بنيونس المرزوقي : معالم السياسة الملكية قبل دستور 2011 ..وبعده

تحديث عصرنة مدونة الأسرة باعتبار
أن الإصلاح أخذ بعين الاعتبار
أن الأمر يتعلق بقانون يهم الأسرة بل مكوناتها
من رجال ونساء وأطفال

ولهذا السبب فإن تركيز الاتحاد الاشتراكي على «محورية الدولة» يتنافى مع ما تقوم به السياسات العمومية المتعاقبة والتي تستهدف بشكل
أو بآخر، التنازلَ على القطاعات الاجتماعية الأساسيةخاصة
في التعليم والصحة

أما التحدي الثاني،فيتمثل في تفعيل الآليات المسندة سواء للمواطنات والمواطنين أو لجمعيات المجتمع المدني فالأمر وفق الصياغة الدستورية دقيق للغاية. إن الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية

 

ما هي معالم السياسة الملكية في العهد الجديد قبل دستور 2011؟

لم يتم الانتباه للسياسة الملكية الجديدة التي كانت، وبكل المقاييس، «ثورة» إصلاحية هادئة وعميقة. ففي الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر إصلاحا من أعلى ينطلق باعتماد دستور جديد كمنطلق لمختلف الإصلاحات الأخرى الفرعية، اعتمد صاحب الجللة إصلاحا قاعديا ينطلق من تصفية الملفات العالقة قصد الوصول لإصلاح دستوري يكون تتويجا لما سبق وليس منطلقا له.
وهكذا، قام الملك الشاب الجديد بصفية كل الملفات السابقة والمفتوحة قصد إيجاد الحلول الملائمة لها. فيعد خطاب 1999 الشهير حول «المفهوم الجديد للسلطة»، قام بمبادرات لم تكن منتظرة، أسوق لكم/ن أمثلة عنها:
– زيارة مدينة وزان، كل ما يحمله لك من دلالات روحية؛
– تلا ذلك زيارات متكررة لمناطق كانت شبه مقصية، وعلى رأسها جهة الشرق التي زارها ما يفوق 25 مرة؛
– تحويل المناسبات الوطنية الكبرى من العاصمة لمناطق وجهات أخرى، وأساسا احتفالات عيد العرش، وحفلات الولاء السنوية؛
– زيارة منطقة أجدير بالريف، ومعالجة ملف الأمازيغية؛
– معالجة مخلفات سنوات الرصاص من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة، التي أصبحت لاحقا نموذجا دوليا يُحتذى به؛
– تحديث عصرنة مدونة الأسرة، باعتبار أن الإصلاح أخذ بعين الاعتبار أن الأمر يتعلق بقانون يهم الأسرة بل مكوناتها من رجال ونساء وأطفال؛
– إيجاد صيغة نهائية لمعالجة قضية الصحراء المغربية في المنتظم الدولي، من خلال مقترح مبادرة الحكم الذاتي؛
– إطلاق ورش توسيع فضاء حرية التعبير بكل أشكاله، فانتشرت الصحافة «المستقلة»، وتم تحرير الفضاء السمعي البصري، والسماح بتأسيس عشرات الهيئات الحقوقية، العام والمتخصصة (النساء، الإعاقة، التنمية البشرية…)؛
– وتم تتويج ذلك بإيجاد صيغة متطورة للإدارة الترابية من خلال فتح ورش الجهوية المتقدمة.
وهذا الورش بالذات، كان المدخل الرئيس للمراجعة الدستورية الشاملة.

وكيف كانت وضعية الاتحاد الاشتراكي مع العهد الجديد بعد وفاة المرحوم الحسن الثاني؟

من المهم هنا الإشارة إلى أن الإجابة تقتضي تدقيق المراحل التي مرت منها بلادنا بعد وفاة المرحوم الحسن الثاني. لقد دخلت بلادنا عهدا جديدا وسياقات جديدة. فمن ناحية أولى، فإن التناوب التوافقي مكَّن حزب القوات الشعبية من قيادة الحكومة، انطلاقا من سنة 1998، بعد أن ظل بعيدا عن تدبير الشأن العام منذ الإطاحة بحكومة المرحوم عبد الله إبراهيم سنة 1960، ومن ناحية ثانية فإنه بعد تفويت العرش، الذي تم بسلاسة، في عهد المرحوم عبد الرحمن يوسفي، جَدَّدَ الملكُ الثقةَ فيه لتشكيل حكومته الثانية خلال شتنبر 2000.
كما أن الاتحاد الاشتراكي وجد نفسه في وضعيات جديدة، أوجد لها الحل المناسب من خلال تقديم مصلحة المغرب على مصلحة الحزب. فقد استمر في المشاركة في حكومات ما بعد المرحوم عبد الرحمن يوسفي، سواء عند تعيين حكومة إدريس جطو (مستقل) أو عباس الفاسي (استقلالي)، ولم يتغير وقفه من المشاركة إلا بناء على اعتبارات فكرية وسياسية عند فوز حزب العدالة والتنمية في استحقاقات 2012.
وقد كانت هذه المناسبة أول فرصة ينتقل فيها حزب القوات الشعبية من معارضة السياسة العامة للدولة إلى معارضة السياسات العمومية للحكومة، وهو ما أحدث تغيرا كبيرا في تصور الحزب للشأن العام، وتصور الفئات المثقفة والشعبية لدور الاتحاد الاشتراكي.

