مع هدى الشماشي .. الكاتبة التي تبحر في عالم الإبداع ضد التيار

 

* شكرا لك هدى على قبول الدعوة. في سنة 2014 حازت روايتك “الشيطان” على جائزة مهمة، وهي الرتبة الثانية لجائزة دوزيم للأدب، لكن اخترتِ عدم نشرها. ما الذي دفعكِ لاتخاذ هذا القرار رغم الاعتراف المبكر بموهبتك؟
– كنت عندها في التاسعة عشر من عمري، وأعتقد أنه العمر المناسب للقراءة ومجابهة الأفكار جميعها وتمحيصها وممارسة نوع من التجريب الحر وتعلم الكتابة. لم يكن الأمر بالطبع أنني قد تلقيت عروضا كثيرة للنشر أو ما شابه، لكنني لم أسع لذلك أصلا، وبعد أشهر صار العمل يبدو لي ساذجا جدا، ويتسم بتلك الغنائية الحزينة التي تميزنا في بدايات الشباب والأحلام، وقلت لنفسي أنني لا أريد للناس أن يقرأوا هذا الكلام ولا أريده أن يكون جزءا “معترفا به” من مساري الإبداعي.

* أنت حاصلة على الإجازة في علوم الفيزياء. كيف أثّرت خلفيتك العلمية الفيزيائية على كتابتك الأدبية، وهل تجدين تداخلاً ما بين الدقة العلمية والخيال السردي مثلا؟
– أعتقد أن الفيزياء وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون قائمة على الخيال في كثير من أوجهها. ولذلك لا يتم قبول النظريات الجديدة بسهولة دائما. ثمة جرأة معينة وخيال من نوع خاص يمتلكه العالم الذي يقرر أن يخطو خارج النظريات القائمة، وثمة رحابة ذهنية يتطلبها فهم ودراسة الفيزياء على ما أعتقد. لذلك الخيال في الأدب مهم جدا، وبالنسبة لي كان غنيا ومساعدا في فن الكتابة. لأنه لا يمكن أن نكتب بدون خيال.

* فوزك بجائزة “سرد الذهب” عن قصة “مرثية العطر والبحر”، جاء في سياق عربي واسع. كيف تنظرين لهذه الجائزة؟
– أعتبرها بركة كبيرة وأنا مدينة لها بالكثير. وبالرغم من كل الانتقادات التي قد تطال الجوائز الأدبية، فإنها على ما أعتقد تدفع بالكثير من الأسماء إلى الأمام. وهذا أمر رائع طبعا، أما الاستمرارية فهي رهينة بالاجتهاد والمثابرة.

* تكتبين منذ سنوات، لكن التأخر في النشر كان ملازما لك. هل ترين حسب نظرك أن النضج الأدبي يحتاج إلى وقت أطول؟
ـبالتأكيد يحتاج الأمر إلى وقت. يتعلق الأمر أصلا بما تريده. هل تريد بالفعل أن تكتب أدبا جيدا؟. إذن فعليك أن تصبر. فضيلة الصبر في رأيي هي قوام الأدب الجيد غالبا.

* القصة القصيرة هي الجنس الأدبي الذي اخترتهِ في إصدارك الأول، المعنون بـ “لعبة القفز من النافذة». ما الذي يشدكِ إلى هذا الشكل الأدبي؟
ـ أحب القصص القصيرة عندما تكون قصصا قوية، وأعتقد أنها تتطلب نوعا مكثفا من العمل، ونوعا من الحذر أيضا. يمكن أن تتدارك جملك في رواية مثلا، ويمكن أن يسامحك القارئ على صفحات مملة بانتظار أخرى أفضل، ولكنك يجب أن تبقى متيقظا وأنت تكتب قصة قصيرة حيث كل غفوة قد تؤدي بك إلى المنحدر. هذا العمل على النص جملة فجملة يروقني جدا. فأنا عاشقة كبيرة للجمل الجيدة والقصيرة. والقصة القصيرة كي ينجح الكاتب في كتابتها يحتاج بأن يكون عارفا بذلك الذي يسمى (السهل الممتنع).

