تعاني العديد من المستشفيات العمومية من مشاكل متعددة تؤثر على جودة الخدمات المقدمة، وتقلّص من مردوديتها، وتؤدي إلى مزيد من تفشي السخط في أوساط المواطنين، والتي تتوزع ما بين الخصاص الكبير في الموارد البشرية، وسوء توزيعها، وقلة الإمكانيات في عدد من الحالات، إذ لا يكفي إحداث مرافق صحية في غياب أطباء متخصصين في تخصصات طبية مختلفة، وفي غياب تقنيين للإشراف على عمل المعدات البيوطبية المختلفة، للإجابة عن الاحتياجات الصحية للمواطنين، الذين منهم من يقطعون مئات الكيلومترات بحثا عن طبيب وطلبا للعلاج؟
احتياجات لا تتم تلبيتها بالشكل المطلوب في كثير من الحالات، وتكفي جولات بسيطة في أروقة عدد من المستشفيات العمومية للوقوف على جملة الأعطاب التي تولّد الغضب والاحتجاح بشكل يومي، ومنها طول آجال المواعيد، عدم التمكن من إجراء التحاليل المطلوبة كاملة فيها مختبراتها، بل وتوقفها عن العمل بشكل كلّي في كثير من الحالات، إضافة إلى إشهار ورقة الأعطاب في علاقة بأجهزة الفحص سواء بالصدى أو الرنين المغناطيسي أو السكانير وغيرها، دون الحديث عن الاحتجاجات والإضرابات التي تزيد من معاناة المرضى، مما يجعل من المستشفى العمومي مجرد مرفق «إسمنتي» يقوم فيه الشرفاء من مهنيي الصحة بواجبهم في ظل صعوبات متعددة، لا تمكنهم من ممارسة عملهم في ظروف صحية وعلى أكمل وجه، ولا تجعل المريض ولا المرتفقين راضين عنها، إلا في حالات «معزولة».
إشكالات هيكلية ترتبط بطريق تدبير الصحة في المغرب، والموقع الذي يحتله هذا القطاع في خارطة طريق الفريق الحكومي، على مستوى الميزانية من جهة، التي وإن عرفت ارتفاعا منذ فترة الجائحة الوبائية لكوفيد إلا أنها لم تصل بعد إلى المعدلات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، والتكوين والتوظيف والاستثمار من جهة أخرى، ومدى قناعة المدبّرين بأهمية أن يكون المستشفى العمومي قاطرة فعلية للصحة، مع تطوير شراكة متوازنة بين القطاعين العام والخاص، لا تغليب كفة الأخير على الأول، ومعالجة الاختلالات المرتبطة بالتمويل الصحي، أخذا بعين الاعتبار أن الفاعل الصحي يتضح من خطواته على أنه يشتغل بمعزل عن باقي المتدخلين الحكوميين، والحال أن الصحة كل لا يتجزأ، وتحتاج إلى رؤية شمولية متكاملة تشمل مختلف القطاعات، للوصل إلى حالة «اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا» الموصى بها.
وضعية تزداد قتامة في زمن ورش الحماية الاجتماعية، وإحداث هيئات لـ «الحكامة الصحية»، وهو ما يتطلب إعادة النظر في السياسة الصحية المعتمدة في إطار تكاملي بين كل المتدخلين لوقف آهات وأنين المواطنين، التي تعبر عن آلام تشمل ما هو صحي وما هو اقتصادي واجتماعي، ولا تقف عند حدود شقّ دونا عن الآخر، مما يؤكد على أن الأمة المرتبطة بالصحة هي أزمة مركّبة.