تعد القصة القصيرة والقصيرة جدا من أبرز الأشكال السردية الناجحة التي ظهرت في الساحة الأدبية، لأنها أكثر التحاما بالواقع المعيش، وسجل جامع لمشاغل المجتمع وتطلعاته وأكثر تعبيرا عن هويته.
سنقارب المؤلف من خلال أربعة عناصر أساسية وهي :العناوين – الموضوعات – الشخصية أو القوى الفاعلة – الأسلوب.
أولا: مقاربة العناوين
مقاربة العنوان الرئيسي
يعرف ليو هوك، مؤسس علم العنونة الحديث أنه « مجموعة العلامات اللسانية (…) التي يمكن أن تدرج على رأس نص لتحدده، وتدل على محتواه العام، وتغري الجمهور المقصود .فالعنوان علامة لسانية، وعليه يتشكل من دال ومدلول ودور القارئ والجمهور هو الربط بينهما لتحقيق الدلالة التي يستدل بها لإدراك محتوى النص، كما «يستند على الاعتباطية التي تحقق أكثر من غيرها العملية، هذه العملية تجعل من العنوان ذي وظيفة تبليغية وتبعث الحياة فيه مفجرة إياه إلى مدلولات لامتناهية.
يتكون العنوان من كلمتين:
ديوان: الديوان كلمة فارسية معربة، ومعناه مجتمع الصحف، أي الكتاب أو السجل. أما تعريفه الاصطلاحي فهو -كما يقول الماوردي: موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال، ومن يقوم بها الجيوش والعمال .ويقال ديوان الشعر أي المكان الذي تتجمع فيه القصائد.
2- الحكواتي: راوٍ شعبيّ، كما يُعرف في بعض البلاد العربيّة… والحكواتي أو الراوي أو القصّاص أوالقاصّ، وهو شخص امتهن سرد القصص، في المنازل والمقاهي والطرقات والساحات، كان يحتشدحوله الناس قديماً، كان لا يكتفي بسرد أحداث القصة بتفاعل دائم مع جمهوره، بل يدفعه الحماس لأنيجسد دور الشخصية التي تنجز الحدث.
بناء على هذه المقاربة يمكننا القول إن المؤلف هو تجميع لحكايات يقوم بها سارد له خبرة ودراية ومقدرة وموهبة على السرد.
الحقل الدلالي العنوان:
نجد في هذا العمل تعددا للحقول الدلالية وتنوعها وغناها. كما تتوزع الحقول الدلالية بين ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي ونفسي…
انحراف – تحفز – تخاطر – تصادم – ثأر : الثورة والتمرد والتحدي
الجميل – حبيب – عصفور – الفيل:الرومانسية والطبيعة
إدمان – أرملة – اغتيال – تقشير – تهميش: الموت والدمار والخراب
أسير – اختفاء – تيه – حيرة – صمم: الوحدة والعزلة والانغلاق
أحوال – ابتسامة – التجربة – ضحكة – شلال: الحياة والتجدد والبعث
ألم – تعب – خيبة – شكوك – مرارة: الخيبة والتذمر واليأس
– بلاغة – شاعر – سؤال – فراسة: الفن والابداع والمعرفة
انتظار – كبرياء – سأم – نصيحة: الصبر والتحمل
الدين الكاهن – مانوية: الدين
السخرية تهكم – العنكبوت: السخرية
الانفتاح والتواصل اعتذار – تعليل – خبر: الانفتاح والتواصل
العدالة الشاهد: العدالة
ثانيا: المقاربة الموضوعاتية
أو التيماتية
يهدف النقد الموضوعاتي إلى استقراء التيمات الأساسية الواعية واللاواعية للنصوص الإبداعية المتميزة،وتحديد محاورها الدلالية المتكررة والمتواترة والوقوف على مضامينها ورسائلها…
انطلاقا من هذه المقولة سنعمل على تعرف الموضوعات التي حظيت باهتمام الكاتب اعتمادا على العناوين باعتبارها مفاتيح للنصوص، وإذا افترضنا جدلا أن كل عنوان يختزل فكرة تشكل نواة الموضوع أو تيمته سيصل عدد الموضوعات إلى 315 موضوعا مستقلا وهو العدد الإجمالي لنصوص ديوان الحكواتي.وبجرد سريع ومركز لتوجهات هذه الموضوعات سنلاحظ أنها ترتبط بعدة قضايا نذكر منها:
* قضايا اجتماعية ترتبط بالفقر والصراع من أجل البقاء والمجاعة والاستغلال والتفقير والتجويع..والإدمان تعاطي المخدرات سوء الحظ الهجرة السرية حوادث السير العنف بكل أشكاله.. البر بالأم
* قيم اجتماعية النفاق العدالة والظلم الإقصاء..
* قضايا سياسية ترتبط بالفساد والرشوة وتبيض الأموال والكذب والادعاء والتحايل والبيروقراطية والحروب…
* قضايا نفسية الحب والجمال والانفعال والغضب والمشاكسة البحث عن السعادة ..
