«من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم».. قراءة تحليلية في تحولات العالم من منظور الاستاذ فتح الله ولعلو

 

في لقاء نظمته شعبة القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قدم الأستاذ فتح الله ولعلو كتابه الأخير «من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم»، حيث استعرض تطور مفهوم العالم الثالث والتحولات الكبرى التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة، والتي أدت إلى بروز مفهوم الجنوب المعولم». كما ناقش انعكاسات هذه التحولات على المغرب وإمكاناته في أن يصبح أحد تعبيرات هذا الجنوب، مما قد يمكنه من لعب دور استراتيجي في الربط بين أوروبا وإفريقيا. يربط الكاتب بين التحولات التي شهدها العالم منذ الحربين العالميتين والثورة البلشفية، مرورا بالأزمة الاقتصادية العالمية وصعود المد الاشتراكي وانقسام العالم إلى جبهتين، وصولًا إلى نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، وهو الحدث الذي أدى إلى إعادة توجيه أولويات الدول النامية نحو الاندماج في العولمة الاقتصادية بدلا من التمسك بأطروحة «العالم الثالث».
فهل يعني ذلك أن العولمة قد نجحت في خلق فرص متكافئة بين الشمال والجنوب؟ أم أن التفاوتات بين الدول النامية نفسها أصبحت أكثر وضوحًا من ذي قبل؟
صعود الصين وتراجع أوروبا إعادة تشكيل موازين القوى؟

إحدى القضايا المركزية التي يناقشها الكتاب هي صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية. فمن خلال مبادرة الحزام والطريق طريق الحرير الجديد)، تسعى الصين إلى إعادة تشكيل التدفقات التجارية والاستثمارية العالمية، مما يعكس تحول موازين القوة لصالح اقتصادات الجنوب. لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار النموذج الصيني مسارا قابلاً للتكرار في دول الجنوب الأخرى؟ وما هي حدود هذا التحول في ظل المنافسة المتزايدة مع الغرب؟
في المقابل، يشير الكاتب إلى تراجع دور أوروبا في النظام الدولي الجديد، حيث تواجه القارة تحديات داخلية وخارجية تعيق قدرتها على الحفاظ على موقعها التقليدي كفاعل رئيسي في السياسة والاقتصاد الدوليين. فهل يعكس هذا التراجع نهاية الدور القيادي لأوروبا؟ أم أن القارة تعيد تعريف موقعها ضمن نظام عالمي أكثر تعقيدا وتعددية؟
التحولات الديموغرافية:
فرصة أم تحدٍ جديد؟

من النقاط المهمة التي يثيرها الكاتب مسألة التغيرات الديموغرافية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي. ففي الوقت الذي تواجه فيه الصين شيخوخة سكانية متسارعة تعيش إفريقيا انفجارا ديموغرافيا قد يجعلها القارة الأكثر كثافة سكانية خلال العقود المقبلة. فهل يمثل هذا التفاوت الديموغرافي فرصة جديدة لإفريقيا لاستغلال مواردها البشرية في تحقيق التنمية؟ أم أن غياب سياسات تنموية فعالة قد يجعل هذا النمو السكاني تحديا يفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في القارة؟
الابتكار والاقتصاد الرقمي: هل يحدد مستقبل الدول؟ يشير الكتاب إلى أهمية الابتكار في تحديد موقع الدول في الاقتصاد العالمي، حيث لم يعد التمو الاقتصادي مرتبطا فقط بتوفر الموارد الطبيعية أو اليد العاملة الرخيصة، بل أصبح يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا الرقمية الذكاء الاصطناعي، واقتصاد المعرفة. لكن، هل يمكن لدول الجنوب مواكبة هذا التحول والاستثمار في البحث والتطوير رغم التحديات الهيكلية والمالية التي تواجهها؟ وما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها لتقليل الفجوة الرقمية مع الدول المتقدمة؟
الجنوب المعولم: واقع جديد أم إعادة إنتاج للهامشية؟

ما يميز الطرح الذي يقدمه ولعلو هو اعتماده على نظرة تاريخية تحليلية، حيث يتناول مفهوم الجنوب المعولم عبر مقاربة تجمع بين التحليل التاريخي والاستشراف المستقبلي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الجنوب المعولم كيان موحد بمصالح مشتركة، أم أن الفروقات الاقتصادية بين دوله تجعله مصطلحا واسقا يصعب تحديد معالمه بدقة؟
دعوة للتأمل والنقاش

كتاب «من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم يقدم رؤية تحليلية متماسكة حول التحولات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، ويفتح المجال أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل الجنوب في النظام العالمي الجديد. فهل يمثل هذا التحول فرصة حقيقية لدول الجنوب لمغادرة موقع التبعية، أم أنه مجرد مرحلة جديدة من إعادة ترتيب النفوذ العالمي؟ وكيف يمكن لدول مثل المغرب أن تستفيد من هذه التحولات لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية على الصعيد الدولي؟ هذه الأسئلة تجعل من قراءة الكتاب فرصة لفهم أعمق للتغيرات التي يشهدها العالم اليوم، والنقاش حول السيناريوهات المستقبلية الممكنة.


الكاتب :   الحسن عاشي

  

بتاريخ : 28/02/2025