تقدّم وجها آخر لهذا النوع من المصالح وتتطلب احتضانا جماعيا للحفاظ على جودتها
شرعت مصلحة مستعجلات مستشفى ابن رشد الجديدة، المتواجدة عند تقاطع شارع طارق ابن زياد وزنقة سبتة في مدينة الدارالبيضاء، في استقبال المرتفقين الباحثين عن العلاج يوم السبت الأخير بشكل تدريجي، إذ تم توجيه عدد من المواطنين المرضى والمصابين في حوادث مختلفة صوبها بعدما تقدموا في وقت سابق نحو المستعجلات القديمة، ليجدوا أمامهم مرفقا صحيا بمواصفات عالمية عالية الجودة، الأمر الذي جعل الذين زاروه خلال اليومين الأخيرين ينوّهون بمستواه العالي.
وحدها الصدفة قادتني صوب مستعجلات مستشفى ابن رشد زوال يوم الاثنين، وذلك لمرافقة قريب لي تعرض لأزمة صحية توزعت أعراضها ما بين آلام على مستوى الصدر والقلب وصعوبات في التنفس، فكانت الضرورة التي حتّمت هذا التنقل، الذي أتاح فرصة ولوج هذا المرفق واكتشاف ما بداخله، لنجد أنفسنا أمامنا صورة مغايرة لواقع المستشفى العمومي الذي ترسّخ في الأذهان، والذي يعاني من عدد من الكبوات التي جعلت الكثيرين يهجرونه صوب القطاع الخاص، فإذا بهذه المصلحة تتفوق على الكثير من المرافق الصحية الأخرى.
عند باب المستعجلات وقف عدد من حراس الأمن الخاص في الصفّ الأول، ومعهم أحد المسؤولين الذي يراقب الأوراق الطبية ويعاين الحالات الوافدة، قبل أن يسمح بدخول المريض مع مرافق واحد لا أكثر، بينما في الصف الثاني على بعد خطوات من الباب الخارجي كان هناك نساء ورجال للصحة ممن يتحمّلون مسؤولية الحراسة العامة لمتابعة الوضع والحرص على أن يتم احترام القوانين على مستوى الولوج.
وسط مسارات التشخيص
ما أن تعبر البوابة الخارجية حتى تجد نفسك أمام مدخل يلج المرتفق من خلاله صوب قاعة كبيرة للانتظار، هناك سيتبين للزائر بأن الأمر مختلف عما قد يكون عاشه في وقت سابق في مستعجلات مستشفى من المستشفيات العمومية، فالقاعة تتوفر على مواصفات حديثة و»بنيات» متطورة، انطلاقا من الكاميرات الموزعة في كل مكان، فمكتب الاستقبال الذي وبعد التأكد من الحالة الصحية للمريض وطبيعة الدافع الذي جعله يزور المصلحة، يتم تسليمه ملف للتكفل مع ورقة انتظار تتضمن رقما يشير إلى لون معين، بناء عليه يتم تحديد درجة الاستعجال، وهو ما يتيح التكفل بالحالات الأكثر تضررا، قبل المرور على أحد الشبابيك التي تم توزيعها حسب نوع التأمين وطبيعة الصناديق الاجتماعية أو صندوق الأداء «نقدا».
رقمنة، تشوير وممرات
بعد تسوية الخطوات الإدارية، من طرف مرافق المريض الذي تسمح له وضعيته الصحية بالانتظار، لأن الحالات المستعجلة تبين لنا أنه يتم التكفل بها بشكل عاجل أولا، وفقا لما عايناه هناك، يلج المريض ومرافقه صوب فضاء داخلي، نحو قاعة أخرى، تحيل بدورها على مكاتب بتخصصات طبية مختلفة، هناك يتم عرض الحالة على الطبيب، هذا الأخير الذي يقوم بمجموعة من الفحوصات الأولية، قبل أن يقرر إما تحرير وصفة طبية، أو رتق الجرح للمصابين أو وضع «الجبص» للمصابين بكسور، أو تحويل المريض للقيام بفحوصات تكميلية بالأشعة إما من خلال الفحص بالرنين المغناطيسي أو «السكانير» أو الفحص بالصدى، وهي المعدات التقنية والبيوطبية المتوفرة داخل المستعجلات والتي لا يتطلب من المريض أو المصاب التوجه صوب المستشفى للقيام بها.
في هذا المسار يلج المريض مرفوقا بأحد المساعدين العاملين بالمصلحة الذي يقوم بنقله صوب المصلحة المختصة، كما يمكن أخذ عينات من الدم لإجراء اختبارات، هذه العملية كانت دافعا لكي نطرح سؤالا على بعض العاملين حول كيفية التوصل بالنتائج فتبين بأن المريض لن يكون مطالبا بالعودة إلى مكان الفحص بالأشعة لتسلم التقرير والصور، لأن كل النتائج شأنها في ذلك شأن كل التدخلات التي قام بها الطبيب، سواء تخطيط القلب نموذجا أو غيره، يتم تضمين ذلك تلقائيا في نظام معلوماتي يجعل الجميع على علم بكافة التفاصيل المتعلقة بالمريض والخطوات التي قطعها، دون الحاجة إلى قطع المسافات مرة أخرى، في مسارات تبين لنا أنها تحمل عدد من الألوان التي حين استفسارنا عنها، كان الجواب أنها وضعت لكي تحدد للمريض الوجهة التي يجب أن يقطعها في حال كان قادرا على التحرك للقيام بفحص ما، حتى لا يجد نفسه يطرق كل الأبواب والمكاتب.
