كشف المركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي في تقرير له، أن العجز التجاري للمغرب بلغ مستويات غير مسبوقة، مسجلا ارتفاعا مقلقا خلال سنتي 2024 و2025، مما يعكس هشاشة البنية الإنتاجية الوطنية وعمق الاختلالات التي باتت تهدد التوازنات المالية والقدرة على الصمود أمام تقلبات الأسواق الدولية.
وأشار التقرير إلى أن قيمة عجز الميزان التجاري ارتفعت بنسبة 7.3 في المئة خلال 2024 لتبلغ حوالي 306.47 مليار درهم مقابل 285.54 مليار درهم في 2023، وهو رقم يعادل ما بين 23 و24 في المئة من الناتج المحلي الخام، قبل أن يواصل العجز اتساعه خلال 2025، حيث ارتفع ب 22.8 في المئة مع نهاية أبريل ليصل في أقل من أربعة أشهر إلى 108.94 مليار درهم، وهو ما خلف ضغطا متزايدا على احتياطي العملة الصعبة واستقرار سعر صرف الدرهم في ظل الارتفاع المستمر للدولار وتقلبات الاقتصاد العالمي.
وأكد التقرير أن هذا الخلل ناتج بالأساس عن التفاوت الكبير بين حجم الواردات والصادرات، حيث بلغت قيمة الواردات سنة 2024 ما يناهز 761.45 مليار درهم، في مقابل 454.97 مليار درهم فقط للصادرات، ما يعكس أزمة بنيوية حقيقية في القدرة الإنتاجية الوطنية وضعفا واضحا في تلبية حاجيات السوق الداخلية.
ورصد التقرير أربعة عوامل بنيوية تتحكم في استمرار تفاقم هذا العجز، أولها الارتباط الكبير بالواردات الطاقية والغذائية، إضافة إلى ارتفاع فاتورة المواد الغذائية المستوردة إلى 115 مليار درهم خلال السنة نفسها، خاصة الحبوب التي يظل المغرب معتمدا فيها بشكل شبه كامل على الأسواق الخارجية.
ويرى مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن هذا الارتهان يجعل الاقتصاد الوطني هشا أمام الصدمات الدولية، كما حدث خلال أزمة الطاقة وارتفاع أسعار القمح والنفط بين 2022 و2023.
أما العامل الثاني، فيتمثل في ضعف القيمة المضافة للصادرات المغربية، التي وإن شملت الفوسفاط ومشتقاته، والسيارات، والنسيج، والطيران، إلا أنها تظل ذات محتوى تكنولوجي محدود وفي مراحل وسيطة من سلاسل القيمة، مما يجعلها رهينة لتقلبات الطلب العالمي ولا يتيح لها إنتاج أثر اقتصادي واسع، سواء على مستوى التشغيل أو تطوير التكنولوجيا الوطنية.
ويضيف التقرير أن الفجوة بين الجهاز الإنتاجي والحاجيات الداخلية تمثل العامل الثالث في اختلال الميزان التجاري، حيث يتم تغطية جزء كبير من الاستهلاك المحلي عبر واردات من السلع الإلكترونية والمصنعة والدوائية التي لا تنتجها الصناعة الوطنية أو تنتجها بكميات محدودة، وهو ما يعكس ضعف سياسات تعويض الواردات، وعدم قدرة النسيج الإنتاجي على تلبية احتياجات سوق يعرف توسعا سريعا في الطلب.
أما العامل الرابع، فيرتبط بالصعوبات التي يواجهها المغرب في توسيع حضوره في الأسواق الخارجية رغم توقيعه مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر، حيث يواجه المصدرون المغاربة تحديات كبيرة مرتبطة بارتفاع كلفة النقل والإنتاج، وضعف البنية اللوجستيكية في بعض الجهات، ومحدودية التسويق الخارجي، وغياب استراتيجيات ناجعة للولوج إلى الأسواق الناشئة، ما يجعل الأداء التصديري دون الإمكانيات التي يتيحها الاقتصاد الوطني.
وسجل المركز أن المغرب اتخذ خلال السنوات الأخيرة مجموعة من التدابير للحد من تفاقم العجز التجاري، ولو أنها لم تحدث الأثر الملموس بعد، ومن أبرزها إطلاق الميثاق الجديد للاستثمار سنة 2022 ، إضافة إلى دعم القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، مثل السيارات والطيران والطاقات المتجددة، التي برزت كمحركات جديدة لتحسين العرض التصديري.
وأشار التقرير إلى أن برنامج صنع في المغرب وبرامج تعويض الواردات يمثلان خطوة مهمة نحو تقوية الصناعة المحلية، خاصة في النسيج، والصناعات الدوائية، والتجهيزات الإلكترونية، عبر دعم المقاولات وتمكينها من التمويل وتعزيز الطلب الداخلي على المنتجات الوطنية.
وفي جانب التوصيات، شدد التقرير على ضرورة تبني سياسة تصنيع استراتيجي متقدمة تكون فيها القطاعات ذات التكنولوجيا العالية أولوية قصوى، لما توفره من قدرة على خلق ثروة وطنية وتقليص الواردات والانخراط العميق في سلاسل القيمة العالمية، داعيا إلى تعزيز السيادة الغذائية والطاقية عبر تحديث الفلاحة وتنشيط التصنيع الغذائي، وتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية بوصفها أوراشا قادرة على تحويل التحديات المناخية إلى فرص اقتصادية.
وخلص مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي في تقريره إلى أن تقليص عجز الميزان التجاري ليس هدفا تقنيا فحسب، بقدر ما هو ورش هيكلي يحدد مستقبل النمو الاقتصادي المغربي وقدرته على لعب دور محوري في محيطه الإقليمي والدولي.
مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي يكشف أرقاما صادمة في تقريرله .. العجز التجاري يتجاوز 306 مليارات درهم سنة 2024 ويقفز بـ22.8 بالمئة في أربعة أشهر فقط من 2025
الكاتب : جلال كندالي
بتاريخ : 29/11/2025

