الصين تواجه تحديات داخلية وخارجية مع اقتراب الذكرى السبعين لتأسيس البلاد
مع اقتراب الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من
أكتوبر، يجد الرئيس شي جينبينغ نفسه بمواجهة تحديات من عدة جبهات في حين من المفترض أن ذلك يكون احتفالا بانتصار الشيوعية وبسلطته كرئيس دون منازع لسنوات عديدة.
ومن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، مرورا بتظاهرات هونغ كونغ المتواصلة التي تتحدى حكمه، إلى التنديد الدولي بتعامل بكين مع أقلية الاويغور في إقليم شينجيانع، يواجه الرئيس الصيني، بحسب محللين، عاما سيئا جدا .
فضلا عن ذلك، لم تترك هذه الأزمات للرئيس الصيني مجالا واسعا للتحرك وترسيخ التأييد له في الداخل.
ورأت المحللة المختصة بالشؤون الصينية في مركز أبحاث “تي اس لومبارد” إليانور أولكوت أن “شي جينبينغ يمر بأصعب عام منذ وصوله إلى السلطة”.
وتابعت “لا يقتصر الأمر على اضطرابات في أطراف الصين في هونغ كونغ وشينجيانغ، بل إن الحرب التجارية كذلك تثقل اقتصادا متباطئا أصلا “.
ولم يكن من المتوقع أن تتخذ الأمور مثل هذا الانعطاف بالنسبة للزعيم الصيني.
ففي مؤتمر دافوس عام 2017، بعد أسابيع من تنصيب دونالد ترامب المؤيد للحمائية رئيسا للولايات المتحدة، بذل شي أقصى الجهود ليظهر نفسه كمنقذ للعولمة، ممهدا لدور الصين كقوة قيادية عالمية.
وأمل البعض أن يفتح شي الباب أمام مزيد من الإصلاحات الداخلية لكن هذه التطلعات باتت من الماضي الان.
وبحسب أولكولت “فإن جينبينغ الذي برز على الساحة العالمية كمدافع عن نظام اقتصادي عالمي ليبرالي في دافوس عام 2017، لم يعد موجودا الآن”.
مع توليه ولايته الثانية كأمين عام للحزب الشيوعي في تشرين الأول/أكتوبر 2017، كان شي في مركز نظام تمجيد الشخصيات الذي تعززه الدولة.
والعام الماضي، قام بتكريس “عقيدة شي جينبيغ” في الدستور الصيني. وبخطوة صادمة، ألغى تحديد عدد الولايات التي يمكن توليها، منقلبا على نظام تعاقب السلطة الذي وضع لتفادي وصول شخص بالغ النفوذ، أو ماو تسي تونغ آخر، إلى الحكم.
وبات شي، من خلال حربه على الفساد ودعواته لإعادة إحياء الحزب الشيوعي، أقوى زعيم صيني خلال عقود، تسمح له التعديلات الدستورية بأن يحكم البلاد بقدر ما يرغب.
ويعني وضع شي لمساته الشخصية في الحكومة الصينية أنه، وفي ظل الأزمات الحالية، موجود مباشرة في مرمى السهام.
وقوضت الحرب التجارية غير المتوقعة مع الولايات المتحدة الثقة بالاقتصاد وتركت تاثيراتها عليه بشكل كبير.
واجهت كذلك مبادرة البنى التحتية العالمية “الحزام والطريق” العديد من الصعوبات، مع انتقادات تقول إن هذه الخطة صممت من أجل تعزيز نفوذ بكين، كما أنها تفتقر للشفافية وستوقع الحكومات الشريكة في ديون.
ولقي قمع الايغور في شينجيانغ المنطقة التي تعد أساسية لنجاح مشروع “الحزام والطريق”، تنديدا دوليا شديدا، خصوصا مع ورود تقارير تتحدث عن وضع نحو مليون مسلم في مراكز احتجاز بذريعة مكافحة الارهاب.
ورأى الخبير في العلاقات بين تايوان والصين في “مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية” ستيف تشانغ أن “شي أوجد مشاكل اصبحت تحديات كبرى له وللصين”.
