مرصد العمل الحكومي يعدد اختلالات الحكومة في ورش الحماية الاجتماعية وتدبير مخرجات الحوار الاجتماعي وهذه توصياته

 

في ورقة رصدية له حول الاحتقان الاجتماعي التدبير الحكومي على المحك ،أثار مرصد العمل الحكومي الانتباه حول عدد من الاختلالات والإشكاليات التي ترافق تدابير وإجراءات الحكومة المتعلقة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتدبير مخرجات الحوار الاجتماعي، وتعاملها مع الاحتقان الاجتماعي المتنامي في عدد من القطاعات الاستراتيجية وفي مقدمتها التعليم، باعتبار راهنتيها، وباعتبار الأخطار المحدقة على المسار التنموي ككل في بلادنا جراء هذه التوترات المتزايدة.
ورأى المرصد أن ورش الحماية الاجتماعية يعد من بين أهم الأوراش الاستراتيجية التي تشرف الحكومة على تنزيلها إلى أرض الواقع، في إطار إرساء مقومات الدولة الاجتماعية وإنجاح تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد. فإذا كانت الحكومة، يقول المرصد، قد نجحت بالفعل في إخراج هذا الورش الكبير إلى حيز الوجود، من خلال بدء تنفيذ كل
من تعميم التغطية الإجبارية عن المرض وتعميم التعويضات العائلية، في احترام للمواعيد المنصوص عليها في القانون الإطار للحماية الاجتماعية، وكل ما رافقها من جهد تشريعي مكثف وتعبئة مالية مهمة تجاوزت 35 مليار درهم سنويا ، فإن تدبير تنزيل هذا الور ، كشف عن محدودية كبيرة في استشراف الآليات الكفيلة بضمان انخراط المغاربة في إنجاحه، وعن اختلالات محدقة باستمراريته و استدامته، وهو ما يمكنه أن يشكل تهديدا حقيقيا لاستكمال مسار الدولة الاجتماعية ويعطل مسار النموذج التنموي الجديد،
وكشفت الورقة الرصدية عن الاختلالات والمخاطر في هذا المجال، منها الهجرة الجماعية لعدد هائل، أزيد من 600 ألف من المستفيدين من نظام المقاول الذاتي نحو الاقتصاد غير المهيكل، أملا في الحصول على مجانية الاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية، في ظل اتخاذ الحكومة لإجراءات ضريبية غير مفهومة وغير محسوبة العواقب فرض نسبة 30 في المئة كضريبة على المقاولين الذاتين الذين يتجاوز رقم معاملاتهم 80 ألف درهم مع الزبون الواحد بدل 1 في المئة المعمول بها بالتزامن مع تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية، بالإضافة كذلك إلى اعتماد الحكومة على مؤشر اجتماعي جامد محدد في نقطة مرجعية 9.32 بمعايير غير دقيقة و غير قادرة على الفصل الأكيد بين من يستحق الدعم ومن لا يستحقه، إقرار الحكومة لإعفاء المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، من الاشتراكات والزيادات ومصاريف المتابعات والغرامات الواجبة للضمان الاجتماعي، وهو ما يؤكد عدم انخراط عدد كبير من هذه الفئات الجديدة في منظومة الحماية الاجتماعية في هذا الورش، وهو ما يهدد استدامته واستمراريته، علما أن ورش الحماية الاجتماعية الذي من المفروض أن يكلف أزيد من 51 مليار درهم سنويا، تقوم هندسته المالية على أن نصف الموارد المالية سيتم تحصيلها من اشتراكات المنخرطين
وبخصوص الحوار الاجتماعي وتدبير الاحتجاجات، قال مرصد العمل، إن
تدبير الحكومة لمخرجات الحوار الاجتماعي، يطرح تحديات كبيرة على قدرتها على إنجاح الأوراش الإصلاحية الاجتماعية والحفاظ على البناء الحواري، وعلى مصداقية الشركاء الاجتماعيين، الذين بدأوا يفقدون قدرتهم على السيطرة على مجريات الأمور في عدد من القطاعات الكبرى وعلى رأسها التعليم الذي يضم أزيد من 75 في المئة من كتلة موظفي الدولة، والذي يبدو أن النقابات أصبحت متجاوزة بشكل كبير في السيطرة على مستويات الحركة الاحتجاجية التي يعيش على وقعها،مسجلا غياب الأفق الاجتماعي في هذا الباب.
