لم تمر فاجعة زلزال 8 شتنبر 2023 دون أن تترك بصماتها في وجداننا وقلوبنا على شكل أضواء كاشفة، اخترقت قرى الحوز وجبالها، ومعها جبال الأطلس الكبير الشاهقة التابعة لإقليم تارودانت، بما في ذلك انهيار شبه كلي للسور التاريخي للمدينة، دون نسيان شيشاوة … لتجبر القريب والبعيد على أن يستيقظ ويردد اللهم إن هذا منكر، ويتساءل كيف تخلى المسؤولون منذ الاستقلال إلى الآن على ساكنة هذه المناطق دون توفير ضروريات الحياة؟ والتي منها على سبيل المثال لا الحصر، فك العزلة بتوفير شبكة الطرق المنعدمة، وتوفير مستوصفات ومستشفيات مجهزة ومتوفرة على أطباء وممرضين وأدوية، ودون توفير العمود الفقري للحياة التعليم بأسلاكه من الابتدائي إلى الجامعة، وتوفير الشغل المناسب لكل منطقة، بدل ترك الشباب والشابات يغادرون هذه المنطقة وتلك، إلى هذه المدينة وتلك، وإلى خارج الوطن، ولو على قوارب الموت، قصد إعالة باقي أفراد الأسر الذين تركوهم بين تلك الجبال.
إن ما وقع، بالرغم من حجم الألم الذي خلّفه قد يكون مناسبة لإنصاف عالمنا القروي جنوبا وشمالا شرقا وغربا، فمن مخلفات فاجعة زلزال 8/9/2023 مكسب تاريخي مشرق، مكسب التضامن التلقائي بين أبناء هذا الوطن الذي لا نظير له، والمستمد من ثقافتنا ومن ممارستنا اليومية، ويدل عليها المثل القائل (ياتتزويتءورارتسكارتامنت)، النحلة الواحدة لا تضع العسل، وحدة المسيرة الخضراء الخ، التي جمعت بين العرش والشعب، وكانت النتيجة مباركة وإعجاب العالم، الأعداء قبل الأصدقاء، فقد ساهم الكل حتى من لا يملك قوت يومه، وتعرف المواطن أكثر في هذه الفاجعة على جيشنا ودركنا وعلى قواتنا المساعدة الذين هبوا بأمر ملكي لإنقاذ من يمكن إنقاذهم من إخوانهم، لا برفع الأنقاض فقط، بل ببناء مستشفيات ميدانية وتوفير العلاج للجرحى ودفن الموتى تغمدهم الله برحمته، إلى جانب العمل على توفير أقسام دراسية مؤقتة من الخيام، وغيرها من المبادرات والتدخلات الأخرى المختلفة لتخفيف الوقع عن المتضررين …
هذا الدرس المتميز في الوحدة والتضامن يجعلني بالمقابل أخشى كالعديد من المواطنين من أن يكون هناك بعض التعثر فيما يخص إعادة بناء المنازل والقرى المنهارة كليا أو جزئيا، وكأحد المواطنين المنتمين إلى تلك المناطق التي عمقت فاجعة الزلزال جرحها وأزال الستار عن المستور، أتمنى أن يكون هناك تتبع دقيق لكل تفاصيل تنزيل البرنامج المسطر على الأرض لكي تجد كل مضامينه وتوصياته طريقها للتفعيل السريع وفقا لانتظارات الساكنة واحتياجاتها الخاصة والعامة. نقطة أخرى تجب الإشارة إليها بمناسبة هذا الحديث وهي المتعلقة بمطلب المجتمع المدني التابع لإقليم تارودانت عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أكثر من مناسبة والذي كان محقا فيه، والمتمثل في إحداث عمالة ثانية للإقليم، لأن العمالة الحالية تشرف كما ذكرنا في أكثر من مناسبة على تسعة وثمانين جماعة، منها سبع بلديات كبيرة، و72 قروية معلقة في الجبال، مما يجعل من إحداث عمالة ثانية مطلبا مشروعا. وقد نعود لاستخلاص العبر من الزلزال.
من دروس زلزال الحوز .. الوحدة والتضامن والتعرف على المجال المنسي
الكاتب : محمد مستاوي
بتاريخ : 11/10/2023