أما التحدي الأكبر لسلطة الزعيم فتأتي من هونغ كونغ المدينة المالية شبه المستقلة، ويبدو أنه فوجئ بما يحدث هناك.
واحتلت صور متظاهرين شباب مؤيدين للديموقراطية بمواجهة شرطة مكافحة الشغب وسط سحب دخان الغاز المسيل للدموع الصحف والمواقع العالمية لأسابيع، فيما يكتسب الحراك الذي يدعو إلى تطبيق نظام اقتراع عام في المدينة تأييدا واسعا.
وتتمتع هونغ كونغ التي أعادتها بريطانيا إلى الصين في عام 1997 وتحكم انطلاقا من مبدأ “بلد واحد ونظامان”، بحريات لا مثيل لها في البر الرئيسي.
لكن المتظاهرين يقولون إن هذه الحريات تتراجع وانتقدوا بوضوح حزم الصين المتصاعد والمخاوف من أنها ستتدخل بقوة لقمع التحرك ما قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
تبقى قبضة شي على الصين قوية حتى الآن رغم التحديات التي تواجهه.
ورأى تشانغ “أن أيا من تلك التحديات لم يغضب أحدا في القيادات العليا بما فيه الكفاية ليقوم بتحدي شي بشكل علني. وطالما انهم في الظل، فسيبقى شي في السلطة”.
وفيما يتصاعد الانتقاد الدولي له، يقول محللون إن شي والحزب الشيوعي، يمكن أن يقوما باستغلال هذه الهجمات ضده خدمة لدواع ايديولوجية.
وقالت أولكوت “نجحت آلة الاعلام الرسمي بتصوير الحرب التجارية وتظاهرات هونغ كونغ على أنها ناتجة عن تدخل خارجي ظالم يسعى لعرقلة صعود الصين”.
وتابعت “سيثير شي هذه السردية في احتفالات الذكرى السبعين، وسيشدد على ضرورة ان تصوغ الصين مسار التطور الخاص بها استنادا إلى توجيهات ايديولوجية الرئيس”.
هونغ كونغ بوابة بكين على العالم
تبقى هونغ كونغ البوابة الاقتصادية الرئيسية لبكين على العالم رغم أن وزن المدينة في الاقتصاد الصيني تراجع عما كان عليه عام 1997 عند عودتها إلى الصين.
وحذرت كاري لام رئيسة السلطة التنفيذية المحلية المعينة من بكين مؤخرا بأن الأزمة السياسية التي تهز المستعمرة البريطانية السابقة على وقع التظاهرات المطالبة بالديموقراطية، قد تعرض للخطر اقتصاد هونغ كونغ وتكون لها عواقب أسوأ من تبعات الأزمة المالية عام 2008.
وستكون لمثل هذا الوضع حتما انعكاسات على بكين.
ولا يمثل إجمالي الناتج القومي لهونغ كونغ حاليا سوى 3% من إجمالي الناتج القومي الصيني، بالمقارنة مع حوالى 18,5% عام 1997، بحسب معطيات البنك الدولي.
لكن المستعمرة البريطانية السابقة تحتفظ بموقع مهيمن بالنسبة للقوة الاقتصادية الثانية في العالم.
وأوضح تيانلي هوانغ في تحليل أصدره معهد بيترسون للاقتصاد الدولي الذي يتخذ مقرا له في واشنطن، أن “أهمية هونغ كونغ في الاقتصاد الصيني غير متناسبة مع حجمها” الذي لا يتعدى 1100 كلم مربع.
وتابع أن بكين عمدت منذ 1997 إلى “تطوير مصالحها الاقتصادية والتجارية الهائلة في هذه المنطقة. ويدرك القادة الصينيون أنه لضمان ازدهارها، الصين بحاجة على الدوام لهونغ كونغ رأسمالية”.
وما يعزز ذلك أن بعض القادة الصينيين يملكون شخصيا أموالا في مصارف هونغ كونغ واستثمارات مباشرة في المدينة سواء في القطاع العقاري أوفي شركات ومحلات تجارية.