* قضايا فلسفية وفكرية ترتبط بوجهات النظر التي ترتبط بموقع كل فرد والحكم على الأشياء والبحث عن الذات ومعنى الوجود والدعة لاختبار الحياة…
* قضايا إنسانية تتمثل في الدعوة إلى التفاعل معه والانفتاح على الآخر لمزيد من العلاقات القائمة على الحوار والتواصل ونكران الذات.. تبادل الهدايا والعواطف
* قضايا ثقافية استغلال مجهودات الأخرين للحصول على الشهرة والمال..
* قضايا دينية التعايش بين الأديان قبول الأخر ..
ثالثا: الشخصيات
القوى الفاعلة
تعدُّ الشخصية ركناً أساسياً من أركان النص السردي. ومن أهم علماء الغرب الذين اهتموا بمفهوم الشخصية وطوروه نجد رولان بارتعندما قال معرفا الشخصية الحكائية بأنها : « نتاج عمل تأليفي وكان يقصد أن هويتها موزعة في النص عبر الأوصاف والخصائص التي تستند إلى اسم علم يتكرر ظهوره في الحكي».
نلاحظ تنوعا في القوى الفاعلة على مستوى الكم والكيف والنوع. عدد هائل من الشخصيات بدون أسماء تتحدد فقط بأفعالها وأوصافها تنتمى لمختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية والسياسية ومن ثقافات مختلفة، ومن مختلف الأجناس والأعمار.. كما وردت قوى فاعلة حيوانية. يكفي أن نلقي نظرة عامة عن القوى الفاعلة التي تنهض بالحدث لنكتشف هذه الحقيقة.
يمكن تصنيف هذه القوى الفاعلة إلى:
* قوى فاعلة / شخصيات إنسانية: المرأة، الرجل، الطفل… العامل، العاطل، الشاعر، المهرج، الساحر… والملاحظ أن الكاتب لا يذكرهم بأسمائهم باستثناء نصين اثنين: الأول ذكر اسم عبد الحق(نص: فقط 1و2. ص 57). وامرأة اسمها وردة (نص: وردة. ص 147)
* قوى فاعلة حيوانية: الفيل، الزرافة، الطاووس، الدبّ، الذبابة…
* قوى فاعلة طبيعية: الوردة البيضاء…
* قوى فاعلة أجنبية: الرجل الإفريقي – السائح الأوروبي…
كم هائل من الشخصيات من مختلف الأعراق والجنسيات والبلدان والقارات وظفها السارد لتبليغ رسائله وإغنائها وإعطائها بعدا إنسانيا وكونيا.
رابعا: الأسلوب
اللغة:
وظف السارد معجما لغويا غنيا جدا:
* كلمات عامية مغربية كالزيف (غطاء الرأس)
* كلمات أجنبية كاميرات – البيانو – المانيكان –
الاقتباس نص مقتبس من ذهول وارتعاشات وهي رواية آميلي نوثومب.
* أسماء الأعلام: ألبر كامو (كاتب فرنسي) – نوبوبوكي تسوجي (عازف بيانو) – بارك غيون هاي (رئيسة كوريا الجنوبية) لوي التوسير (فيلسوف).
* العجائبية
سنختار تعريف تودوروف للعجائبي والذي يربطه بالتردد في تقبل الحدث وتفسيره إذ إن التردد هو الذي يمدّ العجائبي بالحياة. والتردد هنا يحصل مع المتلقي، ويضطره للاختيار بين التفسير الطبيعي وغير الطبيعي وحينئذ يسهم في خلق الفعل العجائبي.. فهو يربط العجائبي بتأويل الحدث وليس الحدث في حدّ ذاته.
وعلى الرغم من هيمنة الواقعية على مجمل النصوص إلا أنها لا تخلو من نصوص ذات بعد عجائبي وأسطوري وخرافي له جذور في التراث العربي القديم كما هو الحال في كتاب كليلة ودمنة حيث حوارات تجري على لسان الحيوانات. ووظف السارد الحكاية العجائبية ـ مع ندرتها ـ لأغراض أخلاقية.. (شخصيات حيوانية الأرنب ـ اللبؤة..) وظف السارد هذا النوع من الكتابة لإبلاغ رسائل مشفرة ومعلنة عن طريق لرمز والتلميح، وهي رسائل إنسانية وسياسية وأدبية.. وقد تمكن هذا النوع من الكتابة اكتساب طابع العالمية.
* الانزياح:
من الظواهر اللافتة للانتباه في المؤلف، هو ما يجعل هذه النصوص السردية قريبة من شعر الومضة أو الشذرة. يقول:
ما عدت أستطيع النوم
تعبت قدماي
تعبت..
تعبت كثيرا من المشي ليلا
في رأسي..
(تعب: ص 23)
على سبيل الختام
آمل من خلال هذه المقاربة أن أكون قد نجحت في إضاءة جانب من خصائص الكتابة السردية عند الكاتب المبدع عبد الحميد الغرباوي والتي تحتاج غلى أكثر من وقفة وقراءة، وبالتالي فتحت شهية القراء ليكتشفوا هذه التجربة بأنفسهم.