نفهم من خلال هذه الإجابات أنهكان هناك مسلسل إصلاحي أفضى للمراجعة الدستورية؟

نعم، وقد تم ذلك بشكل سلس مرة أخرى، من ثلاثة نواحي:
فمن ناحية أولى، ومن حيث عنصر الزمن، نُلاحظ أن التفاعل الملكي مع مختلف المطالب، جاء سريعا باعتبار أن الفترة الفاصلة ما بين 20 فبراير و9 مارس لا تتعدى 17 يوما. وقد كان للتأصيل النظري الوارد في الخطاب دور في توضيح التصور الملكي للمسلسل الإصلاحي، خاصة عند الحديث عن أسلوب التدرج في التطور الديمقراطي الذي أهل المغرب للشروع في تكريسه دستوريا؛
ومن ناحية ثانية وبخصوص الشكل، نُلاحظ اعتماد مقاربة جديدة من حيث طريقة مراجعة الدستور. لقد تم إحداث لجنة استشارية ملكية، يعرف كل المتتبعين والمتتبعات أسماء أعضاءها وتاريخهم ومساهماتهم في الحقل الذي تم تعيينهم على أساسه، وبالتالي لم نعد أمام لجان لا نعرف تشكيلتها، وا المهام التي أسندت إليها، ولا حتى التوجيهات الموجهة لها؛
ومن ناحية ثالثة وأخيرة، وفيما يخص المضمون، كانت المفاجئة أكبر وأكبر. فعلى العكس مما كان منتَظَرا من تعديل دستوري لمقتضيات دستور 1996، تم فتح ورش موسع للمراجعة الشاملة للدستور، وعلى أساس محاور جاءت في خطاب 9 مارس التاريخي.

بالمناسبة ما هو السياق العام لمراجعة دستور 1996: دور حركة 20 فبراير والأحزاب السياسية الديمقراطية؟

أولا، تنبغي الإشارة إلى أن بلادنا، على غرار دول إقليمية أخرى، عرِفت حركة اجتماعيةشبيبية عُرفت باسم حركة 20 فبراير، تمكنت من تحريك الوضع السياسي بالبلاد في اتجاه التسريع بالإصلاحات الدستورية. فبلادنا كانت تعرف تراكمات سابقة في مجالات مُتعددة، من قبيل التعددية الحزبية والتقدم النسبي لحقوق الإنسان، وفتح أوراش إصلاحية كبرى قصد تسوية ملفات الماضي. لذا، فإن ما قامت به حركة 20 فبراير يتمثل أساسا في رفع شعارات متفاوتة المدى، كان لها الدور الأساس في عملية تسريع الإصلاح الدستوري بالضبط، باعتبارها حركة واعية ومسؤولة، على العكس من حركات احتجاجية في بلدان أخرى رفعت مباشرة شعارات تستهدف الإطاحة بالنظام القائم دون تصور واضح للبديل باستثناء شعارات عامة، مما جعلها تتيه في عملية بناء الدولة الجديدة. وعلى العكس من ذلك، فإنه بالنسبة للمغرب، جاء الخطاب الملكي ليوم 9 مارس ليُجيب عن كل الشعارات التي تم رفعها، ووفق مقاربة جديدة.
ثانيا، ينبغي هنا ألا يتم تبسيط الإشكال بالقول أن حركة 20 فبراير قامت لوحدها بتحريك عملية الإصلاح السياسي والدستوري ببلادنا. لقد أبانت الأحزاب السياسية الديمقراطية في مناسبات عديدة، بدأت مباشرة مع الاستقلال، اهتمامها بمستقبل البلاد وتأطيره الدستوري وإصلاحاته السياسية، بل أن بعضا من هذه الأحزاب، ومن ضمنها أساسا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قد أدى «ضريبة الوطنية» من حرية وأرواح مناضلاتهومناضليه، بالموازاة مع التضييق على حقه في التعبير وإصدار جريدته، وفتح مقراته، واعتقال قياداته، طيلة سنوات يدل اسمها على طبيعتها: «سنوات الرصاص»، ولهذا كان لهذا الحزب قوة تعبئة جماهيرية كبيرة، تمَكَّن من خلالها من التأثير بشكل مباشر في طبيعة مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية.
وطبعا، فإن هذه العملية، لم يتم هذا على صعيد التحالفات والتكتلات التي كان يِسسها وينتمي إليها من قوى يسارية، وكتلة وطنية، وكتلة ديمقراطية، بل أيضا من خلال امتداداته المجتمعية على صعيد رجال الإعلام، وكتاب المغرب، وقضايا النساء، والموظفين العموميين، وقطاع الأجراء، وباختصار مُختلف الفئات الاجتماعية، فكان من الطبيعي جدا أن يكون الشباب في مُقدمتها.
لذا، فإن أي تحليل يفصل حركة 20 فبراير عن السياق العام لمطالب وتصورات الأحزاب السياسية الديمقراطية، تحليل مجانب للصواب.

