قتل جندي مغربي ومعه 3 كمبوديين، بعد تعرض دورية لقوات الجيش المغربي ببعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا) لهجوم شنته ميليشيا «الأنتي بالاكا»، يوم الاثنين الماضي. وأتى مقتل الجندي، بعد فشل مفاوضات أجراها الجيش المغربي مع مختطفيه للإفراج عنه في إطار صفقة لتبادل الأسرى.
وكان عسكريان مغربيان، أحدهما برتبة ضابط، ينتميان إلى تجريدة القوات المسلحة الملكية العاملة قد قتلا في يناير الماضي في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا). حيث تعرضت دورية للتجريدة المغربية لهجوم نفذته جماعة مسلحة مجهولة، أثناء خفرها لقافلة لوجستيكية للأمم المتحدة، جنوب شرق مدينة بريا.
وتتكون تجريدة القوات المسلحة الملكية ضمن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية افريقيا الوسطى (مينوسكا)، من 300 عسكري أرسلها المغرب الى دولة جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2013 للمساهمة في إرساء السلام في إطار بعثة الأمم المتحدة.
حادثة القتل التي تعرض لها الجنود المغاربة بإفريقيا الوسطى ليست هي الحادثة الوحيدة التي تعرض فيها مغاربة للقتل في حروب بعيدا عن حدود بلادهم الجغرافية، فتاريخيا، توجد إشارات تاريخية كثيرة إلى وجود رجال مغاربة داخل جيوش عربية خاضت معارك ضارية، وليس أدل على ذلك من الجنود المغاربة الذين تركوا أرواحهم في معارك فرنسا ضد النازية، فضلا عن الحروب التي شنها الجيش الفرنسي في الهند الصينية وكمبوديا، وأيضا هؤلاء المغاربة الذين شاركوا في حرب الجولان.. وغيرها من الحروب، كعاصفة الصحراء وعاصفة الرمال.
ففي أكتوبر 1973، قرر الملك الراحل الحسن الثاني، مشاركة المغرب في حرب أكتوبر ضد إسرائيل، والقتال في الجبهة السورية للحرب التي قادتها مصر ونظام حافظ الأسد على إسرائيل.
سقوط 170 جنديا في حرب أكتوبر 1973
كان الآلاف من الجنود المغاربة يرابطون بهضبة الجولان تحديدا، حيث أخذوا أماكنهم في الخط الدفاعي الثاني، على السفوح الشرقية لمرصد جبل الشيخ، الذي يتواجد على ارتفاع 2114 متر من سطح البحر. هذا التموقع كلف المغاربة خسائر بشرية هامة في حدود 170 شهيدا، ويروي محمد لومة خريج الكلية الحربية السورية، والذي كان يراقب الحرب حينها من لبنان من موقعه كقائد عسكري لقطاع العرقوب التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. (يروي لومة) أنه تم الإيقاع بالجنود المغاربة في»ثغرة»، كان ورائها اللواء السوري حلاوة ذو الأصل الدرزي، عندما دخل في صفقة مع الإسرائيليين، وفتح بموجبها «ثغرة» بالليل لهجوم صامت من أجل اختراق الصفوف السورية، فكانت الضربة القاضية للمغاربة، الذين فوجؤوا، فسقط منهم عدد من القتلى والجرحى، وهكذا (يضيف لومة) أصبح الهجوم صاخبا بعدما تم استعمال الدبابات، المدفعية، والرشاشات الثقيلة. غير أن الجيش السوري استطاع مواجهة الموقف، وأعدم في اليوم الموالي القائد حلاوة ، الذي اعتبر خائنا، وفي هذا الصدد نفى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في برنامج «زيارة خاصة « على قناة الجزيرة، اتهامات بعض الأوساط للخيانة الدرزية في حرب أكتوبر.
أما في الجبهة المصرية فقد فتح الإسرائيليون بقيادة إرييل شارون «ثغرة الدفرسوار»، غرب قناة السويس، لكن هذه المرة ليس بسبب الخيانة، وإنما لضعف المدرعات المصرية، كما أورد ذلك اللواء سعد الدين الشاذلي في كتابه «مذكرات حرب أكتوبر». وكان حينها قد حلت تجريدة مغربية (ضمت ستة آلاف جندي) لكنها لم تسجل أي عمل يذكر بسبب وقف إطلاق النار في 24أكتوبر.
لقد سقط العشرات من الجنود المغاربة في ساحة الحرب بجبهة الجولان، وكان ضمن الشهداء العقيد العلام، ولكثرة الضحايا تقرر دفنهم في مدينة القنيطرة إلى جانب زملائهم العرب من مسيحيين ومسلمين. وهو ما تعبر عليه شواهد القبور التي لا زالت ماثلة في مدخل مدينة القنيطرة بمقبرة الشهداء.
