته وأحلامه ومميزاته التي تخصه.
بعد المؤشر الاجناسي، تأتي صورة الغلاف، لتعلن عن علامات يتعرف عليها «حور، القمر ، وبينهما فنجان شاي»، وهو ما يعلن عنه أسفل العنوان «حور تشرب الشاي مع القمر «، إذ بعد النظر إليه، نلاحظ أنه جاء جملة اسمية طويلة تتكون من خمس كلمات، مكتوبة بخطوط كبيرة، وبارزة، وبلونين مغايرين، ولعل تكبير «حور» وبلون أبيض مغاير، فبغاية تثبيتها في ذهن القارئ كشخصية محورية وتخبرنا أن «حور تتشارك شرب الشاي مع القمر» ، وبذلك، يتولد الإغراء والدهشة، من خلال غرابته التي تثير الفضول، حيث سيتساءل من تكون حور كائنا أرضيا؟ وكيف سيتسنى لها أن تشرب الشاي مع القمر في السماء ؟
وهذه الأسئلة هي ما سيتصيده القارئ ومن ثمة الأخذ بالدخول الى عوالم « قصة حور تشرب الشاي مع القمر « ، ويتعرف على أحداثها ووقائعها .
ومما لا شك فيه، أن غلاف القصة « ، كان قادراً على جذب الانتباه وفتح شهية القارئ، ولتحقيق هذه المقصدية، كان التناسب والمرونة البصرية، التي من شأنها برمجة القارئ على التحكم في حركة العين،
مرجعيات النص
تُعرف المرجعية عمومًا بأنها كيانات ثقافية تمنح الخطابَ (المتن الأدبي) انتسابه إلى معرفة يوظفها ويتكئ عليها خدمة لإيصال مدلولاته وما يرمي إليه،و تكمن قيمة أي نص في توليده مجموعة من المرجعيات التي يحيل عليها ، وهناك أوجه مختلِفة لتلك المرجعيات، فمنها الاجتماعية والتاريخية والفلسفية، وكذلك الدينية واللغوية،
تعتمد قصة «حور تشرب الشاي مع القمر « مجموعة من المرجعيات ساهمت في تكوين السمات الدلالية للقصة، والتي تنوعت ما بين:العلمية،والتاريخية، والاجتماعية، واللغوية .. والتي منحت المحكي القصصي انتسابه إلى معرفة وظفها الكاتب واتكأ عليها لإيصال مدلولاته وما يرمي إليه ، كيي ينتج عملا قصصيا منفتحا .
أولا : المرجعية العلمية:
يبدو أثر المرجعية العلمية واضحا في القصة، وذلك عبر إيراد «حور « في درس «مكونات القمر» بعض المعلومات العلمية وعلى مسمع من معلمتها وأصدقائها في الفصل الدراسي» تتكون قشرة القمر من المواد الأولية التالية: يورانيوم، ثوريوم، بوتاسيوم، أكسجين، سيلكون، مغنيزيوم، خجيد، تيتانيوم، كالسيوم، المنيوم، والهيدروجين، ص: 36.
ونقرأ أيضا: «للقمر خواص منها أنه نتيجة تطابق الفترة الزمنية التي يأخذها القمر في دورانه حول نفسه وتلك التي يأخذها في دورانه حول الأرض» ص: 33.
هذا الحضور للرؤية العلمية ، لن يكون في نهاية المطاف سوى تحصينا الناشئة من أخطار قصص عذاب القبر وتداول نفس التيمات والمواضيع المستهلكة
ثانيا : المرجعية التاريخية:
يحيل محكي القصة في الكثير من تفاصيله إلى المرجعية التاريخية، نقرأ في الصفحة(37): «أول من قام باستكشاف الجانب المظلم من القمر كانت المركبة الفضائية السوفييتية «لونا 2» عندما قامت بجولات مدارية حول القمر في 15سبتمبر1959، وأول من حط قدمه على سطح القمر هو « أرمسترونج»، ص:37.
وتحضر الرؤية التاريخية في هذا الشاهد النصي من خلال استدعاء علم وبطل « ارمسترونغ»ترك أثره الكبير في التاريخ الكوني، وقد يكون تحفيا لاقتفاء خطواته .