وقال المحلل في الجامعة الصينية في هونغ كونغ ويلي لام “هناك استثمارات كثيفة في هونغ كونغ لما يعرف بالأرستقراطية الحمراء” مضيفا “لا يودون انهيار سوق البورصة والسوق العقارية”.
وتتمتع المدينة ذات الحكم شبه الذاتي بمزايا عديدة تجتذب رواد الأعمال الصينيين.
فهي مدرجة في المرتبة الرابعة من تصنيف البنك العالمي لسهولة مزاولة الأعمال للعام 2019، في حين تأتي الصين في المرتبة الـ46 من هذا الترتيب.
وتستفيد آلاف الشركات الصينية بالتالي من سهولة تنقل الرساميل في هونغ كونغ خلافا للوضع في باقي البلاد الذي لا يتمتع بالمرونة نفسها على صعيد التشريعات.
وهذا ما تعكسه الأرقام المتعلقة بتداخل اقتصاد ي هونغ كونغ والصين القارية. فبحسب بيانات مجلس هونغ كونغ للتنمية والتجارة، فإن نحو 60 بالمئة من الاستثمارات القادمة من الصين تمر عبر هونغ كونغ، كما أن المدينة تضخ رساميل ضخمة في الاقتصاد الصيني، إذ أنها أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين القارية، بحسب المصدر ذاته.
تعتبر هونغ كونغ من المراكز المالية الكبرى في العالم ويجري التداول بأسهم قسم كبير من الشركات الصينية في سوقها المالية، بحسب بيانات بورصة “هونغ كونغ إكستشينج أند كليرينغ ليميتد”.
كما يتم تداول أسهم شركة الإنترنت العملاقة “تينسينت” وشركة التأمين الكبرى “بينغ أن” في هونغ كونغ. وتدرس مجموعة “علي بابا” العملاقة الصينية للتجارة الإلكترونية المدرجة في بورصة نيويورك عملية ثانية لطرح أسهمها في المستعمرة البريطانية السابقة لضمان وصولها إلى المستثمرين الآسيويين وسط الحرب التكنولوجية القائمة بين بكين وواشنطن.
وفي حال استمرت حركة الاحتجاجات ضد بكين، فإن عواقبها قد تنعكس بشكل مباشر على الشركات الصينية المدرجة في بورصة هونغ كونغ.
وقال الأستاذ في جامعة العلوم والتكنولوجيا في هونغ كونغ مينغ سينغ إن “قدرة (المدينة) على جمع رساميل للشركات الصينية ستقو ض في حال استمرار الاضطرابات السياسية”.
ينص الاتفاق الصيني البريطاني الذي يعود إلى 1984 وتمت بموجبه إعادة هونغ كونغ إلى بكين على وضع خاص للمدينة يقوم على مبدأ “بلد واحد ونظامان”، ويفترض أن يبقى ساريا لمدة خمسين عاما.
وهذا الحكم الذاتي يوفر الأمان على مستوى التشريعات لآلاف الشركات الأجنبية من مصارف وشركات تأمين واستشارات، كما لمئات الشركات الصينية أيضا، خلافا لما هي الحال في البر الصيني.
وقال ويلي لام إن “الشركات المتعددة الجنسيات الأميركية والأوروبية والآسيوية تود توقيع عقودها في هونغ كونغ لتكون خاضعة لقوانين وتنظيمات على الطراز البريطاني” في حين أنه “إذا تم التوقيع في شانغهاي، لن تحصل على حماية مماثلة”.
شينزن: المدينة الحدودية البعيدة
قريبة جدا لكنها في الآن نفسه بعيدة كل البعد … إنها مدينة شينزن الصينية الواقعة على أبواب هونغ كونغ، والتي تتشرب الدعاية الصينية، ولا تبدي تعاطفا كبيرا مع متظاهري المستعمرة البريطانية السابقة.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال سائق سيارة أجرة في شينزن فضل التكتم على اسمه، تعليقا على ما يقوم به المتظاهرون منذ أكثر من شهرين، متحدين السلطة التنفيذية المؤيدة لبكين على الجانب الاخر من الحدود، “إنهم لا يفعلون سوى إيذاء أنفسهم”.