عاصفة الحزم
في ماي 2015، نشر حوثيون صوراً للطيار المغربي من رتبة ضابط «ليوتنان» في القوات الجوية الملكية المغربية، ياسين بحثي، والذي سقطت طائرته من طراز إف 16 ، في الأراضي اليمنية بالقرب من الحدود مع السعودية. كما أظهرت قنوات تلفزية تابعة لجماعة «أنصار الله» الحوثية عدداً من رجال القبائل في المنطقة الجبلية التي شهدت سقوط الطائرة المغربية، وصوراً لحطام الطائرة المغربية، وقد تشتتت إلى أجزاء صغيرة متفرقة، وأيضاً علبة تثبت الرقم التسلسلي للطائرة. وقد أتى مقتل الطيار البيضاوي في سياق مشاركة المغرب في «عاصفة الحزم» في اليمن، دعما للشرعيــة فــي اليمن ودفــاعا عــن تهــديد الأمن السعودي.
وقد أجمعت الروايات التي أعقبت سقوط المقاتلة المغربية «إف 16» باليمن، أن الطيار المغربي ابن حي كاستور بالحي المحمدي بالدار البيضاء، والذي يقطن مدينة مراكش، قد اختار طوعا الانخراط في عملية الحزم، علما أن عمره لا يتجاوز 26 سنة، وهو ما أشار إليه الضابط المغربي في تدويناته الفايسبوكية.
ورغم أن كل المؤشرات تؤكد اعتراف الحوثيين بالمواثيق الدولية، إلا أن مصير الضابط المغربي ما زال إلى حدود كتابة هذا الملف مجهولا، رغم أن قناة «المسيرة» اليمنية قد عرضت حطام الطائرة العسكرية واعتبروا سقوطها انتقاما ربانيا من مهاجمي سكان قرية صعدة العزل، على حد تعبير بيان الحوثيين المدعمين من طرف إيران.
وحسب المعطيات المتوفرة لدى القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية المغربية، فإن ياسين بحتي قد شارك في الأسطول الجوي المغربي الذي ساند الإمارات العربية المتحدة في غاراتها على تنظيم «داعش»، قبل أن يلتحق بعملية الحزم التي تبنتها المملكة العربية السعودية.».
من أجل فرنسا والحلفاء
لعب المغاربة أدوارا كبيرة في ساحات المعارك، حيث يخبرنا التاريخ أن «المغاربة» كانوا في طليعة «المقاومة الفرنسية» في الحرب العالمية الثانية (مابين 1942 و1945)، وأنهم أبلوا البلاء الحسن أمام الألمان وسجلوا حضورهم الكاسح في كناش البطولات التي مازالت تحفظها لهم الدولة الفرنسية حتى الآن (قدماء المحاربين)· فقد كان الجيش الفرنسي، آنذاك، يضم مجموعات من «أبناء إفريقيا الشمالية»، بلغ عددها حوالي «127ألفا و875 متطوعاً»، شكل منهم المغاربة 28 بالمئة، والجزائريون 53 في المئة، والتونسيون 19 في المئة· وقد سقط منهم في «ساحة الشرف» 11139 قتيلا و39645 جريحاً (!)·
وفي بلجيكا نجحت مساعي مسؤولين سياسيين بلجيكيين يحملون هوس اندماج الجالية المغربية ومواجهة العنصرية المتصاعدة ضدها، في جعل الرأي العام البلجيكي يكتشف بعد ستين سنة من الحدث، أن عشرات القتلى المدفونين في مقبرة شاستر- جومبلو، جنود مغاربة حاربوا تحت لواء الجيش الفرنسي وأدوا حياتهم ثمناً للدفاع عن حرية بلجيكا والقيم الديمقراطية التي ترفعها ضد قوى الظلام النازية، وفي منطقة معركة جومبلو بالذات، مما من شأنه أن يدفع الإعلام عموماً لإضفاء عنصر إيجابي على الوجود المغربي في بلجيكا اليوم، كعنصر ليس غريباً و لا جديداً على البلاد. فقد يكون أعضاء الجالية المغربية فيها أحفاد أولئك الجنود الراقدين تحت تراب جومبلو والذين تتمع بلجيكا بثمرة تضحياتهم. ولقد كانت مراسيم التكريم السنوي لضحايا معركة 13 مايو 1940 تقضي برتوكولياً بتحية العلميين البلجيكي والفرنسي وأداء النشيدين الوطنيين بحضور أفراد من سلطات البلدين العسكرية والمدنية والديبلوماسية، إلا أن سنة 2001 عرفت تطوراً في هذا المسار، إذ تمكن «آندري فلاهو» وزير الدفاع البلجيكي آنذاك من جعل الاحتفال ثلاثياً، بإضافة العنصر المغربي، علماً ونشيداً وطنياً وجمهوراً، في أجواء لم تخل من صعوبات سياسية ودبلوماسية وبروتوكولية..
والملاحظ أن الحضور الرسمي المغربي في هذه الأجواء أصبح يتزايد عاكسا الاهتمام بالجنود المغاربة المنسيين على مدى عشرات السنين، وأن دبلوماسيي وعسكريي المغرب أصبحوا مواظبين على تحضير هذه الزيارة الموسمية وتأطيرها، وقد نظمت السفارة المغربية هذا العام مأدبة غداء استدعت لها عدداً من الشخصيات والفعاليات.