بصفة عامة ماذا كانت الخطوط العامة الواردة بخطاب 9 مارس؟ وهل كانت تُشكل تقييدا أم تحفيزا للإصلاح الدستوري؟

أعتقد مرة ثانية، أننا وجدنا أنفسنا أمام ثورة من طبيعة خاصة. لقد استعمل الملكُ مصطلحاتٍ ومفاهيمَ جديدة على الساحة الوطنية، حيث تمت الإشارة إلى: الجهوية المتقدمة، المراجعة الدستورية العميقة، النقاش الوطني الواسع والبناء، الإرادة الشعبية المباشرة، الإصلاح المؤسسي الشامل، الحكامة الجيدة، التوزيع المنصف للاختصاصات وأيضا للإمكانات بين المركز والجهات، جسامة التحديات، مشروعية التطلعات، تحصين المكتسبات، تقويم الاختلالات، الالتزام الراسخ، الإصلاح العميق، المنظومة الدستورية الديمقراطية، ترسيخ العدالة الاجتماعية، وتعزيز مقومات المواطنة الكريمة…
لقد كان الخطاب يحمل قاموسا جديدا في جزئياته وفي شموليته، وتبين أن المراجعة الدستورية، ستكون تتويجا لمسارات إصلاحية مُتعددة تم تلخيصها في الخطاب بكونها «إصلاحات وأوراش سياسية وتنموية عميقة، ومصالحات تاريخية رائدة»، ولا أدل على ذلك من كون الخطاب قد زاوج بين موضوعين كل منهما شرط لتحقيق الآخر.
فبالنسبة لموضوع الجهوية المتقدمة، فإن التصور الملكي ذهب في اتجاه وضع التوجهات الأساسية التي لا يُمكن النزول عنها للحديث عن جهوية مُتقدمة، نذكر من بينها: تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور ضمن الجماعات الترابية، انتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر، تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيذ مقرراتها، تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي، إعادة النظر في تركيبة وصلاحيات مجلس المستشارينفي اتجاه تكريس تمثيليته الترابية للجهات.
أما بالنسبة للإصلاحات الدستورية في حد ذاتها، فقد تم تصورها في شكل «تعديل دستوري شامل». وبنفس المنطق السابق، تم وضع التوجهات الأساسية المتمثلة في المرتكزات السبع التالية:
1- التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة؛
2- ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب؛
3- الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه؛
4- توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها؛
5- تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني؛
6- تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة؛
7- دسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات.
وإذا كان المرتكز الثالث قد كان الأساس الذي تم بموجبه الارتقاء بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة، فإن المرتكز الرابع اشتمل على نوعين من الإصلاحات:
– إصلاح للمؤسسة التشريعية عن طريق برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية؛
– إصلاح للمؤسسة الحكومية من خلال حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب، مع تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، وتقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، ودسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته.
وأخيرا، فإنه سيرا على نفس المقاربة التشاركية المعتمدة في كل الإصلاحات الكبرى، تم تكوين لجنة خاصة لمراجعة الدستور، تحت رئاسة السيد عبد اللطيف المنوني، مع دعوة اللجنة «إلى الإصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والنقابية، ومع الفعاليات الشبابية، والجمعوية والفكرية والعلمية المؤهلة، وتلقي تصوراتها في هذا الشأن»، داخل أجل لا يتعدى شهر يونيو (أي عمليا داخل أجل ثلاثة أشهر).
ودون تفصيل في هذه المرتكزات السبع التي أعلن عنها الملك كأساس للمراجعة الدستورية الشاملة، يُمكن القول على أن الأمر يتعلق بأسس تضع الحد الأدنى لما كان الملك ينتظره وليس الحد الأقصى. فبنفس منطق إصلاح هياكل الدولة عن طريق جهوية مُتقدمة، فإن المرتكزات السبع تستهدف الإصلاح العميق، من خلال نقاش مُجتمعي موسع تمكن المواطنون والمواطنات من نقاش عمومي حول الإصلاحات المنشودة في حديها الأدنى والأقصى.
ويُمكن القول إجمالا أن دستور 2011 يُعد في جوهره ميثاقا سياسيا من حيث مضمونه، لأنه وضع قواعد جديدة لتنظيم السلطة مع إعادة توزيعها بشكل أكثر تقدما مما كان عليه الأمر في التجارب الدستورية السابقة. ولعل أهم ما ينبغي الإشارة إليه هو عقلنة تنظيم السلطات والعلاقات فيما بينها.

