منصات تواصلية.. محتويات مضللة وتسويق مؤثر

عمر الشريف واسمه الأصلي ميشيل ديمتري شلهوب (10 أبريل 1932 يوليو 2015) ممثل مصري، ونجم من نجوم السينما المصرية والعالمية، ومن أشهر أدواره بطولة كل من أفلام: دكتور جيفاغو، الفتاة المرحة، لورنس العرب. ترشح الشريف لجائزة الأوسكار، كما نال ثلاث جوائز غولدن غلوب وجائزة سيزر. له ريبيرتوار طويل عريض في السينما المصرية.
في آخر أيامه، أجرت معه قناة عربية حوارا مشوقا حول تجربته مشواره الفني الزاخر، فقال كلاما خطيرا مهما جدا، واستمر الحوار مع الصحفية بطريقة عفوية وصادقة. حطم عمر الشريف خلالها كل الطابوهات والمسلمات بل خلخل كل التمثلات لدى المتلقي باختلاف مشاربه، لا سيما منها المألوفة المحفوظة عن النجومية، التمثيل الإبداع والمجد الشهرة»
في لهجة ساخرة، في ما يشبه جلد الذات، لكن بأسلوب عاقل، قدم عمر الشريف توصيفا مدهشا لمجمل أعماله الفنية، وسخر من كل ما قدمه في حياته من أفلام ومسلسلات وقلل من أهمية العديد من الأدوار الفنية التي قادته إلى النجومية العالمية، وبخس بطولاته بكيفية مريبة وغاية في الذهول. كان يقول للصحفية «مش عارف إيه العبط اللي كنت بعمله ده» أحفظ كلمتين من السيناريو، وأقولهم أمام الكاميرا، وأحصل على ملايين الدولارات «ليه يعنى هو أنا عملت أيه للبشرية؟ والا نفعت الناس بإيه؟».
في أحيان كثيرة كانت الصحفية تحاول معارضته قائلة «يكفى إن حضرتك أكثر ممثل عربي مشهور» فكان يرد على الفور ضاحكا ساخرا .. وقال «وإيه يعنى ؟؟»وتابع هذا النجم العربي المصري قوله «أنا دلوقت فيه ناس تعرفني في اليابان وفى البرازيل وفى جنوب إفريقيا، ولكن بقعد في البيت لوحدي في ضيق وملل»، ويضيف بأسى عميق وحسرة تدعو إلى الإشفاق» كنت أتمنى أقعد، أتعشى على ترابيزة صغيرة، وحولي زوجتي وأولادي، وأحس بناس معايا، أحبهم ويحبوني وهما جزء من حياتي»
إذا كان هذا هو رأي فنان وممثل ونجم عالمي في السينما والتلفزيون مثل عمر الشريف، فما الذي يمكن أن يقنعنا به جيل جديد من الفنانين والإعلاميين الذين سقطوا في فجأة في حقل الصحافة والإعلام بالمظلة، ووجدوا أنفسهم بصدريات وميكروفون وذاكرة مختلة؟
اليوم، تطفو على سطح مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الأشرطة والفيديوهات ذات المحتويات المفبركة الرديئة الإنتاج والإخراج.
وتتهافت المشاهدات القياسية على جميع هذه المنصات، محققة لأصحابها بشكل لافت شهرة ونجومية فضلا عن أرباح مالية مهمة.
وبينما تقدم هذه المحتويات لعموم المشاهدين، على شكل معلومات ومعارف بتلقائية مضللة، وعلى الرغم من وجود كلام ساقط ومبعثر، وجمل مرتبكة ومهزوزة وأفكار مرتجلة وغاية في الغرابة والدهشة، نجد آلية التلقي لدى المشاهد المفترض تكبر وتتسع، والسبب هو التقنية المغرية الجذابة وآلية التسويق المبهرة صورة وصوتا، تقنية تجعل المشاهد مقتنعا واثقا ومصدقا، معتبرا الحدث حقيقي، يتم نقله بأمانة، من أجل استيعاب الدرس ولأخذ العبر. ويعمل جاهدا على إيهام المشاهد المفترض كما لو أن العمل يعد حقا من إنتاج إعلام المواطنة، رغم أن حمولته، وأهدافه كارثية ومقيتة، وخطورته جارفة على القيم والأخلاق، وإنتاجه وإخراجه بأبعاد شائكة ومضللة، تظل في حاجة إلى مقاربة سيكوسوسيولوجيه واعية وتحليل فكري عميق.
هل يتحسن مزاجنا فعلا، عندما نفتح بوابات التواصل الاجتماعي؟ وهل نشعر بالسعادة النفسية حين نشرع في تقليب المحتويات، وتصفح الأوضاع والحالات الوقائع والأشياء الصادمة والمفرحة؟ ومالذي نجنيه مقابل هذا الوباء الاستكشافي صعودا ونزولا غير ألوان من الفضائح المجتمعية والأعطاب النفسية والأشياء المعيشية المذهلة غير الصدمة تلو الأخرى؟
يعتقد الكثير من الناس أن سعادتهم تكبر، وينشرحون غاية الانشراح، وهم يستكشفون عوالم اجتماعية مغايرة، على شاشات هواتفهم ولوحاتهم الإلكترونية، عوالم مدهشة، رحبة، وبعيدة عن المألوف.
وفيما يتنفسون الصعداء، كلما غطسوا في بحر هذا المحيط التواصلي الأزرق السحيق، يزداد منسوب ابتعادهم عن واقعهم المعيش، وتنمو لديهم شخصية بمشاعر ملتبسة غامضة، كلما شعروا بمستوى عال من التفاعل مع فضائح هذا العالم الافتراضي وعجائبه ومغرباته..


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 25/03/2022