وتساءل “ماذا سيفعلون عندما ينهار الاقتصاد ويتوقف السياح عن الذهاب إلى هناك؟”، بينما تجمع رجال الشرطة العسكرية، تساندهم الشاحنات والمركبات المدرعة، في استاد المدينة، على بعد 7 كلم من الحدود.
وعلى الرغم من إعادة هونغ كونغ إلى الصين في 1997، إلا أنها لا تزال منفصلة عن الصين الشيوعية بموجب مبدأ “دولة واحدة- نظامان”: إذ تتمتع بحكم ذاتي ولها عملتها الخاصة وحدودها وحرياتها غير المعروفة في القارة، كحرية التظاهر على سبيل المثال.
ولا يستطيع صينيو جمهورية الصين الشعبية دخول هونغ كونغ بحرية: فهم يحتاجون إلى تصريح خاص، مع مدة إقامة محدودة.
اما شينزن فتبقى داخل “السور الاعلامي الكبير” الذي تفرضه بكين ويمنع دخول معلومات تعتبرها السلطات غير مرغوب فيها.
لذلك فان وسائل الإعلام الحكومية التي تصف المتظاهرين في هونغ كونغ بأنهم “مثيرون للشغب” يلجأون للعنف ومعادون للصين وانفصاليون، وبالتالي “شبه ارهابيين”، هي مصدر المعلومات الوحيد تقريبا في المدينة.
وقال أحد سكان شينزن مفضلا عدم الكشف عن هويته كما يحصل في الصين لدى الحديث عن مسألة سياسية، “الشبان لا يفكرون، فهم مدللون للغاية”.
وفيما تلمح بكين الى تدخل مسلح لقمع الاضطرابات، يقول مواطن آخر اسمه شن، أن “الحزب الشيوعي لا يخاف من الاضطرابات”.
ويؤيد كثيرون نظرية الحكم التي تفيد ان التظاهرات هي نتيجة مؤامرة من الخارج – وإن كانوا يقصدون الولايات المتحدة، دون أن يسموها.
ويؤكد رجل يدعى فينغ “لقد حاصر الأميركيون بلادنا”. واضاف ان التظاهرات “هي بالتأكيد نتيجة للتأثيرات الأجنبية: فهم يدفعون للطلبة والعاطلين عن العمل من أجل التسبب بمشاكل والذهاب للاحتجاج”.واوضح عامل مهاجر اسمه شان “هذه هي نتيجة التأثير التايواني والأميركي والبريطاني”. واضاف “يبدو أنهم يدفعون لهم حتى 10000 يوان” (1275 يورو) عن كل تظاهرة.
لم تكن شينزن سوى قرية متواضعة للصيادين عندما أصبحت في 1980 “منطقة اقتصادية خاصة” لجذب الاستثمار من هونغ كونغ، التي كانت لا تزال تحت الإدارة البريطانية.
وبعد مرور ما يقرب من 40 عاما، أصبحت شينزن مدينة في في ذروة الحداثة ويبلغ عدد سكانها 12،5 مليون نسمة، أي أكثر بكثير من جارتها هونغ كونغ حيث يعيش 7 ملايين نسمة.
وعلى رغم وجهات نظرهم المختلفة، فإن سكان المدينتين أقرب إلى بعضهم البعض، اكثر من أي وقت مضى. ويربط قطار سريع د شن العام الماضي بين المدينتين في أقل من 20 دقيقة.
لكن حتى بين أولئك الذين يزعمون أنهم يفهمون التظاهرات المطالبة بالديمقراطية، يبدو الخوف من المتظاهرين قويا، يضاعف التقسيم اللغوي بين الكانتونية التي يتحدث بها سكان هونغ كونغ، والمندارينية التي يتحدث بها القسم الاكبر من سكان شينزن.
وأوضح عامل يؤكد انه يسافر منذ 20 عاما بين المدينتين، “يجب أن يكونوا قادرين” على الدفاع عن حقوقهم.
وخلص الى القول “أردت الذهاب إلى هونغ كونغ لمشاهدة التظاهرات، لكني أخشى من ان يعتدوا على الاشخاص الذين يتحدثون اللغة المندارينية”.