وماذا عن مساهمة الاتحاد الاشتراكي بهذا الخصوص؟

استمرارا لما ذكرته أعلاه، يُكنني القول لى أن الاتحاد الاشتراكي كان في صلب الأحداث. فبعد الخطاب الملكي 9 مارس، قدم الحزب تصوره ومقترحاته لمراجعة الدستور بتاريخ 28 مارس، أي فقط بعد 19 يوما، مما يدل على أنه كان جاهزا للمساهمة في هذا الورش.
وتتمثل الخطوط العريضة للمقترحات الاتحادية في أن التصور كان قائما على نوعين من المقترحات، النوع الأول يهم المبادئ العامة التي يقوم عليها تصور الحب، ثم نوعٌ ثانٍ يهم المؤسسات الدستورية من زاوية تنظيمها واختصاصاتها والعلاقة فيما بينها.
ومن المهم جدا بهذا الخصوص، التذكير على أن مذكرة الاتحاد الاشتراكي سجلت بشكل صريح مبادئ أساسية ينبغي اعتبارها أساس قيام دولة الحق والقانون والمؤسسات. لقد طالب حزب القوات الشعبية بالتنصيص على ما يلي: سمو الدستور، احترام التعددية الثقافية، دسترة الوضع اللغوي بالمغرب بإضافة الأمازيغية، ترسيخ مبدأ سمو الالتزامات والمعاهدات الدولية، ضمان المساواة للجميع أمام القانون، إقرار مبدأ قرينة البراءة، إقرار المساواة بين المرأة والرجل، التنصيص على المسؤولية العمومية لاتخاذ كل التدابير الكفيلة بتفعيل المساواة بين الجنسين،إحداث الجلس الأعلى لحقوقالنساء، ضمان تمثيلية مغاربة الخارج في البرلمان، الحق في المعلومة، توسيع وظائف الأحزاب السياسية، دسترة مبادئ الحكامة الأمنية، الحق في البيئة السليمة، … إلى غير ذلك مما يُعتبر من جوهر الفكر الاشتراكي الديمقراطي.
أما على صعيد المؤسسات الدستورية، فإنه يُمكن القول إجمالا، أن جل تصورات الاتحاد الاشتراكي تم اعتمادها، على صعيد كل من الملك والحكومة والبرلمانوالسلطة القضائية، ثم ما يتعلق بالمجلس الدستوري، والمجلس الأعلى للحسابات، والجماعات الترابية.
وقد تم اختتام المذكرة بالتأكيد على التصور العام والمبدئي، من خلال اعتبار أن منطلق التصور الاتحادي، هو، قناعته الراسخة بأن «الوثيقة الدستورية، لا بد أن تكون أداة لترسيخ قيم الحرية والتقدم والمساواة والعدالة، ولا بد أن تكون ضمانا لتحقيق المصلحة العامة»، مع التأكيد على أن فصل السلط وتقوية الحكومة والبرلمان، «يحتم إرساء قواعد عمل مؤسسي قائم على التوازن والانسجام والتعاون والحوار داخل مكونات السلطة السياسية في بلادنا، وفي ما بينها، كل منها ضمن اختصاصاتها الدستورية»، من أجل «استقرار بلادنا ومصداقية وفعالية مؤسساتها انسجاما مع روح الخطاب الملكي لــــ 9 مارس 2011».

وما هي المضامين العامة لدستور 2011؟

على العكس من التجارب الدستورية السابقة، التي تمت من خلال التأثر بالتجربة الدستورية الفرنسية من حيث اعتماد نظام مختلط يجمع ما بين بعض مظاهر النظام البرلماني إلى جانب بعض مميزات النظام الرئاسي التي كانت غالبة نتيجة الوضع المتميز للملك في النظام الدستوري والسياسي، فإن المراجعة الدستورية لسمة 2011، جاءت بمستجدات كثيرة، لا يُمكن الإحاطة بها كلها في هذا الموجز، إلا أن ذلك ل يمنع من تخصيص مختلف المضامين في عناوين رئيسية:
أولا: تصدير دقيق يُعد جزء من الدستور
حيث تضمن تصدير الدستور العديد من المبادئ والأهداف الأساسية التي تحكم الدولة والمجتمع، ومنها خاصة، تحديد مرتكزات الدولة في المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة؛ واعتبار المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية؛ مع تعهد المغرب بالالتزام بما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وتأكيد تشبثه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ودسترة العديد من الأهداف الاستراتيجية: بناء الاتحاد المغاربي، تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية…؛
ثانيا: أحكم عامة مُفصلة
وبهذا الخصوص، تم اعتبار نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية؛ وإسناد السيادة للأمة، لمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها؛ والتأكيد على اتبار الإسلام دين الدولة مع ضمانها لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية؛ واعتبار العربية اللغة الرسمية للدولة، وإلى جانبها اللغة الأمازيغية؛ وتوسيع وتدقيق وظائف ومهام الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، والمعارضة البرلمانية، مع دسترة المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية، وإحداث هيئات للتشاور مع الفاعلين الاجتماعيين، وحق المواطنات والمواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريعوتقديم عرائض إلى السلطات العمومية، مع إيلاء أهمية خاصة لقضايا المغاربة المقيمين في الخارج؛
ثالثا: توسيع مجال الحريات والحقوق الأساسية
ونكتفي هنا ببعض الأمثلة لكون دستور2011 و دستور حققي بامتياز:
– التنصيص على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مع سعي الدولة لتحقيق المناصفة بينهم؛ والحق في الحياة وفي سلامة الشخص وأقربائه، وحماية ممتلكاته؛ وعدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص؛وتجريم الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، مع حظر التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف، والمعاقبة على مختلف الجرائم ضد الإنسانية؛ وحق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات، وحرية الصحافة، وحريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي، وحق الإضراب، والحق في التصويت وفي الترشح للانتخابات؛… إضافة لضمان حقوق فئوية عديدة.
كما أن الدستور نص على بعض الواجبات وخاصة منها احترام الدستور والتقيد بالقانون (الفصل 37)، والمساهمة في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية تجاه أي عدوان أو تهديد، وتحمل التكاليف العمومية كل على قدر استطاعته، والتحمل بصفة تضامنيةالتكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وتلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.
رابعا: هندسة دستورية متقدمة
حيث تضمن الدستور بابا خاصا بكل مؤسسة دستورية وذلك وفق العناوين التالية:الملكية؛السلطة التشريعية (بدلا من البرلمان في الدساتير السابقة)؛السلطة التنفيذية (بدلا من الحكومة في الدساتير السابقة)؛السلطة القضائية (بدلا من القضاء في الدساتير السابقة)،مع التمييز ما بين صلاحيات الملك الدينية بصفته أميرا للمؤمنين وبين صلاحياته كرئيس للدولة؛ وتقييد سلطة الملك في تعيين رئيس الحومة من خلال حصر التعيين ضمن الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب؛ وتوسيع اختصاصات البرلمان؛ وترقية منصب الوزير الأول إلى منصب رئيس الحكومة مع دسترة مجلس الحكومة؛ والتنصيص على استقلالية السلطة القضائية (بدل القضاء في الدساتير السابقة).
خامسا: الهيئات والمؤسسات الأخرى
تحويل المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية؛ وتخصيص باب كامل للجهات والجماعات الترابية الأخرى؛ مع تحويل المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى مجلس اقتصادي واجتماعي وبيئي؛ وتخصيص باب مُفصل للحكامة الجيدة وإحداد عدد من الهيئات والمؤسسات التي تم إحداثها في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، هيئات الحكامة الجيدة والتقنين، وهيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية.