كما سجلت الورقة الرصدية، ضعف انخراط الفئات الجديدة في تمويل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، ما قد يهدد استدامة هذا الورش المصيري بالنسبة للمغرب، خاصة في ظل غياب آليات التحفيز المرتبطة بتشجيع الانتقال من العمل غير المهيكل إلى العمل المهيكل، وإثقال الآليات الموجودة بنسب ضريبية غير مفهومة خاصة في سياق تنزيل ورش الحماية الاجتماعية .المقاول الذاتي.، وكذلك في ظل غياب رؤية وأفق واضح لإصلاح جاذبية التغطية الإجبارية عن المرض .التعريفة المرجعية.، غياب الرؤية الاجتماعية والتدبير المنسق في تنزيل البرامج الاجتماعية وطغيان المقاربة المحاسباتية المرتبطة بالأرقام وبالأغلفة المالية دون أي استحضار لبعد الفعالية وخلق أجواء الثقة والانخراط لدى المستفيدين، ضعف بينات الوساطة الاجتماعية النقابات وظهور أشكال غير مؤطرة قانونيا ومتشعبة بشكل يضرب أي معنى لمفهوم الشريك الاجتماعي، ويهدد تنزيل الإصلاحات الاجتماعية، اتساع رقعة الاحتقان الاجتماعي ليطال قطاعات أخرى، قد يغرق الإصلاحات الاجتماعية في نفقات غير محسوبة قد تعيق تنزيل باقي الأوراش الإصلاحية،اضطرار الحكومة لتعبئة الموارد المالية لضمان السلم الاجتماعي وخاصة التوجه نحو المديونية الخارجية، ما قد يرهن المستقبل المالي للبلاد ويهدد استقلاليتها الاقتصادية، ضعف واختلال التواصل الحكومي وسيادة لغة الصدام في تدبير الاحتجاجات ما قد ينمي الحركات الاحتجاجية ويدفع إلى تزايد مستوى التوتر الاجتماعي، خاصة في ظل تنامي الشعور بعدم جدية الإصلاحات الحكومية،
ويوصي مرصد العمل الحكومي بإيقاف أي شكل من أشكال الزيادة في نسبة الضريبة المفروضة على المستفيدين من برنامج المقاول الذاتي خاصة في سياق تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، الإسراع بإجراء الإصلاحات التحفيزية المرافقة لتنزيل تعميم الحماية الاجتماعية وخاصة تلك المرتبطة بالتغطية الإجبارية عن المرض مراجعة التعريفة المرجعية للتعويض عن الأدوية، وفرض الأدوية الجنيسة في الوصفات الطبية، ومعالجة مشكل شيكات الضمان لدى المصحات الخاصة، وتقوية برامج تشجيع الانتقال من العمل غير المهيكل إلى العمل المهيكل، ما يضمن انخراط الكل في إنجاح هذا المشروع ويساهم في استدامته المالية.
كما أوصى كذلك بضرورة الإسراع بإخراج قانون النقابات، كإطار قانوني ديمقراطي يسمح بتجاوز الأزمة الحالية للنقابات، ويفتح الباب أمام تمثيلية حقيقية للشغيلة، بما يضمن انخراط وانصهار مختلف الأشكال التاطيرية الموجودة حالياالتنسيقيات، ويقطع مع الممارسات اللاديمقراطية التي تسود العمل النقابي حاليا والتي تضرب في العمق مصداقية النقابات كشريك اجتماعي رئيسي وأساسي في العملية التنموية التي تعيشها البلاد، تجميد مرسوم النظام الأساسي لموظفي التعليم وإيجاد الصيغ المناسبة لإشراك التنسيقيات التعليمية إلى جانب النقابات الأكثر تمثيلية في الحوار، التزام الحكومة بتنفيذ مختلف التزاماتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2023، بما يقوي موقع النقابات ويعيد الاعتبار لأدوارها كشريك وكممثل موثوق للشغيلة المغربية، تجاوز الحكومة للمقاربة المحاسباتية وتبنيها لمقاربة الأداء والفعالية والعمل على إشاعة أجواء الثقة والشعور بالجدية اتجاه تنزيلها للبرامج الإصلاحية لدى مختلف الفئات المجتمعية، تبني الحكومة لخطة تواصلية أكثر قدرة على النفاذ إلى المجتمع والتخلي عن لغة التصادم التي ينهجها بعض وزرائها، وتكثيف الحملات التواصلية حول مختلف البرامج الإصلاحية، وفرض واجب حضور وزرائها لجلسات البرلمان والإجابة عن الأسئلة النيابية الخاصة بكل وزير حسب القطاع الذي يشرف عليه،


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 29/11/2023