أفلا تستحق المملكة المغربية جائزة نوبل في التسامح والتعايش؟
استهلال
يعتبر المغرب أرضا للانفتاح والحوار بين الأديان وبين مختلف الثقافات، وتتمثل هاته الحقيقة في العديد من الملاحم البطولية، ومن خلال احتضان العديد من المؤتمرات الدولية المختلفة، ومن خلال المساهمة في تأسيس معالم ومعاهد لطلب العلم والمعرفة لشتى الأجناس، وسنعرج في هاته المحطة على إحدى المؤسسات الدينية المتخصصة في علم اللاهوت، (الموافقة)، والتي تتواجد في قلب العاصمة الإدارية بمدينة الأنوار بالرباط، هاته المؤسسة وهي التي تم إحداثها بمبادرة من الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية التي تتواجد عبر تراب المملكة المغربية، وذلك استجابة لحاجياتها في مجال التكوين الأكاديمي، وجعلها فضاء للتفكير والتكوين بغية النهوض بالحوار على المستوى الثقافي والديني، لتبديد المغالطات وكذا الاصطفاف ضد أي شكل من أشكال الترهيب والتطرف، وتلك وظيفة أساسية تقوم على جودة العلاقات القائمة بين مختلف الأديان المبنية على الثقة المتبادلة التي تعد مفتاحا أساسيا لبناء قيم الروابط الإنسانية الكونية، دفاعا عن الظروف المشتركة والعيش سويا في احترام تام مبني على السلم والسلام، ومن أجل بناء وتصليب وتقوية جسور الحوار والانفتاح مع ثقافة الإسلام ، وهي إرادة مغربية تجسد التقارب بين الشمال والجنوب ، وبناء حوار بين الأديان.
يعتبر المغرب دوما عبر تاريخه القديم والحديث أرضا للهجرة من إفريقيا ومن الشرق، وكما كان ملتقى الطوائف الدينية بمختلف ألوانها وأطيافها، بل كان ملجأ لضحايا العنف الديني، فإلى المغرب هاجرت طوائف وفرق دينية من الشرق تعرضوا للاضطهاد والتصفية والاغتيال، فهل ننسى ما تعرض له مولاي إدريس الأول؟ أو ما تعرضت له جماعة الخوارج، فأسسوا هنا دولا وإمارات ؟ كما كان المغرب ملاذا آمنا لليهود الذين تم اضطهادهم من طرف الإسبان بعد سقوط الأندلس، واليوم يستقبل إخوانه الأفارقة الذين يعانون الفقر والمرض والاضطهاد فاستحق المغرب أن يكون ملتقى الطوائف والأديان، واستمر على النهج بفضل ملوكه وسلاطينه، بل إن الإنسان المغربي متعدد الثقافات يسهل لديه أن يدمج ويندمج مع هذا المناخ المنفتح والمتفتح على كل الثقافات والحضارات والأديان، ولا يستحق أن ينظر إليه بتعصب وانغلاق كما يتمنى أو يحلم به البعض، وسيبقى المغرب مستمرا على هذا النهج لأن المغربي القح حر في رأيه وموقفه وإرادته منذ العهود القديمة، والمغربي الأمازيغي الصحراوي في السهول كما في الجبال قد استطاع أن ينصهر في بوتقة يجمع فيها بين كل الأجناس والأطياف بثقافتهم ودياناتهم، واستحق الاسم الذي أعطاه له (جاك بيرك )الذي اعتبر المغرب أرض الهجرات وكان يحلم أن يكون ولايات البحر الأبيض المتوسطية.
رمز من رموز التسامح المغربي الشامخ
وهبت إحدى السيدات المسماة قيد حياتها مدام سوزان غولان في 06 غشت 1949 بيتها بقلب العاصمة بالرباط ليتحول إلى بيت يكون رهن الإشارة لتقديم مختلف الخدمات العمومية الإنسانية من تطبيب وعلاج وتغذية وتوفير لمختلف الحاجيات من ألبسة وأطعمة لكل القاصدين هذا البيت الذي تحول إلى محج لكل من أحس بالفاقة أو الحاجة، وهو نفسه الذي سيتحول في ما بعد وبالضبط سنة 2012 إلى معهد الموافقة.
رواد معهد الموافقة من باحثين وأكاديميين في زيارة انفتاح وتواصل
وتشاء الصدف أن يزور وفد أكاديمي علمي من معهد الموافقة لإحدى المعالم الدينية بباب لعلو بالرباط، (ضريح سيدي العربي بن السايح)، وفي مقامه وروضته حيث تم لقاء تواصلي بين معتنقي الديانة الإسلامية والمسيحية وفيه تم التداول حول أهمية التربية الروحية وتزكية النفس من أجل إعداد وتنشئة إنسان يحمل روحا منفتحة ومتفتحة يقبل ويتقبل بالآخر دونما اعتبار لجنسيته ولا لعقيدته ولا لونه تجسيدا لوحدة الخالق والخلق والتكوين (كل من آدم وآدم من تراب)، وفق غاية توحد بين الجميع من أجل سلم وسلام وحوار مبني على الاحترام والتقدير القائم على الهدى والتقوى من الله سبحانه وتعالى.
المعلمة والصرح العلمي الأكاديمي
وبهاته الخطوة والتي أعقبتها خطوات مباركة تكللت بزيارة لمعهد الموافقة وتم الوقوف على بنيته الإدارية والعلمية والدينية، والأكاديمية حيث يضم مكاتب إدارية: مكتب مدير الموافقة، الكتابة، وقاعة للندوات والعروض، وقاعة خاصة،وخزانة علمية تضم أكثر من 6 آلاف كتاب باللغة الفرنسية والانجليزية والعربية ، ومطبخ، ومطعم، ومرقد للضيوف، وحديقة، وساحة للاستراحة، هذا الفضاء والمركب الأكاديمي تؤثثه وتعلوه أشجار باسقة وورود وأشكال نباتية متنوعة تزيده جمالا ورونقا، في تناغم بين المجال البيئي الطبيعي والمجال الأكاديمي اللاهوتي العلمي في حركيتهما الدؤوبة من أجل الأخذ والعطاء، وكما يسهر على مختلف الخدمات لهذا المرفق الأول والفريد من نوعه فريق مغربي دائم الحركة والابتسامة، بحيث لا يتوانى ولا يتأخر في تقديم مختلف الخدمات المرافقة والمبنية والقائمة على حفاوة الاستقبال وعلى نغمات كؤوس الشاي المغربي المنعنع الأصيل دون كلل أو ملل وخاصة في فترات الاستراحة الصباحية والمسائية، خلال فترة الدوام والعمل اليومي، أضف إلى هذا كله تلكم الزيارات التي يشرف عليها الفريق لضيوف معهد الموافقة إلى مختلف المآثر التاريخية والمعالم الحضارية، التي تزخر بها المملكة المغربية، لفائدة الزوار والطلبة والأساتذة الذين يستضيفهم المعهد فيجمعون ما بين طلب العلم وتحصيله وما بين السياحة الثقافية والعلمية للاطلاع على الحضارة المغربية وتاريخها العمراني العريق والتليد عبر قرون وقرون، ويجدر بالجهات المختصة أن تعمل على ربط كل الخطوات بذلها ويبذلها سلاطين وملوك المملكة من أجل تتويجه بإحدى جوائز نوبل العالمية وخاصة في ميدان التسامح والتعايش الذي بصم المملكة المغربية ملكا وشعبا وأرضا.