 هل تشكل هذه التفاصيل أرضية لحُسن تطبيق الدستور أم أن هناك صعوبات بهذا الخصوص؟

صراحة، ينبغي القول إن القوانين التنظيمية اللازمة لاستكمال المقتضيات الدستورية، لا زالت تتطلب إعادة المناقشة والتشاور بعيدا عن «الهيمنة العددية»، كما أن هذا لا يمنع من القول إن هناك مجاليْن لا زالا في حاجة إلى النص القانوني المؤطر، حيث عجزت الحكومات المتتالية عن إصدارهما لحد الآن. ويتمثل النص الأول في القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب، والذي يُشكل تحديا كبيرا ما دام أنه تم التنصيص عليه منذ دستور 1962، إلى جانب القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين الذي لم تتمكن الحكومة لحد الآن عن إصداره من خلال ملائمته مع قرارات المحكمة الدستورية. ا أننا لم نسمع لحد الآن عن ورش للعمل على ملاءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الدولية للمغرب، كما أنه لم يتم تسريع العملية التشريعية بخصوص النصوص الكبرى كالقانون الجنائي، رغم أن النصوص التشريعية العادية في جلها أصبحت تُحال مباشرة من المجلس الحكومي إلى البرلمان.
وأخيرا، فإنه على صعيد المؤسسات والهيئات الدستورية، لا زال بعضها مُعطلا، فرغم صدور النصوص القانونية المؤسسة لها، فإنه لم يتم تنصيب بعضها (هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي)، كما أن مؤسسات أخرى تحتاج تجديد الأعضاء (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج…).

بالموازاة مع دستور 2011 ما هي الأوراش الملكية الكبرى التي يُمكن اعتمادها لتقييم حصيلة 25 سنة من العهد الجديد؟

لا يُمكن في هذه العجالة حصر الحصيلة الملكية خلال ربع قرن الأخير. لذا، سأشير إلى العناوين الكبرى التي اعتبرها بمثابة مؤشرات للوقوف عليها.
فهناك أولا، مُنجزات كبرى في المجال الاقتصادي، تتمثل في البنيات التحتية الكبرى التي كانت الأساس لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ثم لوضع النموذج التنموي الجديد، أخص بالذكر،المركب المينائي «طنجة المتوسط»، ثم ميناء الناضور، ومشروع الميناء الأطلسي، وهي أوراش لم يكن من الممكن أن ترى النور لولا المشاريع الكبرى المواكبة، من طرق سيارة وقطار فائق السرعة ومطارات، وتنويع لمصادر الطاقة … ويُمكنني القول على أن هذه الدينامية هي التي مكنت بلادنا من جلب الاستثمارات العالمية ومن خلالها احتلال مكانة مهمة في مجموعة من القطاعات الصناعية.
ومن المهم هنا، الإشارة إلى الملفات السياسية والاجتماعية الكبرى التي عالجها صاحب الجللة بحكمة وتبصر، والمتمثلة في مقترح الحكم الذاتي، والجهوية المتقدمة، ومدونة الأسرة، التي كانت آنذاك (2004) اختصاصا خالصا وحصريا للملك باعتباره أمير المؤمنين، إلا أنه أبى إلا أن يتم ذلك وفق مقاربة تشاركية ساهم فيها البرلمان رغم أن ذلك لم يكن من صلاحياته؛ وإصلاح الحقل الديني ومحاربة التطرف، والمبادرات الإنسانية التضامنية مع دول عربية وإفريقية عديدة، وعلى رأسها دعم القضية الفلسطينية.
ولا تفوتني هذه الفرصة للتذكير بأن الحس التضامني لصاحب الجلالة، بدأ قبل اعتلاءه عرش المملكة، عند تأسيس «مؤسسة محمد الخامس للتضامن» بتاريخ 05 يوليوز 1999، أي قبل وفاة المرحوم الحسن الثاني ببضعة أيام.
ولم يقتصر التدبير الإستراتيجي الذي أبان عنه صاحب الجلالة في القضايا الكبرى فقط،بل تعداه إلى الدبير الـمُحكَم خلال فترات الكوارث الطبيعية، حيث تبين ذلك خلال الكوارث الطبيعية الكبرى في شمال المغرب (الحسيمة) ووسطه (الحوز)، وعلى الصعيد الوطني خلال جائحة كورونا.
وطبعا، ينبغي استحضار أن كل هذه المبادرات الملكية، صاحبها حضور دولي وازن، على مستوى تنويع العلاقات على صعيد دول الجنوب وأساسا منها إفريقيا، مع تحسين العلاقة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين والهند …