*تعملين في مهنة التعليم منذ سنوات، هل يُلهمكِ عالم الأطفال أو المدرسة في كتاباتكِ؟
ـ أنا انطوائية عموما، لكنني أعتقد أنني أستمتع بتعليم الأطفال ومجالستهم. هذا القرب من الدهشة الأولى والتعابير البسيطة القوية ملهم جدا. وهناك بعض الأطفال قد يلهمونك أحيانا للكتابة. لأن كل إنسان هو بحد ذاته عالم متفرد.

* كتبتِ للمواقع الثقافية الكبرى مثل “العربي الجديد” و”رصيف 22”. كيف تختلف الكتابة للمنصات الرقمية عن الكتابة الأدبية التقليدية؟
ـفي المنصات الرقمية يمكنك أن تلمس التفاعل وتقيسه أولا، كما يمكن لمجموعة من التعليقات مثلا أن تعلمك وتجعلك تطور من نفسك في اتجاه معين. بالإضافة إلى ذلك ثمة “شللية” معينة تطبع النشر في المجلات الأدبية الورقية، وأنا لا أشتكي هنا طبعا. لأن العمل الجاد يمكن أن يذيب بالنهاية كل أنواع المعيقات. التجربة أفادتني ولا تزال. القارئ الذي لا تعرفه ولا يعرفك مهم جدا. لأنه يقرأ نصك كنص لا كشخص. لذلك ما يقولونه حول نصك الذي قرأه يكون في الغالب كلاما معقولا.

* في ظل تصاعد أصوات نسائية كثيرة في الكتابة، كيف تنظرين إلى وضع الكاتبة في العالم العربي، وللنساء عموما؟
– أرى أن النساء يرزحن تحت نير مجموعة من الإكراهات التي يتداخل فيها الثقافي بالحقوقي والقانوني، وهذا ليس وضعا جديدا، كما لا أظن أنه سينتهي قريبا. من ناحية أخرى، وعلى مستوى الأدب، أفضل أن أصنف نفسي كصوت للإنسان المقهور عموما، رجلا كان أو امرأة. المرأة تعاني والرجل كذلك. الوضع شبه مأزوم. هذا ما يمكن قوله بكل بساطة.

*أنت ابنة الريف، والجميع يعلم أن هذه المنطقة أمازيغية ولها خصوصية متفردة، أنت أمازيغية وتكتبين بالعربية. كيف تعيشين هذا الازدواج اللغوي ككاتبة؟
– كتب العظيم كيليطو في مكان ما أن الكاتب هو حارس للغته. ولقد فاتني أن أكتب بالأمازيغية للأسف، ربما لأنها لم تكن مدرجة أصلا في المواد المدرسة عندما كنت تلميذة، كما نعلم أن تدريسها لا يزال يتخبط في مجموعة من المشاكل حتى الآن أصلا. ولكن يمكن القول إنك ستلمس في كتاباتي روح اللغة والثقافة الأمازيغيتين في منطقة الريف، من الأماكن إلى الأشعار “ إزران” إلى التاريخ البطولي الذي نفخر به. وربما من “العناد” الذي تتسم به شخصياتي أيضا كما قال أحد النقاد، إذ أنني في النهاية امرأة من “ أيت ورياغل”.

* الكاتب الروسي تولتسوي، يقول إن الفن العظيم، ولاسيما الرواية، هو ما ينقل إحساسا إنسانيا مشتركا، ويجعلنا نشعر بأننا بشر معا. هل هناك نية العودة لكتابة الرواية بنفس سردي مختلف؟
– سيكون عملي التالي روائيا غالبا. لدي أشياء معينة في رأسي، وعودة إلى موضوع الريف، فهو سيكون حاضرا بقوة برموزه وتاريخه في هذه الرواية. وأتمنى طبعا أن تأتي على قدر مستوى حسن الظن لعدد من القراء الطيبين الذي أغدقوا علي دعمهم دائما.


الكاتب : حاورها: إلياس الخطابي

  

بتاريخ : 16/06/2025