ثالثا : المرجعية الاجتماعية:
وتنكشف في القصة من خلال تناول العلاقات الأسرية، حيث علاقة «حور « مع أبيها وأمها، وكذا جدتها وأختها «نور»، علاقات تنبني على الدفء والتعاون والتوجيه والتحفيز على المعرفة والاعتماد على النفس، في هذا السياق نقرأ : «استطرد أبي قائلا، وقد رفع صوته قليلا :
…والفاشل هو من يقول لا أستطيع» ص:8.
ونقرأ أيضا في إطار هذه العلاقات: «حين صمت أبي، طفقت أمي تحدثني عنه، وكأنها تعرفني به، بينما كانت يدها اليمنى تعبث بشعيرات رأسي بحنوها المعهود:
«أبوك رجل يحب الكتب ويعشقها كثيرا» ص:9.
وعليه، تستلهم القصة مرجعيات متعددة وبوعي من كاتبها، وهو أمر يتطلب ذكاء وتقنيات بارعة ومحكمة، وهو ما توفق فيه جمال بوطيب الذي لم يأت لعوالم الطفولة من النافذة، بل من بابها الواسع، ومن تجارب سابقة ومتنوعة في الكتابة للطفل تبلغ ما يزيد من عشرين سنة، ولعل فوزَه في المهرجان الدولي للموسيقى وأغنية الطفل بنص شعري عنونه ب» لحن السلام « دليلا على تجربته في الكتابة للطفل ،وفي الوقت نفسه هو كاتب يراعي تقنياته التي هي الحامل الأول والرئيسي لعمليات التجديد في الكتابة الإبداعية،
التشكيل الجمالي
يتداخل الجانب التعليمي والتربوي والجمالي في قصة « حور تشرب الشاي مع القمر « بقصد توسيع مدارك الطفل ، وكي يحقق الكاتب عناصر التشويق وما تهيؤه من سحر وجاذبية من شأنها المساهمة فتح شهية المتلقي لتصور ما ترويه ، وكي يتحقق هذا التلقي الجمالي فإن الكتاب لجأ الى تحفيز البنية الإدراكية الجمالية عبر مجموعة من التقنيات والمعارف المشهية ,
بخصوص متعلقات الجانب الطباعي ، ومدى مساهمتها في جمالية الحكي ، فيأتي الخط بحروف واضحة وبارزة المداد، والأسطر متباعدة، وبذلك تكون الصفحات شفافة وواضحة أمام عيني الطفل، لأن الأسطر المتقاربة من شأنها تشتيت النظر والذهن عن التركيز المتوخى.
أكد المهتمون بقصص الأطفال وأجمعوا على أهمية الصور والرسوم في اختيار الطفل لقصته لأنها أول ما يجذبه في الكتاب، فهي تحكي الموضوع بألوان جاذبة و براقة، لدى بات دخول الرسوم بطريقة تربوية حاجة ملحة، لأنها لغة مهمة من شأنها مساعدة الطفل على فهم النصوص القصصية .
وعليه، خصص الكاتب مساحة لرسومات من إنجاز الفنان يوسف مجدي والتي بلغ عددها ثلاثة عشر رسما، وبألوان لها مكانتها في تعضيد دلالة القصة المعروضة وبعض أحداثها التي تمسك بخيوطها كل من حور والقمر والأب، وهذا ما تفسره هيمنتهم على الرسومات التي تتجاور فيها الألوان المناسبة، مما يضفي عليها إثارة وجدانية .
كما حرص الكاتب على تآلف كلماته تآلفا صوتيا، و على تناغمها الصوتي « لأن ذلك يثري ذائقة الطفل السمعية ويشبع حاجته إلى الكلام المنغم «، ويحثه على متابعة القراءة.
« الله عالم ويحب العلماء…
ويحب من يحب العلماء ومن يحترم العلماء»، ص:10.
كما ضمن قصته بعض الأبيات الشعرية التي تصلح للإنشاد، نقرأ في ص:
«لي حبيب حبه حشو الحشا إن يشأ يمشي على خدي مشى
جمع الحسن جميعا وجهــــــــــه فإذا البــــــــــــــــــــــــــــدر رآه دهشـــــــــــــا
خاتمة مفتوحة
تأسيسا على عتبات ومرجعيات وجمالية قصة « حور تشرب الشاي مع القمر» للمبدع جمال بوطيب ، نستشف أن الطفل سيكون أمام قصة ممتعة بانفتاحها ولغتها ورسومات ورهانها على الرؤية العلمية ، والانتقال بالقصة الطفولية والزج بها عوالم تخييلية يعود منها القارئ بباقة من المهارات والقيم والأفكار والقناعات التي تظل مع الطفل كل حياته.