 عن بعض تحديات تطبيق دستور 2011

رغم مرور 13 سنة على صدور دستور 2011، لا زالت أمامنا أوراش كثيرة تنتظر الشروع في تنفيذها. ورغم تعدد التحديات التي تطرحها هذه الأوراش، فإنه يُمكن الوقوف على بعض منها مما نعتبره أساسيا.
التحدي الأول،يتمثل في تحديد مجال ونطاق السياسات العمومية، والتي هي من صلاحيات مجلس الحكومة(الفصل 92 من الدستور)، وقابلة للتقييم من قبل البرلمان(الفصل 70)، إلا أنها أيضا مجال لإبداء الرأي من قبل بعض المؤسسات والهيئات الدستورية، والتي نذكر منها كلا من مجلس الجالية المغربية بالخارج (الفصل 163)، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (الفصل 168)، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (الفصل 169)، إضافة لمؤسسات أخرى (نذكر منها خاصة:المجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي).
ولذلك، فإنه لا زلنا في حاجة لتحديد هذه العلاقات بين طرفين غير متوازنين:
فمن جهة أولى هناك الحكومة التي تخضع للرقابة بمختلف أنواعها، وتتحمل المسؤولية السياسية التي يُمكن أن تصل حد إقالتها؛
ومن جهة ثانية، هناك هيئات مُستقلة، تتدخل بشكل أو بآخر في السياسات العمومية دون أن تخضع للرقابة أو تتحمل أية مسؤولية سياسية.
وإلى جانب هذا، يلزم المزيد من الاجتهاد لتمييز «السياسة العمومية» عن «السياسات العمومية»، سواء منها «السياسة العامة للدولة» التي يتداول فيها مجلس الحكومة، ويتم عرضها على المجلس الوزاري (الفصل 92)، أو «السياسة العامة» الخاضعة للرقابة البرلمانية من خلال الأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة (الفصل 100)، والتاي يُمكن أيضا أن تكون أساسا لإمكانية مواصلة الحكومة لتحمل المسؤولية بتصويت من مجلس النواب، يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به رئيس الحكومة في «موضوع السياسة العامة» (الفصل 103).
أما التحدي الثاني،فيتمثل في تفعيل الآليات المسندة سواء للمواطنات والمواطنين أو لجمعيات المجتمع المدني. فالأمر وفق الصياغة الدستورية دقيق للغاية. إن الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية، تساهم ليس فقط «في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية» ولكن أيضا «في تفعيلها وتقييمها» (الفصل 12)، بل إن الفصل 13 يطرح إشكالا أكبر من خلال التنصيص على أن «إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها». إن الإشارة إلى التفعيل والتنفيذ يتطلب تنظيما إداريا مُحكما، وهو بدوره ورش واسع ومُتشعب، وهذا إضافة لنظام الملتمسات (الفصل 14) والعرائض (الفصل 15).
التحدي الثالث،يتعلق بممارسة الصلاحيات، من قبيل صلاحية البرلمان في تقييم السياسات العمومية التي ينبغي أن تكون شاملة وعميقة وليس مجرد تقييم تقني لمشاريع جزئية أو قطاعية، ومدى قدرة مختلف مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية في التفاعل الإيجابي مع مجال السياسة العامة للدولة والسياسات العمومية بما يُطور عملها، … إلى غير ذلك مما يتطلبه التفعيل الكامل لمقتضيات الدستور.