إنعاش وجراحة
تعددت فضاءات مصلحة مستعجلات ابن رشد، ونحن بداخلها، اكتشفنا من خلال «إطلالة» هنا وهناك، وعبر أسئلة بسيطة لبعض العاملين، أن هذا المرفق ليس بمصلحة عادية فالأمر بقطب صحي متكامل، لكون يتوفر على مصلحة للإنعاش لمن تطلبت وضعيته هذا الأمر، وعلى مركب جراحي للقيام بالتدخلات الاستعجالية، وهي الفضاءات التي تتيح إنقاذ المواطنين وإسعافهم على أن يتم تحويلهم بعد أن تستقر وضعيتهم صوب المستشفى لاحقا بمتابعة علاجهم، لتكون بذلك هذه المصلحة «استثنائية» ليس في تراب الجهة فحسب بل على الصعيد الوطني، وربما حتى قاريا.
عقليات وتنظيم
ونحن بداخل مستعجلات مستشفى ابن رشد وقفنا على مجموعة من الملاحظات، التي توزعت ما بين الرغبة في التنظيم وما بين أشكال مقاومته، فهذه سيدة تقوم بالتنظيف بشكل مستمر داخل مرافق المستعجلات، بينما أمام المدخل المؤدي إلى قاعات الفحوصات تجمهر عدد من المرضى أمام الباب، رغم أن هناك لوحة إلكترونية تتغير أرقامها كل فترة وحين لتشير لصاحب هذا الرقم أو ذاك بالدخول، لكن ومع ذلك كان هناك من يسعى للولوج إلى الداخل قبل حلول دوره، وهو ما كان يتطلب من حراس الأمن الخاص مجهودا كبيرا في التواصل والإقناع.
إقناع، تبينت صعوباته المتعددة مرة أخرى عند الباب الخارجي، فهناك كان المتجمهرون أكثر من المرضى، وكان عدد كبير من الغاضبين يصرخون ويحتجون، للمطالبة بالدخول رفقة مرضاهم، رغم أن يافطات كثيرة تم وضعها تشير إلى أن كل مريض يُسمح لشخص واحد بمرافقته، وهو ما كان يكرره حراس الأمن الخاص والأشخاص الذين يسهرون على تنظيم عملية الدخول، إلا أن هذا القرار كان الكثير من الناس يرفضونه لأنهم يريدون الولوج بشكل جماعي، وحين يتم رفض ذلك، كانت التعابير الساخطة تتقاطر من أفواههم، ومنها ما عبرت عنه إحدى السيدات بالقول وهي تخاطب أحد الحراس بعد أن ولج قريبها المريض مع سيدة من نفس الأسرة لكن تم منعها هي من مرافقتهما بالقول «مالك غادي تعطيني الدم»؟
لم تكن هذه المرأة الوحيدة الغاضبة، فقد كان الغضب من التنظيم عارما، وهو أمر غريب ويطرح علامات استفهام عديدة، حول طبيعة بعض العقليات، التي تصب جام غضبها على الفوضى في تصريحاتها، وتنتقد الاكتظاظ، وتطالب بجودة الخدمة الصحية، إن على مستوى البنية والمعدات أو على مستوى التخليق وتدخلات الموارد البشرية، لكنها حين تجد نفسها أمام مرفق بمواصفات حديثة، وأمام أشكال منظمة للعمل، تشرع هي في خلق الفوضى، شأنها في ذلك شأن من يسعون لجعل مثل هذه المؤسسات والمرافق جسرا لتحقيق مآرب خاصة تحت مسميات خدمة الصالح العام وغيره، وهو ما يفرض القيام بتوعية أكبير، للحفاظ على جودة الخدمة وسلامة المرفق، الذي يسهر على تأمينه عدد من عناصر الأمن الوطني كذلك، التي تتواجد بمدخله الرئيسي وكذا على مستوى مدخل الاستعجال الذي تلجه سيارات الإسعاف لنقل المرضى والمصابين، الذين يتم عرضهم على الطبيب بقاعة خاصة لتحديد حقيقة وضعيتهم الصحية واتخاذ ما يلزم من تدابير، تتوزع ما بين مباشرة الفحوصات، السريعة أو «الثقيلة» أو التدخل الجراحي أو التحويل نحو الإنعاش، أو العودة إلى المسار الطبيعي الذي قطعناه عندما دخلنا إلى هذه المصلحة في البداية.