لقد سقط حوالي 233 جنديا مغربيا خلال معركة جومبلو-شاستر، المعركة البرية الوحيدة التي انتصر فيها الجيش الفرنسي خلال حملة ماي 1940، وأول معركة بالدبابات في التاريخ العسكري العالمي، كما يقول القروتي. وقد جندت قوات الحماية المغربية 300 ألف مغربي للعمل في قوات التحالف، ودفعت بهم إلى معارك قوية في مناخ مغاير تماما للمغرب، ووضعتهم في الجبهات الأولى بإيطاليا وفرنسا وبلجيكا والنمسا، ولقب الجنود الألمان الكتائب المغربية بـ«مبتلعي الموت». لم يتوقف الانتداب مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بل انضم الجنود المغاربة إلى الفيلق الفرنسي للمشاة بالشرق الأقصى، الذين شاركوا في حرب الهند الصينية، الأولى في الفيتنام مع الجيش الفرنسي والأمريكي سنة 1946.
حرب الزايير.. مغاربة قتلوا
في الأدغال
في سنة 1979، ، بلغ عدد المظليين المغاربة الذين توجهو إلى الزايير (الكونغو الديمقراطية حاليا) 1500 جندي مغربي، وقد علل الملك الراحل المشاركة المغربية في حرب لا تهم المغاربة، بعمق العلاقات الطيبة التي كانت تجمعه بالرئيس الزاييري موبوتو سيسي سيكو، الذي وصفه بصديق المغرب، وأيضا الالتماس الذي قدمه سيسي شخصيا. وقد انتهت حرب الزايير بإصابات متفاوتة الخطورة في صفوف المغاربة، وأعلن عن استشهاد الجندي المغربي الجيلالي بن عبد الله بن عزة.
وبعد سنوات على تلك الحرب، عاد المغاربة ضمن جنود القبعات الزرق. لكن المهمة الأممية كادت أن تنتهي بفاجعة مغربية، بعد وقوع الجندي المغربي رشيد زهيد في الأسر، واعتقاله من طرف المتمردين، لكن تدخلا أمميا انتهى بإطلاق سراحه.
رجل إطفاء في الدوحة
ما زالت صورة الإطفائي المغربي، طارق الغوباشي، تتصدر مدخل مقر إدارة الدفاع المدني القطرية، اعترافا بجهوده وإيثاره ونبل مشاعره وحرصه على أداء الواجب المهني مهما كلف الثمن. قصة هذا الشاب البالغ من العمر 35 سنة، المتحدر من مدينة فاس رغم أنه من مواليد مدينة تازة، بدأت باغتراب في قطر وانتهت بوفاة في الدوحة إثر تدخل لإخماد حريق مهول. فارق طارق الحياة متأثرا باختناق شديد خلال مشاركته في إخماد حريق مهول شب بأحد المخازن بالمنطقة الصناعية. وأكدت السفارة المغربية بقطر، أن الأمر يتعلق بمواطن يبلغ من العمر 36 سنة، يتحدر من مدينة فاس.
حسب تقرير سفارة المغرب في الدوحة، فإن التحريات الأولية كشفت عن اختناق شديد تعرض له رجل الإطفاء، بعد أن داهمه الدخان وألسنة النيران وهو يقتحم مكان الواقعة، نقل على وجه السرعة إلى مستشفى «حمد» بالدوحة، وهناك لفظ أنفاسه، وتقرر نقل جثمان الفقيد إلى مدينة فاس ليوارى الثرى في مسقط القلب، عاد جثة هامدة إلى العاصمة العلمية التي غادرها إلى الدوحة وعمره 22 سنة يحمل حقيبة أحلام.
لكن إدارة الدفاع المدني القطري في الدوحة، أصرت على تنظيم مراسيم تشييع رسمية للفقيد وذلك قبيل ترحيل جثمانه الى المغرب باعتباره «شهيد الواجب»، اعترافا بالخدمات الجليلة التي قدمها خلال مشواره المهني في قطر.
لم يتوقف الاعتراف عند حدود كلمات التأبين، بل إن أسرته تلقت تبرعات من مواطن قطري، وتعويضا عن الخدمة، كما أرسلت الأم الثكلى إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج.
وكانت صحيفة «الراية» القطرية، التي نشرت الخبر وخصصت له صفحة كاملة، قد كشفت عن المبادرة، وكتبت بخط عريض في صفحتها الأولى: «رحم الله شهيد الواجب وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان»، مضيفة «هكذا يتفاعل الشعب
ورجال الأمن، كلهم حماة الوطن، والمجد للمخلصين والعز للوطن».
في 11 فبراير 2014 ووري جثمان طارق الغوباشي بمقبرة ويسلان بمدينة فاس، انطلق الموكب الجنائزي من منزل والديه بتجزئة مينة بحي النرجس، وكانت السلطات القطرية قد حرصت على إيفاد الجثمان على متن طائرة خاصة من الدوحة إلى الدار البيضاء، رفقة مسؤولين من الحماية المدنية بدولة.