علاقة التحديات السابقة بالوضع السياسي ببلادنا خلال مرحلة ما بعد دستور 2011

لقد قام الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بتقييم شامل لمرحلة ما بعد دستور 2011. فقد اعتبر أن هذه العشرية الأولى كان من الممكن أن تُشكل قفزة سياسية، اقتصادية واجتماعية جديدة، نتيجة الحماس الاجتماعي الذي تلا حركة 20 فبراير والمواكبة الواسعة للمراجعة الشاملة للدستور وتحضير القوانين التنظيمية ذات الصلة بالاستحقاقات الانتخابية. إلا أنه تبين أن الحزب «الفائز» آنذاك، كشف عن عجزه على مسايرة الحمولة الديمقراطية للدستور الجديد.
لقد سجل الاتحاد الاشتراكي العديد من مظاهر عجز حزب العدالة والتنمية عن تحمل المسؤولية الكاملة، وقد تمثل ذلك مثلا في التنازل عن عدد من الاختصاصات الدستورية، سواء من خلال النصوص التشريعية أو من خلال الممارسة، ثم تجسد من خلال طريقة مُعالجة القضايا الكبرى للبلاد. لقد فشل الحزب فشلا ذريعا في محاربة الفساد، وفي القيام بإصلاحات إيجابية، بحيث انخرط في سلسلة من «الإصلاحات» كانت كلها محط جدال، من قبيل صندوق المقاصة، أو نظام التقاعد، أو التوظيف عن طريق التعاقد… إضافة لفشله في تدبير الشأن المحلي رغم احتلاله مركز الصدارة في الانتخابات الجماعية وتحقيقه لفوز كاسح في جل المدن الكبيرة والمتوسطة.
ورغم مشاركتنا في الحكومة الثانية، فإنه لم يتم تحقيق النتائج المرجوة منها نتيجة السياسة الحزبية الضيقة التي تم اعتمادها من قبل الحزب قائد التجربة.
ومع استحقاقات 2021، دخلت البلاد منعطفا جديدا يتمثل في إدخال نوعمن النمطية في المشهد السياسي من خلال تحالف حزبي ثلاثي هيمن على الحكومة ومجلسي البرلمان، وجل المجالس الترابية والغرف المهنية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل استمرت سياسة حرمان المعارضة البرلمانية من ممارسة حقوقها الدستورية، لدرجة أن الوضع أخذ صفة «التغول».

تصور الاتحاد الاشتراكي لإصلاح سير المؤسسات الدستورية وتأطيرها الدستوري

إن الاتحاد الاشتراكي ليس حزبا جامدا أو عاقرا، بل إنه يقوم على دينامية مستمرة. وقد بحث خلال المؤتمر الوطني الحادي عشر في مدى تأطير دستور 2011 للحياة السياسية بشكل فعال، ومدى إمكانية مُعالجة بعض الثغرات التي أبانت عنها الممارسة. فالحزب لعب، ولا يزال مستمرا، في التوجيه لورش الإصلاحات السياسية والدستورية ببلادنا، انطلاقا من دستور 1962، وبالتالي لا يُمكنه أن يبقىحبيس اللحظة، بل عليه أن يقوم بكل عمل استباقي لازم، ولو لوحده. ولنتذكر كيف أن استمر الحزب في هذا المسلك رغم تخلي حلفائه عن المطلب الدستوري، حيث بادر، ولوحده، برفع مذكرة تتضمن تصوره لمراجعة شاملة للدستور سنة 2009. وحتى على مستوى الحراك المجتمعي الذي شهدته بلادنا، خلال فبراير 2011، فإن الشعارات التي تم رفعها، رغم طابعها الشبيبي، وانخراط أطياف متعددة حزبيا ونقابيا ومدنيا، فإنها لم تستطع تجاوز سقف مطالب الأحزاب الوطنية الديمقراطية بصفة عامة ومطالب الإصلاح الدستوري للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بصفة خاصة.
ومع كل الأسف، فإن مرحلة تطبيق المقتضيات الدستورية وإصدار القوانين التنظيمية والعادية اللازمة، لم تكن في مستوى الأحداث، حيث أن الحكومات المحافظة لم تتمكن من تفعيل المقتضيات المتقدمة للدستور.
لهذا، سيبقى الاتحاد الاشتراكي مستمرا في الدفاع عن مبدأ المؤسسات الدستورية القوية، ويقوم بمتابعة الأوضاع بالشكل الذي يسمح بتسجيل الثغرات الدستورية التي ينبغي معالجتها بعد كل هذه المدة، وأساسا من ذلك الدفاع عن المؤسسة التشريعية قصد رفع هيمنة الممارسات الحكومية عنها وإحداث التوازن اللازم بين الأغلبية والمعارضة، وإعادة النظر في المنظومة التشريعية لكل النصوص ذات الصلة بمؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وباقي هيئات ومؤسسات الحكامة، قصد تحويلها إلى مؤسسات داعمة للعمل الحكومة في وضعها لسياساتها العمومية، من خلال تقديم الخبرة بأطر يتم اختيارها بناء على كفاءتها، وليس على انتماءاتها السياسية أو النقابية أو الجمعوية، وتعميق المقاربة التشاركية والتوافقية التي تم اعتمادها لصدور الدستور نفسه، عوض الارتكاز على القوة العددية.

 من خلال هذا التصور، وبعد 13 سنة من التطبيق، هل من حاجة لمراجعة دستورية؟

لا أعتقد أنه حان وقت الحديث عن مراجعة الدستور ما دام أنه ليس هناك لحد الآن ما يجعل تطبيقه عسيرا، وأن أقصى ما يُمكن الحديث عنه هو «تنقيح الدستور» فقط.
إن مراجعة الدستور، تتطلب اعتماد مسطرة الاستفتاء الشعبي، بينما تعديل بعض المقتضيات يُمكن أن يتم عبر البرلمان فقط.
لقد ميز الدستور في الباب الثالث عشر بين حالتين:
الحالة الأولى،تهم مراجعة الدستور عبر الاستفتاء الشعبي، حيث أن الفصول 172، 173، و174، وضعت مسطرة تهم المبادرة قصد مراجعة الدستور من قبل الملك أورئيس الحكومة أومجلس النواب أومجلس المستشارين، وفي كل الأحوال فإن المراجعة الدستورية تتم من خلال عرض مشاريع ومقترحات المراجعة، بمقتضى ظهير، على الشعب قصد الاستفتاء.
الحالة الثانية،تهم مراجعة بعض مقتضيات الدستور، حيث أنه للملك، وفق مسطرة أخرى، أن يعرض بظهير، على البرلمان، مشروع مراجعة بعضمقتضيات الدستور: وفي هذه الحالة «يصادق البرلمان، المنعقد، بدعوة من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، وذلك تحت مراقبة المحكمة الدستورية لصحة إجراءات هذه المراجعة، وإعلان نتيجتها (الفصل 174).
وواضح من خلال هذه المقتضيات، أن الأمر يتعلق في الحالة الأولى بمراجعة تهم مقتضيات جوهرية في الدستور وبالتالي تتطلب لزوما إقرارها بالاستفتاء الشعبي، أما في الحالة الثانية فيتعلق الأمر بما يُمكن أن نُسميه «تنقيح الدستور» أي مراجعة لبعض المقتضيات غير الجوهرية.
وفي هذا الإطار، يُمكن الإجابة عن مدى الحاجة إلى مراجعة أو تعديل أو تنقيح الدستور. إلا أنني أعتقد أنه لم يقع لحد الساعة، ما يجعل تطبيق الدستور عسيرا حتى نبحث عن مراجعة دستورية، دون أن يعني لك أن عذم إمكانية القيام ببعض التنقيحات التي ستزيد من تجويد مقتضيات الدستور.

سؤال أخير حول ورش الحماية الاجتماعية وعلاقته بالدولة الاجتماعية

نُسجل في البداية أن الاتحاد الاشتراكي يفتخر بانتشار استعمال مفهوم الحماية الاجتماعية وترويجه من قبل قوى ليس لها علاقة بالاشتراكية الديمقراطية. فبلوغ مجتمع الكرامة والمساواة والتنمية الشاملة، يتطلب ضمان التماسك المجتمعي وترسيخ المبادئ الكبرى للاشتراكية الديمقراطية، وذلك باتخاذ مجموعة تدابير ينبغي أن تتحمل الدولة مسؤولية إنجازها قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والوقوف بجانب الفئات المعوزة والفقيرة والمهمشة باعتماد سياسة مُندمجة تهم القطاعات الاجتماعية الأساسية.
إن منظور الاتحاد الاشتراكي، يستهدف إقامة صرح الدولة الاجتماعية، لأنه يروم تأسيس قطب اجتماعي يرتقي ببلادنا إلى مرتبة أعلى في مجال الإدماج الاجتماعي. ويتعلق الأمر بسياسة مُندمجة تتولاها الدولة في خمس مجالات أساسية تهم كلا من التربية والتكوين، الصحة، التشغيل، السكن اللائق، وتوفير البنيات والخدمات المرفقية الرئيسية، كما ورد في الورقة السياسية التوجيهية للمؤتمر الحادي عشر.
إن هذا القطب المندمج، لا يُمكن أن يقوده إلا صاحب الجلالة، باعتباره وحده المحايد في المشهد السياسي والحزبي وفي الخلافات حول البرامج الانتخابية وركائز السياسات العمومية.
ولهذا السبب، فإن تركيز الاتحاد الاشتراكي على «محورية الدولة» يتنافى مع ما تقوم به السياسات العمومية المتعاقبة والتي تستهدف بشكل أو بآخر، التنازلَ على القطاعات الاجتماعية الأساسية، خاصة في التعليم والصحة. وقد أبانت التجربة خلال جائحة كورونا على أن المجتمع المغربي لم يجد أمامه إلا القطاعات العمومية، التي مكنت الأفراد من حقهم في الحياة، وحق أبناءهم في التمدرس، وهو ما يُثبت صحة مواقف الحزب من خلال المراهنة على التعليم والصحة العمومييْن لتحقيق تطلعات الشعب المغربي، بما يتطلبه ذلك من إصلاحات.
كما أن صدور نص قانوني لتأطير الحماية الاجتماعية، يُعتبر مكسبا اجتماعيا جاء بناء على تعليمات ملكية، وينبغي على أية حكومة، في إطار سياساتها العمومية، أن تعمل على تنسيق كل تدخلاتها الاجتماعية المتفرقة بين مختلف الإدارات العمومية والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية، قصد خلق قطب اجتماعي قوي بحكامة رشيدة وفعالة، وخاصة مستقلة، تفاديا لأي استغلال سياسوي أو انتخابي.

 

* عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
أستاذ باحث بكلية الحقوق بوجدة


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 29/07/2024